موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤

نصائح لترك الدخان

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
نصائح لترك الدخان

نصائح لترك الدخان

 

ترك الدّخان ليس بالهيّن، وهو ما يُقارب الأعجوبة عند من ينوي تركه خاصة بعد سنوات من استعباد الحاجة إلى النيكوتين في الجسم، التي تبدأ بأول سيجارة وبأي عمر.

 

أولا التفكير بترك الدخان يتطلب عدة عوامل، أهمها إرادة قوية وسبب كافي مقنع للمدخّن وإلا فهو لن يكون صادقا ولن ينجح في مقصده. بلا شك إن أوّل الأيام هي صعبة، فكيف يمكن للمدخن أن ينجح في أول عشرة أيام ويبقى على موقفه، وهو قد يكون أهدى آخر باكيت دخان في جيبه أو رمى ما بقي فيه من سجاير طبعا مع القداحة. لكن وبالرغم من النيّة الحسنة فقد يشعر البعض بالضعف ولا يتمالك من الرجوع سريعا إلى التدخين.

 

إذن هذه بعض النصائح الناجعة والمفيدة لترك التدخين: أولا مخاوف عديدة وتخيّلات سلبية كثيرة تدور في رأس من يفكر بترك الدّخان. فالجسم المدمن على التدخين يكون قد تعوّد على حاجة النيكوتين اليومي في جسمه، كمن يحتاج الماء، الذي لا يعود يستغني عنه وذلك من كل سيجارة يشعلها حتى إنه يصبح فيه حاجة ماسة ضرورية يتطلبها الجسم في كل لحظة فلا يقدر المدخن أن يفكّر في شيء آخر إلا في سحب سيجارة حالا من جيبه وإشعالها وتخزين النيكوتين الجديد بأول سحبة منها... هذا ومع الحاجة الملحة لزيادة النيكوتين يتألم الكثيرون من المدخنين من قلة النوم بل يتحلون بالمزاج السيء، والنرفزة والزعل والعنف وقلة القابلية للطعام. فلا عجب إذن من شدة الشهوة للتدخين. لكن من يتعدى العشرة أيام بعد ترك الدخان، فهو يكون قد تغلّب على أصعب مرحلة، وتبدأ مرحلة التخلص من قوة طلب النيكوتين الملحّة، التي تنتهي بعد عدة أسابيع، كما تؤكد منظّمة الصحة العالمية. فمن الضروري إذن التعاون مع الذات في البداية وعدم التجاوب لشهوة النيكوتين مهما كانت قويّة. فهذا الموقف له قيمته وهذه 7 نصائح تساعد على التّمسّك الحازم بترك الدخان:

 

1. ينصح علماء النفس عدم ترك الدخان يوم عمل، خاصة اوّل يوم عمل بعد أيام عطلة، حيث من الممكن أنه ينتظره يوم عمل مضني، يولِّد فالنرفزة والضغط النفسي أمام متطلبات العمل المضني، وهي دافع كبير للرجوع إلى التدخين بعد ساعات من تركه. لذا فالأفضل انتظار الفرصة المناسبة. كذلك من الخطأ اخذ قصد ترك الدخان بأول يوم بالسنة الجديدة، فهذا يكون قد سبقه وقت فرح واجتماع مع الأصحاب تم فيه التدخين بكثرة، فمن الصعب تركه حالا. الأفضل انتظار وجود يومين أو ثلاثة عطلة، لا يحتاج فيها المدخّن أن يعيش لحظات عصبية أو غضب ترغمه على التدخين من جديد. إذن الأصح اختيار الوقت المناسب، نهاية لكن لا بداية الأسبوع.

 

2. اشغل بالك في أول الأيام بفوائد ترك التدخين لصحتك وللصحة العامة. لربما تركُكَ الدخان كان لسبب معين. فكرر هذا السبب وفكِّر فيه مرارا مع نفسك، وهذا يشجّع على التمسك بالموقف الحاسم.

 

3. عندما تشعر بالحاجة إلى السيجارة والنيكوتين، قم من مكانك وأشغل بالك بشيء آخر مثلا بتصفّح الجريدة أو بفتح كتاب يبعد انتباهك عن طلب النيكوتين.

