موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢١ يوليو / تموز ٢٠٢٢

صلّوا هكذا

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
صلّوا هكذا

صلّوا هكذا

 

الأحد السابع عشر (الإنجيل لو 11: 1-13)

 

"الطّير طيرٌ إذا طار، والوردة وردةٌ إذا أزهرت. والإنسان إنسانٌ إذا صلّى" Phil Bosmanns مؤلّف روحيّات هولندي). كاهن أتيحت له المناسبة أن يقابل البابا، ففتح قلبه وسأله: يا قداسة البابا! رعيتي فاترة ولا أقدر على تغييرها، فماذا عليَّ أن أفعل؟ صلِّ يا ابني! بعد صمت، سأل الكاهن ثانية: وماذا بعد؟ أجاب البابا: أُدعُ رعيَّتَك أن تُصلّي يا ابني! وبعد صمت طويل، سأل الكاهن من جديد: وماذا بعد يا قداسة البابا؟ أجاب البابا: صلٍّ مع رعيتك يا ابني! صلِّ مع رعيّتِك! الصلاة هي طريق النّجاح في الحياة. أما قال يعقوب الرسول: "أعَلى أحدٍ بينكم مشقّات؟ فليصلٍّ" (يعقوب 5:13). وأما قال يسوع لتلاميذه: صلّوا كلّ حين. صلّوا ولا تملّوا! صلّوا لئلا تدخلوا في تجربة! (لو 18:1). اقرعوا يُفتح لكم. إن الصلاة هي عنصر مهم في الدّيانة، في كلِّ ديانة. هذا والمسيحي يعرف أن الصلاة مهمّةٌ له، أهمّية الهواء للتنفس. يا رب! علّمنا أن نُصلّي! الصلاة في اليهودية ولاحقا في الإسلام، تقوم على نصوص حرفيّةٍ من التوراة والقرآن، لكن لا صلاة حرّة من القلب. وهذه ليست صلاة حقيقية.

 

من لا يعرفها على قمّة جبل الزيتون، كنيسة أبانا الّذي، حيث طلب منه التلاميذ: يا رب! علِّمنا أن نُصلّي! في هذه الكنيسة لوحات هذه الصلاة بأكثر من 145 لغة. ويقول معهد الكتاب المقدس في ستوتجارت (ألمانيا)، إن هذه الصّلاة تُتلى في القداديس كلَّ آخر أسبوع بأكثر من 6500 لغة. هذه الصّلاة إذن هي صلاة عالميّة، معروفة في كل مناطق العالم، وهي من أوّل الصّلوات التي يتعلّمها كلُّ مسيحي

 

بين جميع الخلائق، الإنسان وحده يستطيع أن يُصلّي، ولذا فهو أيضاً الوحيد الذي يستطيع أن يمدح إلهه أوّلا قبل أن يبدأ بالطلب. والمهم الإنسان قابِلٌ أن يتعلّم الصلاة، إذ الصلاة حاجة مٌلحّة في قلب الإنسان. هذا هو موضوع اليوم. فالتلاميذ ما طلبوا منه بعد صنع العجائب: يا رب علمنا أن نصنع عجائب. ولا بعد خطاباته البارعة: يا رب، علّمنا فنَّ الخطابة. لكنهم بعد ما رأوه يصلي، طلبوا منه: يا رب! علّمنا أن نصلّي! لقد كانت العادة عند الرّابين، أن يُعلِّموا تلاميذهم طريقة صلاة بسيطة، يتلوها دائما. فهذا يوحنا علّم تلاميذه أن يُصلّوا. وها بالمقابل يطلب تلاميذ يسوع اليوم من ربّهم، أن يُعلِّمهم أيضا كيف وماذا يُصلّون. فجاءت منه أجمل صلاة يعرفها العالم وصارت الصلاة العالمية، صلاة أبانا الّذي.

 

 فأيَّ دورٍ تلعب الصّلاةُ في حياتنا اليومية؟ للأسف، كما نشاهد حولنا اليوم، إن الاهتمام بالصّلاة قد خفَّ كثيرا، حتى لا نقول أُهْمِل. فنحن نعيش في فترة، لا تقدير فيها للصّلاة، بل صار من الصّعب إعطاء الصّلاة أهمّية في الحياة اليومية، كما كانت الأجيال السّابقة تُعطيها. الصغير (فريتس) يسأل جدّه: قُل لي يا جدّي، كبف عشتم في الماضي بدون الأجهزة الإلكترونية التي معنا اليوم، بلا كمبيوتر ولا تليفون ولا ألعاب كهربائية؟ فأجاب الجد مبتسما: مثلكم اليوم بدون صلاة ولا زيّاحات بعد الّظهر، ولا زيارة للأقارب، بدون تربية وممارسة الآداب! نعم هذه حالة الأجيال الصاعدة، لا تعرف ما أهمّيّة الصلاة للحياة! متى يذهب الأولاد إلى الصلاة اليوم. تسألهم لماذا؟ فالجواب عند الجميع: ما عندي وقت! الملاهي تأخذ كلَّ وقتهم، فلا وقت لهم للتفكير في الواجبات الدينية وتكريس بعض الوقت للصلاة. فما الفرق بين الإنسان والحيوان؟ الصلاة!

