موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٥ يونيو / حزيران ٢٠١٩
الصعود: يبقى المسيح مرتبطًا بعمق في حياة الكنيسة

المطران بييرباتيستا :

نحتفل اليوم بعيد الصعود ونقرأ الآيات الأخيرة من إنجيل لوقا (لو ٢٤: ٤٦- ٥٣).

يتميز النص بعناصر عديدة سنشير إلى بعضها.

بداية، ينقسم النص إلى قسمين. القسم الأول (الآيات ٤٦- ٤٩) يروي نهاية ظهور القائم من بين الأموات للتلاميذ في العلية بعد رجوع تلميذي عمّاوس ورواية لقائهما معه في الطريق (لوقا ٢٤: ٣٣).

لاحقاً (الآيات ٤٧- ٥٠)، يصطحب يسوع تلاميذه خارج أورشليم باتجاه بيت عنيا ومن هناك يرتفع إلى الآب.

في إنجيل القديس لوقا وعند ترائي يسوع لتلاميذه، يفتح دائماً عقولهم لفهم الكتب المقدسة. لا يُعطي تفسيراً عن قيامته ولا يقول شيئاً عما حدث له، إلا من خلال إشارته إلى مخطط الله ذلك لأن هذا المخطط قد تمّ، كما يقول.

وعلى غرار ذلك يفعل الملاك مع النسوة في صباح الفصح (لوقا ٢٤: ٧).

ويحقق يسوع، في طاعته للآب، تاريخ الخلاص الذي وعد الله به الشعب اليهودي على مدى قرون طويلة.

ما هو هذا المخطط وما هذا الوعد؟

الوعد هو عبارة عن عهد جديد رأى الأنبياء فيه الفرصة الوحيدة لتكتمل العلاقة بين الله وشعبه وتصبح حقيقية وقابلة للتحقق.

لم يعد هذا العهد يرتبط بالشريعة، بل بالحياة الجديدة التي سيمنحها الله. إنه العهد الذي تكلّم عنه إرميا (٣١: ٣١- ٣٤) وهو المطبوع في القلوب.

يقول يسوع أن هذا العهد قد تمّ بفضل آلامه. في المقطع الإنجيلي الذي يروي قصة العشاء الأخير، كان لوقا الشخص الوحيد الذي استخدم عبارة "العهد الجديد بدمي" (لوقا ٢٢: ٢٠)، لأن العهد الجديد هو حياته ودمه الذي يُراق ويُسكب من أجلنا وفينا.

إن صحّت كل هذه الأمور يستطيع يسوع الآن أن يعود إلى الآب، ليس لأنه أتم رسالته بين البشر فحسب بل أيضاً لأنه، حتى وإن ذهب، سيبقى على الأرض في حياة تلاميذه. وعليه، فإن منطق الملكوت قد وُضع في أيدي تلاميذه وفي قلوبهم الجديدة، وأصبح العهد معيار ومعنى حياة الكنيسة.

يواصل النبي إرميا في سفره قوله: "ولا يُعَلِّمُ بَعدُ كُلُّ واحِدٍ قريبه وكُلُّ واحِدٍ أخاه قائلاً: اعرِفِ الرَّبّ، لأنَّ جميعهم سيَعرِفونني من صَغيرهم إلى كبيرهم" (إرميا ٣١: ٣٤). لقد تمّ ترسيخ الشريعة في القلوب وكل واحد يحمل الرب في جسده. يستطيع يسوع الآن أن يعود إلى المكان الذي كان قد جاء منه.

العنصر الثاني الذي يربط نص اليوم مع خطاب تتميم العهد يتعلق بالمغفرة.

لنعد إلى سفر إرميا (٣١: ٣٤). لماذا سيعرفني الجميع؟ "لأنِّي سأَغفِرُ إثمَهم ولن أَذكُرَ خَطيئَتَهم مِن بَعدُ."

إن العهد الجديد، بدم يسوع، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمغفرة الله لشعبه. نستطيع القول إن العهد الجديد هو الفرصة التي أُعطيت للإنسان كي يفتح قلبه لنيل مغفرة غير محدودة.

ما الذي سيعلنه التلاميذ ابتداءً من أورشليم؟

سيعلنون ببساطة "التوبة وغُفران الخطايا" (لوقا ٢٤: ٤٧).

سيتم ذلك الإعلان ليس لأنهم تعلّموا وسمعوا هذه الأمور من شخص ما، بل لأنهم كانوا شهوداً عليها (لوقا ٢٤: ٤٨) وعاشوا خبرتها أولاً. منذ البداية، وبعد خياناتهم وهروبهم شعروا بمحبة الله التي وصلت درجة مغفرة الخطايا.

لن يقوموا بهذه الأمور وحدهم ولكنهم سيلبسون قوة من العلى (لوقا ٢٤: ٤٩)، بفضل الروح القدس الذي سيذكّرهم بجميع الأمور التي قام بها الله من أجل حياتهم.

وما أجمل الأمر حينما يصعد يسوع إلى السماء ويبارك تلاميذه (لوقا ٢٤: ٥٠) ذلك لأن البركة ليست سوى حضور جديد ليسوع بين تلاميذه. ينفصل عنهم (لوقا ٢٤: ٥١) غير أن ذلك لا يمثل غياباً لأنه في الواقع لا يذهب بصورة مطلقة. يذهب ويبقى مرتبطاً بعمق في حياة الكنيسة، في قلب العالم.