موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٩ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢

ما من نبيّ يُقبل في وطنه

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
ما من نبيّ يُقبل في وطنه

ما من نبيّ يُقبل في وطنه

 

الأحد الرابع من زمن السنة (الانجيل لو 4: 21-30)

 

مقطع إنجيل اليوم هو المقطع اللاحق لانجيل الاحد الماضي: لمّا دخل يسوع الهيكل، وأثبت من خلال النص الذي قرأه من أشعيا النّبي، أنّه هو المعني، الذي حلَّ عليه روح الله، والّذي سيعمل به طيلة حياته، مثلما شرح لهم. إنه مسحني لابشِّر الفُقراء، وأرسلني لاعلِن للمأسورين تخلية سُبلهم وللعميان إعادة البصر وأُفرِج عن المظلومين وأُعلِن سنةَ رحمة عند الرّب".

 

نحن نعرف، أنه ليس فقط رؤساء الشعب والكتبة كانوا مواظبين على دراسة التّوراة، للتعرّف على ملامح المُخلِّص المُنتظر، بل والشعب كلُّه، كان مُتلهّفا لسماع أيِّ خبرٍ أو نبوءةٍ تُعلِنُ بمجيئه. الشعب السالك في الظلمة كان يترقّبُ نوراً. لذا توجّهت أنظار الحضور إليه وأصغوا لشرحه بكل اهتمام. فماذا سيقول عن النبي المُنتظر؟ لقد أبهتهم بقوله هذا واستفزَّ مشاعِرهم. فهم كانوا ينتظرون تلميحات جديدة عن النبي المنتظر، وإذا به يُدهشهم، ويعلن لهم بأنه هو النبي المنتظر، واليوم قد جاءت ساعته.

 

فما أن خرج وإيّاهم من الهيكل ،حتى بدأت الجدالات بين مؤيدي قوله ومعارضيه، الّذين رفضوا الاعتراف بهذه الرّسالة، متسائلين: ماذا يقول؟  روح الله حالٌّ عليه، هو أحدِ أبناءِ مدينتنا النّاصرة؟ كيف يمكنه أن يدّعي ذلك؟ إنَّ هذا لَمُستحيل، بل لنقل غير منتظر لهم، إذ انتماؤُه لوطنيَّتِهم ومدينتهم النّاصرة، لا تسمح لهم بالتّصديق، لانْ يكون مُختلفاً عنهم تماماً. فهم وإن أعجبهم أُسلوبُه الخطابي في المجمع، لمن هذا لم يكن كافياً لاقناعهم أن يُؤمنوا به. كلماته ما قَدِرَت أن تُليِّن آذانهم، إذ هم كان لهم آذانٌ لكنَّها كانت مُغلَقَة. الاذن تسمَع فقط حينما تقبل أن تُصغي لصوت الله الخفي، وكما نشاهد، هذا لم يكن في الوارد.

 

إنَّ مواطنيَّ النّاصرة لم يكم بوسعهم إقناع غير النّاصريّين أن يُؤمنوا بابن بلدهم: وقالوا: هل يأتي شيءٌ صالح من النّاصرة؟ هو يدّعي أنَّه ابن لله. لكن أليس هو ابنُ النّجار يوسف وأُمُّه مريم؟. لذا فهم لا يثقون فيه، ورفضوا الاعتراف بأنَّ روحَ الله عليه، وبأنّه المُرسل من الله والمخلِّص المُنتظر. فما قرأ يسوع وفسّر لهم، لم يُقنعهم بحقيقة نفسه، أنَّهم التقوا حقّاً وجهاً لوجه مع المسيح المُخلِّص المُنتظر.

 

