موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٣٠ يوليو / تموز ٢٠٢٣
البطريرك الراعي: في لبنان خسر الإنسان إنسانيته وأصبح شريرًا وبدلاً من أن يبني نراه يهدم

أبونا :

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي في الأحد العاشر من زمن العنصرة، في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، في حضور عدد كبير من راهبات اخوات يسوع الصغيرات، وحشد من المؤمنين.

 

وبعد تلاوة الانجيل المقدس القى الراعي عظةً قال فيها: "من آية شفاء الممسوس، الأعمى والأخرس، وكلام الربّ يسوع، تتبيّن حقيقة وجود الشيطان والأرواح الشريرة، ويتبيّن انتصار يسوع على الشيطان والأرواح. وكان انتصاره النهائيّ بموته على الصليب وقيامته. وقد أعطى كنيسته، بواسطة سرّ الكهنوت سلطانًا إلهيًّا، تمارسه باسمه وبشخصه، فتشفي الأجساد من أمراضها، والنفوس من خطاياها ومن سيطرة الشيطان والأرواح الشريرة، وتملأهم نعمة خلاصيّة تصحّح مجرى حياتهم وتجدّدها وتقدّسها "وفقًا لقامة المسيح" (راجع أفسس 4: 13). هذا هو مقياس روحانيّتنا المسيحيّة وأخلاقيّتنا".

 

أضاف: "إنجيل اليوم يؤكّد وجود الشيطان والأرواح الشريرة التي تؤثّر على الإنسان إما في جسده مثل ذاك الرجل الذي أفقده المسّ الشيطاني النطق والبصر، فأصبح أخرس وأعمى، وإمّا تؤثّر على عقله وإرادته بالغش والكذب وتقوده الى الخطيئة، مثلما أسقط الشيطان آدم وحوّاء (را. تك 3: 1-7)، ومثلما جرّب الشيطان يسوع ثلاثًا في البريّة عند صيامه، فانتصر عليه بالعودة إلى كلام الله (را. متى 4: 10-11)، وكذلك فعل ويفعل مع الأبرار والأتقياء ومحبّي الله، الذين ينتصرون عليه بالصلاة واللجوء إلى كلام الله. يسمّي الربّ يسوع الشيطان "بالكذّاب وأبي الكذب" (يو 8: 4).

 

تابع: "سمعنا في الإنجيل أنّ الربّ يسوع جاء إلى العالم ليجمع أبناء الله وبناته إلى واحد. أمّا الشيطان فيفرّق ويُبدّد. وهذا ما يعنيه اسمه "إبليس"، أي الذي يقطع خطّ التواصل، ويحوّل مجراه. فيما يسير المؤمن في طريقه إلى الإتحاد بالله، يأتي إبليس ويقطع طريقه ويحوّله نحو ارتكاب الخطيئة والشرّ بغشّ وإغواء ووعود كاذبة. الرسالة المسيحيّة هي السعي إلى الجمع، إلى الوحدة، إلى الشركة. كلُّ مسعى الى الخلافات والانقسامات والعداوات انما هو خروج عن المسيحيّة، وعداوة للمسيح. فكلامُه في إنجيل اليوم واضحٌ وصريح: "من لا يجمع معي فهو يبدّد" (متى 12: 30). السبيل إلى الوحدة والشركة يرتكز على الحقيقة التي تحرّر وتجمع، وعلى العدالة التي تعطي كلّ شخص حقّه، وعلى المحبّة التي تدفع من الداخل كرغبة وتصميم وتوق إلى بناء الوحدة والشركة".

 

 

الأوضاع اللبنانيّة

 

أضاف: "نشهد عندنا اليوم وبكل أسف فسادًا على كلّ صعيد: فسادًا سياسيًّا، فسادًا أخلاقيًّا، فسادًا إداريًّا، فسادًا قضائيًّا، فسادًا تجاريًا. فخسرت العقول الحقيقة واتّجهت نحو الكذب؛ وخسرت الإرادات الطاقة على الخير، ومالت إلى الشرّ والظلم والإستبداد والإستكبار؛ وخسر الإنسان إنسانيّته وبهاء صورة الله فيه، فأصبح شريرًا. هذا هو مكمن إنهيار العمل السياسيّ عندنا في لبنان، فبدلًا من ان يبني، نراه يهدم، بدءًا من عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ أحد عشر شهرًا، وصولًا إلى تعطيل المجلس النيابيّ الذي أصبح هيئة ناخبة وفاقدة حقّ التشريع، وإلى جعل الحكومة محصورة في تصريف الأعمال وبالتالي فاقدة حقّ التعيين، وصولًا إلى إسقاط المؤسّسات الدستوريّة والإداريّة الواحدة تلو الأخرى. هذا بالإضافة إلى تفشّي روح الحقد والبغض والضغينة والكبرياء والإستبداد وروح الهدم وأخذ البلاد رهينة بشعبها وأرضها ومؤسّساتها لصالح شخص أو فئة أو مخطط. وفوق كلّ ذلك بل والاخطر أنهم يضعون الله وكلامه ورسومه ووصاياه جانبًا، وكأنّه غير موجود، على الرغم من المظاهر الدينيّة الزائفة والكاذبة.

