موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٤ يونيو / حزيران ٢٠١٩
الأب مدروس يكتب حول ما دُعي اعتباطًا ’غفرانات‘

الأب د. بيتر مدروس :

<p dir="RTL">نستمرّ في تبيان أخويّ لأمور ربّما تخفى على العوام أو يصعب قبولها لنشر المناهج المدرسية والجامعية ولوسائل الإعلام ما هو مخالف لها، وقد تعوّد الناس أن يريحوا عقولهم فلا يبحثون ويستسلمون للمسلّمات، وإن كان بعضها مغلوط أو مغرض، في حين أنّ الحقيقة وحدها تحرّر.</p><p dir="RTL">ولا أكتم أنّ الكنيسة الكاثوليكية، على أصالتها وثباتها منذ عشرين قرنًا، منكودة الطّالع في الشرق والغرب، خصوصًا مع إخوتنا الأرثوذكس وإخوتنا البروتستنت، ناهيك عن إخوتنا غير المسيحيين. ولكنّها، على صمتها وتحفّظها، ليست عاجزة عن الرّدّ وإن ألزمت نفسها، منذ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، بلا مقابل ولا معاملة بالمثل، ألاّ تنتقد سواها من كنائس وأديان. فتوهّم معظم القوم أنّ سكوتها عجز واحترامها للمذاهب الأخرى إقرار بصوابها وهيمنتها وأنّ &quot;حائطها مائل غير عال&quot;. وهذا مخالف للحقيقة مخالفة الليل للنّهار. لذا، أتت وثيقة البابا القدّيس يوحنا بولس الثّاني في مطلع هذا القرن &quot;السيّد المسيح&quot; إحقاقًا للحقّ وتبديدًا لسوء الفهم ودفاعًا عن الكثلكة بكلّ صواب وكرامة ومحبّة.</p><p dir="RTL"><strong>أفكار ثلاثة أرباعها مغلوطة ووقائع مجهولة حول ما دُعي اعتباطًا &quot;غفرانات&quot;!</strong></p><p dir="RTL">بصراحة ربّنا، الحقّ هنا أوّلاً على الكاثوليك، والأقرب إلى الصّواب على رجال الدين العرب منهم الذين نقلوا أو &quot;ترجموا&quot; اللفظة اللاتينية بكلمة &quot;غفران&quot; وجمعها &quot;غفرانات&quot;. الأصل اللاتيني -وهو المرجع- هو &quot;إيندولجنتسيا&quot; (في الألمانيّة &quot;ابلاس&quot;) ولا يعني ولا بعد مليون سنة: &quot;غفران، مغفرة&quot;، بل التعويض عن الخطايا المغفورة، بالتوبة وبسرّ الاعتراف. لذا، كان النقل الصحيح &quot;التعويض&quot; لا &quot;الغفران&quot;. وكان التعويض يتمّ بأمور روحانية مثل زيارة كنائس وتحسن على الفقراء، أو مادية مثل الزكاة والتزكية للأموال، إرضاء لله وتعويضًا عن السيئات &quot;ودفعًا للبلاء&quot;.</p><p dir="RTL">والفكرة المنطقيّة هي أنّ &quot;الله لا يُستهزأ به&quot; (غلاطية 6: 7). فلا يكفي أن نستغفره تعالى، خصوصًا &quot;من طرف اللسان&quot;، لكي يغفر تعالى لنا. بل يجب أيضًا أن نعوّض عن الشرّ والضّرر اللذين سببّناهما. مثلاً، لا يكفي أن استغفر الله فقط بعد أن &quot;شنّعت&quot; (عفوًا) في صيت فتاة أو سيّدة. بل يجب الاعتذار لها علانية وتبرئة ساحتها أمام الّذين شهّرت بها لديهم.</p><p dir="RTL">غير صحيح أنّ &quot;الغفرانات&quot; حوت دومًا عنصر المال والتّبرّع. بل نعلم أن البابا أعلن &quot;غفرانًا كاملاً&quot; سنة ألف للميلاد، بمناسبة يوبيل الخلاص، وذلك من غير نقود، بل بزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين. ولكن الشرط للمغفرة هو نفسه منذ عشرين قرنًا: التوبة والاعتراف. وعندما اقترح البابا لاون العاشر غفرانات لتكملة بناء كنيسة مار بطرس، لم تتغير الشروط، وإن تبرّع القوم بمبالغ ما غفرت خطايا بل نالوا &quot;إيصالات&quot; عمّا قدّموا من زكاة. فلا توجد وما وُجدت قَطّ &quot;صكوك غفران&quot; بل صكوك أي إيصالات، وما كان &quot;الغفران&quot; بالعربية بل في اللغات اللاتينية والسكسونية مغفرة للخطايا بل تعويضًا عن الخطايا المغفورة بالتّوبة وسر الاعتراف والتصدق على الفقراء وزيارة سبع كنائس...</p><p dir="RTL">وعندما رأت الكنيسة بعض التّجاوزات وأدركت أنّ موضوع &quot;الغفرانات&quot; أضحى &quot;حصان طروادة&quot; للمحتجّين عليها (وأوّلهم الكاهن السويسري زوينغلي لا الراهب الألماني لوثير) منعت أي تبرع بالمال، أي أيّة زكاة أو تزكية ماليّة، وذلك في المجمع التريدنتيني، القسم الأخير منه، الجلسة الخامسة والعشرين، في القرن السادس عشر نفسه.</p>