موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٨ مايو / أيار ٢٠٢٢

ليكونوا واحدًا

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
ليكونوا واحدًا

ليكونوا واحدًا

 

أحد الفصح السابع (الإنجيل يو 17: 20-26)

 

لا أصعب في الحياة من أن يعيش الإنسان تحت سقف واحد، مع شخص لا يحبّه ولا يتكلّم معه. لا لأنه مختلف معه بفكرة لمشكلة بسيطة، مثلا عن الرّياضة أو الحزب السياسي، لكن عن اختلاف كبير، كفي الدّيانة أو الجنسية، أو زوجين متعاديين. فكما نقول: ما يفصلهما عن بعض، هو أكبر ممّا يُوحدهما. فأيُّ حياةٍ هذه؟ حيث يجب أن تسود المحبّة والوحدة تقف العداوة حاجزاً متيناً

 

هذا ولا ننسى، أنَّ الشوق إلى الوحدة والاتفاق، هما رغائب دائمة في الإنسان، لكن أصبح صعباً التّوصلُ إليها، في عالم اليوم، حيث كثرت فيه الأنانيات والحرّيّات الشخصيّة، لذا يبقى الشوق إلى الوحدة في العائلة، في الجمعيات، في الكنيسة، في الأحزاب السّياسيّة، بين الشّعوب إجمالا صعبا. وأحسن دليل هو الحروب الدائرة بين أوروبا وحليفتها أمريكا من جهة، وروسيا من جهة ثانية.

 

ليكونوا واحداً. إنَّ الوحدة الّتي أرادها يسوع، تختلف عن كل وحدة، وقد صلّى هو لتحقيقها في صلاته الأخيرة ليلة العشاء الأخير. صلّى من أجل وحدة تلاميذه، مع بعضهم البعض، ومن أجل جميع من يؤمنون بكلمتهم. هذه الوحدة لا علاقة لها بالتّشابه الخارجي، بل يسوع يريد علاقة قلبيّة داخليّة، كعلاقته هو مع أبيه، والرابط هو الرّوح القدس. لكن هذه الوحدة ما تمّت أبدا. وإن انشقاق الكنائس، قال عنها البابا القديس يوحنا بولس الثاني، هي أكبر عار حدث لكنيسة يسوع، ولو أنها فقط علامة وجه الكنيسة البشري. هذا. وممّا زادها هولا هو أنَّ مناوشاتٍ بشريّة بل سياسيّة، والأكثر من ذلك عدم فهم حقائق لاهوتية، قد صعّبت البقاء في الوحدة، بل زادت فيها هوّة الانشقاق عُمقا، خاصة مع تدخّل الإقطاعيين في القرون الوسطى مع لوثر ضد روما، التي كانت ضد الأغنياء والإقطاعيين، فقضى ذلك على كل المحاولات لمتابعة الحوار حول توحيد الكنائس. "إن انقسمت مملكة على نفسها تخرب" (متى 25:12). من لا يشتاق إلى الوحدة والاتفاق، في العائلة، في المجتمع، في العالم، وبالأخص في الكنيسة. أما قال المثل العامّي: القوّة في الوحدة! فمن لا بعرفها قصّة الأب، الّذي رغب أن يبقى أولاده مُتّحدين؟ دعاهم عند فراش موته وأعطاهم ضُمَّة عصيٍ مربوطة مع بعضها وطلب من كل واحد أن يٌحاول كسرَها فلم يُفلحوا. لذا حلَّ عُقدةَ العصي، وأعطى كل واحد عصاة ليكسرها، فنجحوا كلهم بكسر العصاة التي في يده. فقال: هل شاهدتم؟ ابقوا مُتحدين مع بعضكم، لانَّ القوّةَ في الوحدة..... أليس هذا هو معنى إنجيل اليوم؟

 

إن أجملَ وأطولَ خطابٍ ليسوع، والّذي نقله لنا يوحنا وحده، دون الإنجيليين الباقين، هو خطاب الوداع، الذي منه مقطع إنجيل اليوم، بالفكرتين الأساسيتين. الأولى الشكر لأبيه، الّذي منحه كلَّ شيء، وباسمه أتمَّ كلَّ شيء. والفكرة الثانية هي رغبته في الوحدة: ليكونوا واحدا، كما أنّك فيّ وأنا فيك، فليكونوا هم أيضاً فينا. إن يوحنّا يُشدِّد على هذا التّعبير، لأننا كما عرفنا من بولس، فقد حدث انشقاق بين مسيحيي كورنتوس الأولين، إذ هو يكتب: لقد سمعت أن بينكم انشقاقات (1 كور. 1 : 10-11). هذا ويوحنا يشدد على وحدة يسوع بأبيه، كأن نوع انشقاق أيضا قد حدث في الرّعايا التي يكتب لها (دون أن يُلمّح في أيّها) لذا فتحذيره عام، لتستفيد منه كلّ الرّعايا التي كان أسّسها. وذلك من خلال خطاب يسوع الذي يذكره، لتفهم الرّعايا ما هي إرادة يسوع. ويفهمهم أنَّ عدم الوحدة، لا يُعطي شهادة صادقة عن إيمانهم. يسوع يفهمهم ذلك بالصلاة، لان الصلاة هي القاسم المشترك الأكبر، للبقاء في الوحدة. بينما عند بولس فالانشقاق حدث واقعي: لقد بلغني أنكم على انقسام، لذا فهو يحذّرهم إذا ما بقوا على هذا الوضع، أنه سيأتيهم شخصيّاٍ وعصاه بيده. أطلب إليكم يا إخوتي أن تتحاشوا كلّ انقسام. ماذا تريدون؟ أبعصا آتي إليكم أم بالمحبّة وبروح الوداعة (1 كور 24:4).