 

وتساءل: "هل من احد يشرح لنا لماذا لا يلتئم المجلس النيابي في جلسات متتالية بدوراتها لانتخاب رئيس للجمهورية بحسب المادة 49 من الدستور، ويوجد مرشحان أساسيان كفؤان كما ظهر في جلسة 14 حزيران الماضي؟ فإما ينجح واحد منهما وإما لا أحد، ولكن بعد ثلاث دورات متتالية على الأكثر، يصار إلى الاتفاق على ثالث بحوار مسؤول. وهل من يقول لنا لماذا أُبطل النصاب في تلك الجلسة التي كادت أن تكون حاسمة؟ وهل من يشرح لنا الغاية من ترحيل هذا  الاستحقاق الاساسي لقيام مؤسسات الدولة إلى شهر أيلول؟ أهي عطلة شهر آب للسادة النواب، للاستجمام بحرًا وجبلًا وسفرًا، فيما الشعب يموت جوعًا، والدولة في حالة الفوضى الدائرة، والنازحون السوريون يحتلون البلاد بدعم من الأسرة الدوليّة، ونحن مغفّلون، وهم متناسون أرضهم ووطنهم وتاريخهم وثقافتهم. فلو ان المسؤولين في الدولة يعتنون بجمع أموالها من فواتير الكهرباء والماء من الجميع، ولو أنهم يضبطون مداخيلها من الجمارك في المطار والمرافئ والمؤسسات الإدارية وسائر الدوائر التابعة لها، ولو ضبطت الخوّات لدى موظفيها، ولو أوقفت التهريب خروجًا ودخولًا عبر مداخلها الشرعية وغير الشرعية، ولو وضعت حدًّا للسرقات المالية، لوفّرت المال اللازم والكافي لدفع اجور موظّفي القطاع العام ورواتبهم، من دون المسّ بالاحتياط وبأموال المودعين في البنك المركزي".

 

وتوجه غبطته إلى المسؤولين: "لا يمكن الاستمرار في ضرب القطاعات الاقتصادية وخصوصًا القطاع السياحي الذي شهد هذا الصيف انتعاشًا بعودة المغتربين والسياح بعد الازمات المتنوعة التي عشناها حيث يتم اطلاق الشائعات الهدّامة حول ارتفاع الاسعار من دون ذكر وجود مروحة من الاسعار والخدمات. أتعلمون ان القطاع السياحي شكل خشبة الخلاص للاقتصاد المنهار، فبلغ عبر السنوات حوالي 25 بالمئة من الدخل القومي؟ لقد تم فرض رسوم اشغال على الاملاك العامة والمنتجعات البحرية من قبل الدولة بالدولار الفراش بينما تغاضت عن القيام باي تسوية لشاغلي الاملاك النهرية ومشاعات الدولة واملاكها الخاصة، مما يحرمها من أن تؤمّن مداخيل طائلة للخزينة واستقرار الاستثمار على انواعه. فهل ما يجوز من ناحية لا يجوز من ناحية اخرى؟ إن الحفاظ على القطاع السياحي اسوة بباقي القطاعات هو في اساس بناء الوطن والحفاظ على ابنائها".

 

وختم البطريرك الراعي عظته بالقول: "في هذه الظروف الصعبة نلتجئ الى العناية الالهية، التي بيدها غير المنظورة تُحافظ على لبنان، كأرض مقدّسة. ولنلتَمس من الله أن يمسّ ضمائر المسؤولين عمّا آلت اليه بلادنا من انحطاط ودمار، لكي يعودوا الى الله، ويصغوا الى كلامه، ويعملوا بموجب رسومه ووصاياه. له المجد والشكر، الآب والابن والروح القدس، الآن والى الأبد، آمين".