 

4. خلق عادة جديدة في المسار اليومي، مثلا بعد الأكل إذ كنت متعودا لتدخين سيجارة، فخذ الآن كوب ماء بدل السيجارة في يدك واشرب منها جرعة جرعة لا كلَّها.

 

5. مارس تمرينا رياضيا هادئا يقود إلى تهدئة وترخيه الأعصاب (مثل إغماض العيون والاسترخاء والتّوقف عن التنفس المستعجل وابداله بالتنفس الطويل).

 

6. تحاشى زيارة المقاهي والبارات في بداية عملية ترك الدخان، حيث تشاهد غيرك أو زملاءك يلتهون بالتدخين، لأن اعتبار التدخين عملا طبيعيا هو أكبر عدو لتركه.

 

7. التنزه في الهواء الطلق خاصة إذا كنت نشعر بالقلق والتعب بعد ترك النيكوتين.

 

ألا اعلم أنَّ التوقف عن التدخين يساعد على إراحة وتنظيف الرئة والمجاري الهوائية ويقويها. كما وإن رائحة الشم تتعافى والجلدة البشرية تتحسن خاصة إذا سانَدَتْها بعض التمارين الرياضية فهي تُنسي طلب الدخان الحاكمة على

الفكر، كما والتقليل من خطر السكتة العقلية أو القلبية وتزيد مناعة الإصابة بمرض السرطان. ولا شك أيضا إمكانية إطالة العمر بمعدل 7 إلى 8 سنوات.

 

ولنسيان عادة التدخين مثلا حالا بعد الغداء، ليُدخل بعض العادات البسيطة مثلا القيام بتنظيف الأسنان ومراقبتها كيف أنها تستعيد بياضها بدل الصفار او السّواد الذي خلّفه التدخين. ففي الفترة الأولى من ترك التدخين على الإنسان أن يصبح مكتَشِفاً ويبدأ بتحليل اكتشافات تُشْغِله وتَصْرِف انتباهه إلى غير ما له علاقة بالتدخين. من كان قائما غذاءه على القهوة والتدخين ليجرّب الآن شرب الشاي، وعند النرفزة بدل ما يفتش عن السيجارة فليستعمل العلكة أو يمضغ الملبّس فهذا يجعله يتغلّب على طلب السيجارة حالا. أمّا التّحدي الأكبر مع الشوق المُلِح للسيجارة وإدخال اليد رأسا إلى الجيب التي كانت مخزنا للدخان، فينصح الخبراء فورا بالتّنفّس الطويل العميق ولعدة مرات.

 

أمّا ما لا يُصدَّق فإنّ جسم المدخّن يبدأ يتعافى بسرعة من المضار التي كان التدخين قد أسسها فيه. فالمعروف أن المدخنين يعيشون متوسطا ما يقارب عشر سنوات أقصر من عدم المدخّنين. لكن من يترك الدّخان يمكنه أن يستعيد صحته كمثل عدم المُدخن ويسترجع نسبة طيلة الحياة مثله. فالتوقّف عن التدخين في أي وقت وأي عمر له حسناته. من المؤكد أنّ من يقف عن التدخين يبدأ يشعر بتحسن الصحة بعد 24 ساعة فقط من تركه، فنبضات القلب والضغط لا تعد متوتّرة، حاسة اللمس تتحسن في الأيدي والأقدام، التي لا تعد معرضة للبرودة، كما تزداد قوة التركيز في العمل ويخف الأكسيجين السام الذي يجري في الجسم مع الدورة الدموية فتتحسن المقدرة على التنفس الصحي، كما ويزول خطر السكتة القلبية المُعرّض لها روّاد التدخين. مثلا الغير مُدخن بحضوره بين مُدخنين ليس مُعرّضا مثل المدخِّن المُدمن الذي يستهلك علبتي سجاير باليوم. لكنه يبقى معرّضاً لتوابع التدخين، كالإصابة بالسرطان كما ويصبح عرضة للشعور بضيق التنفس، وهذا بعد يوم من المشاركة في حفلة يجري فيها التدخين، فيُلاحظ الخدش بالحلق وأحياناً شعور الألم بوجع الرأس. فمن المُستحسن إذن تحاشي الاختلاط بالمدخنين. فمن يترك الدخان يشعر جسمه بعد وقت قصير بتحسين الوضع الصحّي العام.