 

هذا وقد زادت الاختلافات، بسبب نشوب حروب أيضا، أسموها حروباً دينية، منها حرب الثلاثين سنة ضد لوثر وبعض الّذين حموه بسلاحهم، من جهة، ومن قِبَل الكنيسة، من جهة ثانية للتبشير بالإيمان والارتداد غَصْباً، أو كما كان الحال بالإسلام بالسيف: أسلِم تسلَم! فَلِصالح مَنْ كان كلُّ ذلك؟ طبعاً ليس لصالح الكنيسة والوحدة، بل النتيجة كانت عكسيّة. نعم الانقسامات زادت لأنها سارت على طريقٍ غير الطريق، الّذي أراده يسوع للوحدة المنشودة، وغيّروا إرادة الله بمصالح شخصيّة طارئة، وهي التخلّص من سلطة الكنيسة وضغطها على الإقطاعيين وملوكهم، لدفع الضّرائب والتّخلي عن قسمٍ من أملاكهم الواسعة. أمّا يسوع فقال: ابقوا فيَّ وأنا فيكم. فهذا هو سبب الانفصال، أنَّ البشر ما بقوا مع الله، ولذا هم تفرّقوا عنه.

 

يسوع طلب وصلّى للوحدة الدّاخليّة، حتى يرى البشر أعمالكم الصالحة ويأتون إلى الإيمان، بل ويُمجِّدوا أباكم السّماوي. فصلاة يسوع بالذّات من أجل الوحدة، تجعلنا نفهم، كم هي كانت منذ البداية مُعرّضةً للخطر، وفشل المسيحيين في المحافظة عليها، أضعف رغبة ومحبّة التّقارب في البشر، بل راحت كلُّ كنيسة تفتكر أنها على حق، ومؤَسَّسَة من المسيح. علما بأنَّ المسيحَ ما أراد وأسَّس إلا الكنيسة الواحدة وليس كلَّ الكنائس، بل هم البشر، الّذين جعلوا من الكنيسة الواحدة عدّة كنائس، حسب الجنسيّات والألوان واللّغات، كما حدث منذ البداية بين الشرق والغرب، ثمّ لحقت حوافز جديدة للعداوات وتوسيع الانشقاقات. بهذا نفسّر تسميات الكنائس البروتستانتية إلى أكثر من 253 كنيسة، فما عاد ممكنا توحيدُها، حتّى عسكريّاً. هذا وإن التوحيد لا علاقة له بالجيوش والحروب. الوحدة الكنسية لها أساس واحد، تبني عليه الوحدة، وهو الصلاة والتّسامح بل والمحبّة، بين إخوة الأب الواحد. المحبة، التي أفاضها الرّوح فيهم، كانت الرباط المتين في بداية الكنيسة: الأوثان كانوا يتعجّبون ويقولون: أُنظروا كيف يحبون بعضهم بعضا. ما عاد الوقت للتفكير بالحروب التي نتج عنها توسيع الانشقاق، بل عاد الوقت للتفتيش عن طُرق تساعد إلى إرجاع الوحدة إلى كنيسة يسوع: يا أبتِ! اجعلهم واحداً، كما أنا وإياك واحد. هذا الأسبوع هو أسبوع الصلاة لتوحيد الكنائس. تُرفع الصلوات فيها في جميع الكنائس المختلفة. لكن لا نتيجة منها إن بقيت حبرا على ورق، كما شاهدنا في تحضير الكنيسة البروتستانتية لاحتفال عام 2017 بانشقاقها ال 500 عن كنيسة يسوع، وافتكرت أن البابا بندكتوس عام 2009 أثناء التحضير، سيقبل الوحدة كما طلبوا بدون شروط، ويقبل بإشراك الكنيسة الكاثوليكية بطقسهم. فهذا كان خطأً كبيرا منهم، إذ قال لهم البابا: الوحدة في الإيمان، هي أهم من الوحدة في القداس. إذن على الكنيسة البروتستانتية أن تتواضع وتُقدِّم شيئا بالمقابل، أثناء إقامة أسبوع الصلاة هذا من أجل إعادة الوحدة. فلنشترك نحن في هذه الصلاة، طالبين حقا من الله أن يعيد الوحدة إلى كنيسته قلباَ وقالباَ.  ولنصغِ بالتالي لتحذير بولس: آمين

 

لا تنسى القصة: المسيحي الذي يصل السماء. يفتخ له يسوع ويسأله: ماذا تريد؟ هو عندك ناس في السماء؟ يسوع: السّماء ملايانة؟ هو عندك كاثوليك؟ أثوذوكس؟ أرمن.... يسوع يجيب دائما: ولا واحد؟ هو: إذن مين عندك: أجاب يسوع: عندي مسيحيين فقط!... فعلى الأرض أيضا لا يجب أن يكون غير مسيحيين