موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢

لا أحد منكم يقدر أن يكون لي تلميذًا، إن...

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
لا أحد منكم يقدر أن يكون لي تلميذًا، إن...

لا أحد منكم يقدر أن يكون لي تلميذًا، إن...

 

الأحد الثالث والعشرون (لو 14: 25-33)

 

أوّلا بأوّل تقصر الأيام وتزداد الظلمة. الأشجار تتجرّد من أوراقها وتَخْلد إلى نومها الشتوي، فتبدو وكأنّها مائته. فهل يقودنا هذا التّغيير إلى التفكير في أهمّية الإيمان لحياتنا؟ حياتنا اليوم تجري بين تيارات العصر الكثيرة ونندمج فيها دون أن يكون لنا نمط خاص فينا. نعيش جماعبا، نتحرّك جماعبّاً، نفتكر جماعيّاً. فالسؤال هو، هل نحن اتكاليون، ولا رأي لنا في الحياة؟ هل نحن بشر ألِيّون (روبوتر)، نُطيع الأوامر بدل ما نُعطيها. ومن يزور الكنيسة باستمرار ويستمع كلام الله، يستغرب من أحد إلى أحد، من بعض أقوال يسوع القاسية، مثل الأربع آحاد الماضية، فمثلا هو أنّه لم يأت ليلقي سلاما بل نارا، ومن أراد أن يتبعني فليكره أباه وأمه وإخوته وليحمل صليبه ويتبعني. فكيف نُفسِّرُ أنَّ هذا كلُّه بُشرى خلاصٍ مُفرحة؟

 

من الإنجيل نتعرّف على حياة يسوع، من ميلاده وإلى يومنا الحاضر. ففي بداية حياته العلنية، كانت النّاس تتلهّف لمشاهدته وسماع وعظاته، إذ كان يتكلّم، كمن له سلطان، بل راحوا يأمّلون منه أن يُنهي عهد الاستعمار الرّوماني البغيض. لذا راحت الجماهير تنضمُّ إليه بالأفواج، يسيرون وراءه كلَّ النّهار ليحضروا صنع عجائبه، التي فيها أراهم، أن له سلطانا على الطبيعة: فخافوا وقالوا: من هو هذا، فإنَّ الرّيح أيضاً والبحر يُطيعانه (مر 41:4). نعم، له سلطة على الأرواح النجسة، والأمراض وحتّى الموت. لقد اكتشف فيه البشر شخصاً نادراُ " فبُهتوا من تعليمه، لأنه كان يُعلِّم كمن به سلطان، وليس كالكتبة" (مر 22:1).

 

هذا الإعجاب كان في بداية حياته العلنيّة. لكنّه مع الوقت راح أسلوبه يختلف، فقد بدأ يفرض شروطا على سامعيه: فحياته اقتربت من نهايتها. إنّه سيموت، لكنّه قد أراد قبلا أن يعرف، إلى أيِّ حدٍّ فهمه النّاس؟ هل كان إعجابهم به هو فقط خارجيّاً سطحيّاً؟ هل صفّقوا له فقط شكليّاً لأنه أشبعهم من لا شيء؟ الواقع يبدو كذلك: "أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز وشبعتم" (يو 26:6).

 

لقد باشر أن يتكلّم علنا عن موته، ويُخضِّر تلاميذه لهذا الحدث، علما بأن عهده لن ينتهي بموته بل سيدوم إلى الأبد. لذا فهو يحثُّ النّاس أن يُقرِّروا مصير حياتهم: لا أحد منكم يقدر أن يكون لي تلميذا، إلا إذا قرّر أن يترك كل شيْ ويتبعه " إذهب وبع كلَّ شيء ثمَّ تعال واتبعني". من أجله يجب عليهم ان يُضجّوا بأشياء كثيرة، بل وينتظروا أشياء غير سارّة أكثر. من أراد أن يكون لي تلميذا، عليه أن يحمل صليبه كلَّ يومٍ ويتبعني". علماً بأنَّ أتباعه سيُضطهدون (متى 10:5). ولما كثيرون سمعوا كلامه، قالوا هذا كلام قاسٍ، فمن يسمعه؟ لذا تركه الكثيرون، ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للاثني عشر: ألعلّكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا؟ فأجابه سمان بطرس: يا رب! إلى من نذهب؟ إنَّ عندك كلام الحياة الأبدية" (يو 6: 66-67).

 

في حياة كلِّ إنسان، تأتي ساعة، عليه أن يُقرر فيها لمستقبله، لا أن يبقى مُتردداً: أن يُقرِّر وظيفته، عمله. كذلك الإيمان يطلب قرارا واضحا: ماذا عليّ أن أقوم به، كمسيحيٍّ مؤمن، للكنيسة، للمجتمع الذي أعيش فيه، كما قال يسوع: أُطلبوا أوّلا ً ملكوت الله وبرّه، والباقي  يُزاد لكم... ومن أحبّ أبا أو أٌمّاً أو أخاً أو أٌختا أكثر مني فلن يستحقّني. إذن حقوق الله لها أولوّيتُها... من ليس معنا فهو علينا!... هذا بعض من أقوال يسوع الكثيرة، التي تٌلزمنا على قرارات حاسمة لحياتنا. منها نفهم، أن يكون الإنسان مسيحيّاً هو ليس بالهيّن. بل يجب أن يحسب حسابا لاضطهادات عديدة: سيقودونكم إلى المحافل.... بل من يلتزم بخدمة الله القريب، يجب ان يحسب حساباً لصليب ثقيل: من لا يذكر آلاف الشُّهداء في كلِّ عصر، قديماَ وجديداَ، بل وبالرغم من ذلك فلا يجوز أن يبقى المسيحي مكتوف الأيدي، والمحيط حوله يتهجّم على الكنيسة وعمّالها ومشاريعها ويتّهمها بالبخل وهي غنية وبالتمسّك بقوانينها بعدم قبول الطّلاق بل وعدم قبول النساء للكهنوت، لماذا لا تقبل دائرة الإيمان بآراء اللاهوتيّين الجدد بل تحرم تعليمهم المنفتح الجديد؟

 

إنَّ كلمات يسوع في إنجيل اليوم، تقول لنا: إنه لا يجوز للمسيحي أن يكون سائراَ وراء الكنيسة، دون الاهتمام بعمل أي شي، بل عليه في كلِّ مُناسبة أن يشهد للمسيح والدّيانة، والعمل الدّؤوب بإتمام إرادته وترقّب الصليب، الذي به الخلاص. آمين!