فمن إنجيل لوقا، نتعلَّم الكثير عن بداية حياة يسوع في العالم. إذ مع دخوله في منطقة الجليل، قد انتهى زمنُ الانتظار، وبدأ زمانه الرّسمي في عالمنا وبيننا. وبقراءة النّصِ المذكور من أشعيا، يُعلِن ابتداءَ ساعته، التي قال عنها لامّه مريم في عرس قانا الجليل: "لم تأتِ بعد". ولمّا أتت السّاعة، ووضعهم في مأزق، أي يجب أن يُقرِّروا قبوله أو رفضه، بقوا على موقفهم الخاطئ، أي أنَّ ابن وطنهم وبلدهم غير مقبول، ورفضوه، فنطق يسوع بالحكمة المعروفة: لا يوجد كرامة لنبيِّ في وطنه وبين بني جنسه". هذه الحقيقة هي ليست فقط للكنيسة بل لكلِّ منصبٍ آخر، إذ هو معروف من الاكثريّة بل لنقل مراقب منها، ومُعرّض للانتقاد فالفشل. فما أمرَّها من خبرات، يعيشها الكهنة والمبشِّرون، إن تمَّ تعيينهم في مسقط رأسهم. فهذا غير مُحبَّذ ومنصوص عليه في كتاب قانون الكنيسة الرّسمي. فهم مُراقبون من الصّغير والكبير، وكلُّ ما يقولونه، يضعه السّامع في كفّة ميزان، إن كان خفيفاً ينتقدونه، وإن كان ثقيلا يحتقرونه ويشكونه للرِّآسة، طلبا لنقله إلى المنفى، مثلما يقول المثل العامّي. وما قال الفريسيّون عن يسوع، يقولونه عن كاهن رعيّتهم: هذا كلام قاسي، من يستطيع سماعه (يو 6: 60 و66). كثيرون لا يعرفون، أن ما يقوله الكاهن، سواء الغريب أو القريب، ما هو إلا التّعليق على أقوال يسوع وتعليم الكنيسة، إذ لا أحد يملك إنجيلا غير إنجيل الكنيسة، "إن جاءكم أحدُ بإنجيل آخر فلا تًصدِّقوه، قال بولس لاهل كورنتس، ولكن لانَّ ما يسمعونه يُزعِجُ ضميرهم فهم يرفضونه. من هنا نفهم سؤال يسوع لتلاميذه: هل تريدون أنتم أيضاً أن تتركوني؟ فأجابه بطرس باسمه وباسمنا جميعاً: إلى من نذهب يا رب! إنَّ كلامَ الحياة الابديّة عندك" (يو 68:6). إنَّ خُطبةَ الاحد، ما هي إلا شرح للحقائق الموحاة، لكنّها غالباً ما تكون سبب التّناقض عند المُستمعين، الّذين لا يُميِّزون بين الحقيقة الثابتة، وبين شرح الكاهن لها، فتكون سبب صعود شعبية الكاهن في رعيّته أو رفضه. نعم ليس لنبيٍّ كرامةٌ في وطنه. إذ الشعب يقول أو يفتكر: إنَّ كاهن الرّعيّة المُجاورة، هو الاصح، ولو أنَّ كلا الطّرفين، يقومان بأعمالٍ بطوليّة تستحقُّ المديح. فلنجاح رسالة الطّرفين، يجب أن يكون الطّرفان مقبولين، كلٌّ في رعيته. لكن هناك في كلِّ رعية أشخاص لا يندمجون كلّيّا مع كاهنهم. مثلما أخبرنا إنجيل اليوم، بإنَّ كثيرين ثاروا على كلامه وأرادوا رميه من زاوية الهيكل إلى تحت، لان كلامه لم يُعجبهم. على الواعظ أن يسير طريقا مٌعاكساً لسامعيه، ولو لم تُؤدي أقواله إلى النتيجة المطلوبة، ولا ننسى ما قاله بولس: إنّ كلّ ما سبق فكٌتِب، كُتب لاجل تعليمنا" (روم 15: 4) وهذا ما يجب أن يعرفه النّاس. وبالتّالي نبقى على موقفنا كبطرس: يا سيّد! لقد تعبنا الليل كله ولم نصطد شيئاً، ولكن على كلمتك نلقي الشّباك. فاصطادوا ما كفاهم وزاد:" إنَّ كلمتي لن ترجع إليّ فارغة".

 

الخلاصة، كلُّ واحد منّا، يقف على مفترق الطريق، ويجب أن يُقرر، إمّا القبول بيسوع وتعليمه ووصاياه، وأن يُقرر بالقبول والخضوع للكنيسة وتعليمها وإرشاداتها، وإما رفض كل ذلك، فيبقى الانسان في الظلام. مَن قَبِلَ أن يؤمن بيسوع ويتبعه، هو الطّريق والحق والحياة‘ الذي عليه روح الله حال. إنّه لن يخيّب آمالنا. إنّ الله لم يرسل إلينا أيّ إنسان كي يُبشِّرنا بالخلاص ويخلِّصنا، بل قد أرسل لنا ابنه الوحيد، الذي إن آمنّا به تكون لنا به الحياة الابديّة.