موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٥
احتضان شارل دو فوكو للشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط

بقلم: جورجيو برناردلي ، ترجمة: منير بيوك :

 

إنهم يتبعون "الحياة الخفية" ليسوع، الذي قضى ثلاثين عاماً في الناصرة قبل بدء كرازته كنموذج يحتذى به. أنكم لن ترونهم في أغلب الأوقات في دائرة الضوء، ونادراً جداً ما يكون ذلك على أرض الواقع. ولكنهم على وشك إجراء استثناء (لمرة واحدة)، في حين تقترب الذكرى المئوية لوفاة الطوباوي شارل دي فوكو، الناسك الفرنسي الذي قضى الجزء الأكبر من حياته في الصحراء، تاركاً أثراً لا يمحى عن روحانية القرن العشرين. فالفروع المختلفة للعائلة الرهبانية المستوحاة من حياة هذا الناسك، قد نظمت عاماً من الاحتفالات بمناسبة الذكرى المئوية لوفاته المصادفة الأول من كانون أول. واليوم يصادف بداية الاحتفالات في مدينة الناصرة. فقد قتل مجموعة من اللصوص شارل دو فوكو في الأول من ديسمبر 2016 في تامنراست في الصحراء الجزائرية، حيث كان المغامر الفرنسي السابق قد استقر للعيش تكريساً لرسالته "كأخ للجميع"، وهي الصورة الحية لمحبة الرب يسوع للصغار، والفقراء، وغير المسيحيين.

 

لم يكن اختيار الناصرة كمركز للاحتفالات المئوية من قبيل الصدفة، فقد كان هذا المكان الذي شكل نقطة التحول الأساسية في رحلة شارل دو فوكو الروحية الذي عاش كناسك في دير بور كلارس بين العام 1897 و1900. وقد طور المثالية الخاصة به باتباع يسوع في "حياته الخفية" أيضاً، وذلك بالمشاركة الأخوية مع حياة أولئك الذين عاشوا فيما يمكن أن نسميه في أيامنا الحالية بأطراف العالم، كما كان الحال بالقرية الصغيرة في الجليل، التي صارت قلب سر التجسد، قبل ألفي سنة. وهكذا، ففي مساء اليوم بالناصرة، سيكون هناك موسيقى وسلسلة من القراءات من مذكرات شارل دو فوكو، مع احتساب السنوات الثلاث التي قضاها في مدينة البشارة. وسيحضر النائب البطريركي في الجليل المطران جاشينتو بولس ماركوتسو هذه الأمسية التي تقام في مدرسة العائلة المقدسة التي تديرها مؤسسة دون جوانيلا الدينية. هذه ليست سوى البداية من مجموعة كاملة من الأحداث التي سوف تشمل أربعاً وعشرين ساعة من السجود القرباني للسلام في الأول من ديسمبر 2015 (العيد الليتورجي للطوباوي دو فوكو، الذي رفعه إلى المذابح بندكتس السادس عشر في عام 2005)، وعرض باللغة العربية عن حياته، إضافة إلى لقاءات مع المدارس الكاثوليكية في الأرض المقدسة وأحداث دينية أخرى.

 

وإلى جانب هذه الذكرى السنوية، فإن الاحتفالات في الناصرة  تعني تقديم هدية خاصة إلى العالم العربي الذي يمر حاليًا بأوقات عصيبة جدًا. قال الأخ ماركو كوزيني، من إخوة "يسوع محبة" الصغار، الذي يوجد مقره في المنزل ذاته الذي كان يملكه المطوب دي فوكو في الناصرة: "إنه من المواطنين الموقرين بين مسيحيي الناصرة، كما إنهم فخورون به. لكن ذكراه تلاشت بين الأجيال الشابة حيث أن عدداً قليلاً جداً من الشعب يعرف عن حياته. وهذا هو السبب الذي جعلنا نشعر أن هناك حاجة ملحة للسماح لصوت المطوب تشارلز  أن يتردد صداه هنا مرة أخرى".

 

فهل ما يزال ممكنا إعادة استذكار مثالية هذه الشخصية التي تتميز بالأخوة غير المشروطة مع الجميع، وبين الجماعات المسيحية المضطهدة في الشرق الأوسط اليوم؟ قال الأخ كوزيني: "قبل سنوات الناصرة، عاش شارل دو فوكو في دير ترابيست في أكبس بسوريا. في تلك السنوات، بدأت بالفعل كارثة الإبادة الجماعية للأرمن. وقد احتفظ بسجلات دقيقة لأسماء الشهداء الذين رافقوه أثناء إقامته في سوريا. كما طلب بنفسه أن يقدم حياته على مذبح الشهادة. وكم هو مؤسف في أن  تصبح الشهادة مرة أخرى جزءا من الواقع المسيحي في منطقة الشرق الأوسط اليوم. فمن ناحية، بينما لا يمكن تقبل مثل هذا العدد الكبير من القتلى، ربما بسبب اللامبالاة التي تظهرها القوى الغربية (ولكن ليس فقط)، من ناحية أخرى، لا يسعنا إلا أن نتمسك بالحب العميق الذي كان يكنه شارل دو فوكو إلى ربه يسوع. هذا هو الطريق الذي يجب أن نتتبعه على الرغم من الصعوبات على الطريق. إنه الطريق الذي يقودنا إلى علاقة يسوع مع تلاميذه. إنها العلاقة التي تميزت بحب عميق ومكثف لا يحده حدود التي في شكلها الأكثر تطرفاً لا يمكن أن تستبعد احتمال الشهادة".

 

وأضاف الأخ كوزيني: "بطبيعة الحال فليست بالسهولة جعل هذا الشعور ينمو ويتعامل مع تحديات الحياة اليومية التي لا تتناسب بمجملها مع النظريات الجميلة. ونحن على إدراك جيد بالصعوبات القائمة، خاصة تلك التي يواجهها إخواننا المسيحيون في هذه الأرض يومياً. وكثيراً ما نجد أنفسنا نستمع إلى شهادات أشخاص الذين لا يتقنون إلا لغة العنف في التواصل مع الآخرين. يجب أن تقترن مساحة الأخوة التي نود أن نعيشها مع المسعى الصادق  الرامي إلى 'خير' الآخرين".