موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٤ أغسطس / آب ٢٠٢٢

لا تخف أيّها القطيع الصّغير

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
الأب منويل بدر

الأب منويل بدر

 

الأحد التاسع عشر (الإنجيل لو 12: 35-40)

 

ما سمعناه هو مَثل من أمثال يسوع، التي تبعث على الخوف. فالخوف كان وما زال هو علامة زماننا وعصرنا! فهو مسيطر على حباتنا وعقولنا اليومية. تزيد من وطأته الأخبار اليومية، خاصة اليوم مع الحرب الدّائرة في أوروبا بين روسيا وأكرانيا: الإنسان خائف من المناخ الذي فلت من أيدينا، وتظهر نتائجه الوخيمة في الطبيعة كالحرائق العديدة أو ذوبان الجليد المتزايد، خائف من السّموم في غذائنا اليومي. خائف من الظروف السّياسية. خائف من نشوب حرب نوويّة. خائف من طول فترة الكورونا والأمراض الجديدة المُعدية. خائف من حسد وخيانة الآخرين، حتى من رفاق المسيرة، كونهم يفتشون عن مصالحهم. خائف من المستقبل، الغير متوقّع. خائف من فقدان الوظيفة. خائف على مصيره، خائف على مستقبل أبنائه، خائف من غلى الأسعار والمعيشة. خائف من انهيارٍ ماليٍ، يُفقدنا ما نملك. نعم مّن مَنا لا يخاف؟ نكبر في الخوف، نسير في الخوف، ننام خائفين ونصحو خائفين. أصبحنا نخاف حتى من جدران منازلنا، مُدّعين أنَّ لها آذاناً استخبارية ... نتاجر بالخوف ولالا نربح إلا مزيداً من الخوف.

 

ففي خضمِّ هذه المخاوف المُتوقّعة والغير متوقّعة، نفتّش عن سندٍ يدعمنا، لا يُنسينا أسباب الخوف الكثيرة المذكورة. نفتِّش عن ملجأ حماية نختبئ فيه، حتّى لا يُصيبَنا أذاها. فهل هذا الملجأ موجود وفي مُتناول اليد؟ نعم هناك ملجأٌ حصين لنا، يُمكننا الاحتماء به، من كلِّ المخاوف، التي تُهدّد حياتنا، ألا وهو حضور الله في حياتنا. فهذا الحضور كأنّه غطاء حولنا، يحمينا مِن كلِّ خوفٍ ومكروه. نعم، لا تخف أيّها القطيع الصّغير. تعالوا إليّ يا جميع المُتعبين والمُثقلين وأنا أُريحكم. صدق الله موثوق به، كما وكلامه صادق، يعني ويُتمِّم ما يقول. سنخلص كلُّنا باسمه، إذ لا يتمُّ أيُّ خلاصٍ، من جميع المخاوف، إلا باسمه. فلا تخف، أيُّها القطيع الصّغير!

 

قال علماء الكتاب المقدّس، إنّ هذا الكتاب يحوي في طياته 365 مرّة، الكلمة لا تخف، فهذا يعني مرّة في اليوم، وعلى مدار السنة، يقف الله إلى جانبنا ويشجِّعُنا بل ويحمينا، لأنه يُحبُّنا.

 

فإنْ كان الله يُحبُّنا، فلِمَ الخوف؟ ولنقرأ هنا ما يقوله الإنجيليُّون: لا تخف يا زكريّا (لو 13:1). لا تخافي يا مريم (30:1). لا تخف يا يوسف (متى 20:1). لا تخافوا يا رعاة (لو 10:2). ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟ (متى 26:8). لا تخافوا، أنا هو (لو 38:24). لا تخافواِ، أنا غلبت العالم (يو 33:16). لا تخافوا، أنتم أفضل من عصافير كثيرة (متى :30:10). لا تخافوا، أنا معكم حتّى انقضاء العالم (متى 20:2).

 

هذه بعض أقوال التوراة عن الخوف. أمّا أنه ممكنٌ التّخلّص منه، فهذا لا شكَّ فيه حقيقة، إذ كلمة يسوع: أنا معكم! هي أساس الانتصار على كلِّ خوف، إذ تُؤكِّد لنا أنَّ الله بيننا ومعنا. فمن كان الله معه، فمن عليه ومِمّا لا شكَّ فيه، هو أنَّ الصلاةَ والالتجاء إلى الله يوميّاً، وفي كلِّ محنة، هما حَبْلُ النّجاة من الغرق في الخوف اليومي، الّذي يترصَّدُنا في كلِّ زاوية. لذا يجب التّعوّد على مناجاة الله والالتجاء إليه، لا مرّةً ولا مرّتين، بل سبع مرّاتٍ سبعين مرّة في اليوم.، فهو قال: مَن يُقْبل إليَّ لا أُخرِجه خارجا (يو 37:6). فلنضع يدنا بيدِه، إذ صاحب المزامير يقول: بين يديه فقط تستريح نفسي (146: 2). آمين