 

فوائد ترك الدخان إذن كثيرة، فبعد نصف سنة على تركه يبدأ الجسم يشعر بالهدوء، فمن الأفضل ترك الدخان نهائيا بأسرع وقت للفوائد الصحية الكاملة، إذ خطر الإصابة بمرض الرئة والحلق لا تزول آثارُه إلا بعد ترك الدخان بعشر سنين وفقط بنسبة 50%. أما الأعراض المَرَضية التي كانت قد لحقت بالرئة والشرايين فلا تزول إلا بعد سنين من ترك الدخان. وأمّا خطر الإصابة بسرطان الجيوب الأنفية فيزول بعد خمس سنين من ترك التدخين. أما خطر السكتة القلبية فلا يزول إلاّ بعد 15 سنة من ترك الدخان لا قبل. فإن هذه حدثت بعد هذه المدة فلا علاقة لها بالتدخين بل عوارضها تكمن في أسباب أُخرى، كما الحالة مع غير المدخّن.

 

وهكذا يتبدل الجسم بعد رمي آخر سيجارة: أولا تحدث تغييرات إيجابية، إذ الدم يعود يجري بطريقة أفضل وأنظف في كل أعضاء وشرايين الجسم، فيعود الضغط والتنفس طبيعيان. كذلك معدل الأكسجين في الجسم يعود إلى حدوده المطلوبة. كما وإن رائحة الشم والذوق تبدأ تعود أوّلا بأوّل إلى طبيعتها الأصليّة.

 

هذا ومن يترك الدخان قبل سن ال 44 يمكنه أن يحسّن معدل طول حياته إلى 9 سنين إضافية وإلى 6 سنين إن ترك التدخين وتخزين النيكوتين في جسمه قبل بلوغه الخامسة والخمسين. فمن يترك الدخان فهو يقدّم لجسمه عدة فوائد. أهمها أنه لا يُعطي المجال اليومي لتجميع النيكوتين المضر في الجسم، فيبدأ الجسم بتنفس الصعداء والشفاء الداخلي كما وتسترجع البَشَرة والأصابع الصفراء والأسنان لونها الطبيعي. ثم ينفتح الباب لزيادة الوزن وذلك بازدياد الشهية للطعام خاصة للشوكولاتة والحلويات والموالح، الشيء الذي ما كان ممكنا أثناء التدخين. وبالتالي يعود الجسم يحرق 200 كالوري أقل في اليوم.

 

أمّا مَن يخاف من زيادة الوزن المستعجل، فله هذه النصائح: التنزّه اليومي والتكثير من شرب الماء وتقليل الكحول، والإكثار من تناول الخضار واللبن المزالة منه الدهون، حتى وإن زاد الوزن فليعتبره الإنسان كناحية إيجابية لترك الدخان.

 

ولا ينسَ الإنسان أنّ انتاح عمله اليومي يبدأ يتحسن، فلا يعد يشعر بقلة التنفس وعوارض القحة الصدرية تنقص بل وتزول كليّا كما وإن تسكير الخياشيم والتنفس المتعب يقل، كما وتزيد المناعة في الجسم فلا يعد ضحية لتقلبات الهواء والطقس بسهولة. هذا ولا ننسى أن الجروح البسيطة في الجسم تعود تشفى بطريقة أسرع، وامّا خطر الإصابة بسرطان الحلق او المثاني البولية والرحم عند النساء، فينزل إلى أقل معدّل كما عند غير المدخنين. أما خطر الإصابة بسرطان الرئة، أو السكتة الدماغية أو القلبية فيرجع بعد 15 سنة من ترك الدخان إلى النصف.

 

فمن يعرف بهذه الفوائد، لا أدري لماذا يبقى يُعرّض نفسه لأمراض ومضار وأخطار صحية، حتى لا نقول أيضا مادّية، عند طالع كل شمس وحتى هذه الساعة؟