 

 المؤمن يُصلّي، والّذي يُصلِّي هو مؤمن. إنّ الصلاة هي علامة الإيمان الخارجيّة. الإنجيل يسأل: تُرى، لو عاد ابن البشر على الأرض، فهل يجد إيمانا بعد؟

 

قالت الأم تريزا: المحبّة تنمو من الإيمان، والإيمان ينمو من الصّلاة.  وبالتّالي نَصَحت الأساقفة في العالم، أن يحثّوا العائلات على الصلاة سويّة، وأضافت: العائلة التي تصلّي، تبقى متّحدة مع بعضهنا. الصلاة تربطنا مباشرةً مع الله، كما وتربط المؤمنين مع بعض، وفي جميع أنحاء العالم. فكم هو جميل أن نعرف أنَّنا عائلة واحدة: إخوةَ وأخواتٍ الأب الواحد في نقطة مُعيّنة وفي زمان معيّن: في الصّلاة. فهذا سرٌّ عظيم، كيف أن الإنسان يلتقي بربّه ومع باقي البشر، أي في الصّلاة.

 

ماذا نصلّي؟ الصّلاة هي ليست قراءة أخبار، بل هي حديث شخصي مع صديق: حديث بلغتنا وأسلوبنا البسيط مع الله، عمّا يجول في خاطرنا أو يُضايقنا، نضعه بين يديه وعلى مسمعه، ليُخفِّف وطأته عنّا، كما قال: كلَّ ما تطلبون من الأب باسمي تنالونه. فالتوراة هي كتاب وحيد من نوعه، عندما تُقدِّم لنا الله ، تُقدِّمه ببساطة، أي أنّه يسمح لنا الحديث معه، يُصغي لنا ويستجيب لاحتياجاتنا ، كما في القراءة الأولى، فها إبراهيم يتحدّث معه كمن يتحدّث مع صديق، لذا نعتوه بخليل الله: كذلك موسى، يحق له أن يتكلّم مع الله: "وكان موسى يتحدّث مع الله" (خروج 19:19) وبسبب صلاته الطّويلة لجيشه الذي يتصدّى لحرب الأعداء، احتاج إلى من يبقى ماسكا بيديه المفتوحتين إلى الله، الذي استجاب لصلاته في آخر النّهار وانتصر على أبيمالك الذي لحق بالشعب إلى جبل سيناء لإرجاعه إلى العبودية نقدر بالتّالي أن نقول، إن اليدين المفتوحتين هما علامة الصّلاة، إذ الأيدي المفتوحة هي في التوراة علامة الصلاة والوقوف أمام الله، لوضع جوابه على طلباتنا في أيدينا. وها بولس يوصي تلميذه تيموثاوس: "أريد أن يُصلّي الرّجال في كلِّ مكان، رافعين أيادي طاهرة، بدون غضبٍ ولا جدال" (11 تيمو: 8:2). فلماذا نخجل ولا نفتح أيدينا عندما نصلي؟ ولنتذكر من حديد موسى رافعاً يديه وتعبَه، فجاء رجلان تقيان وأمسكا يديه مرفوعتين، ثم انضمَّ إليهم هارون والقائد هور ووقفا بجانب موسى، وكلهم رافعين أيديهم، فما تواني الربُّ إلا واستجاب بالنّصر لشعبه. فهذا هو موقف الرّعية حين تُصلّي

 

التكلّم مع الله، هو ما يُعرف بالصّلاة، فالّذي يؤمن بالله، يتكلم معه. نعم يُصلي، لا لأنه خائفٌ من الله، بل لانّ الله خالق ومدبّر العالم وما فيه. فله يحق الإكرام والتسبيح والشكر والتمجيد من خليقته الإنسان. لكن للأسف إن هذا الإيمان غير فعّال في حياة الكثيرين اليوم، كأنَّه غارق في سباتٍ عميق، ككثير من الحيوانات، الّتي تقضي وقتا طويلا، خاصة فصول البرد، في سبات، لا اشتراك لها في الحياة العامة، مُفتكرين أنّ الله، وليس هم أنفسهم، بعيد عنهم، ولا يهتم لمشاكلهم، إلى أن يقعوا في مشكلة ما، فيكتشفون أنّ الله كان مهتمّا بهم، أكثر ممّا هم به، وأقربَ إليهم، ممّا هم له. ذَكَر المتديّن اليهودي مارتين بوبر، الّذي كان في قلبه مسيحيا، لكنه لم يتجاسر من إعلان مسيحيّته، واكتفى بكتابه كتابا عن يسوع بعنوان "أخي يسوع"، قال: "نقدر اليوم أن نتكلّم عن ظلمة الله في زماننا. والسبب أنَّ إيماننا صار ضعيفا، لأننا ما عدنا نصلّي كفاية، وهذا لا جدال فيه، إذ كلّما قلَّ اهتمام الإنسان بالله، كلّما صارت ضرورة الصلاة مشكوكاً فيها. فإن كنّا لا نجب الصّلاة، أو لا تأخذ الصلاة مكانها في حياتنا اليومية، فهذا يعني أننا ما زلنا لا نعيش مع الله بواسطة يسوع، وهذا يعني ضعف في نبض قلبنا، وهذا خطر. لتقوية النبض، يجب ممارسة الرّياضة. لتقوية الإيمان يجب ممارسة الصلاة. يسوع بالذّات كرّس قسما كبيرا من حياته في الصلاة لنا. فها رسالة العبرانيين تقدِّمه كرئيس الكهنة المٌكلّف بالتّشفّع لنا (عبر 7: 22-28).

 

 وأمّأ ماذا نصلّي وما هي أحسن الصلوات، التي بها نكرّم الله، فهي بلا سؤال ولا جواب صلاة أبانا الذي. كُتُب الصّلوات كثيرة ومُتنوِّعة ولكلِّ مناسبة، لكنّ أجملَها وأهونَها هي صلاة أبانا الّذي. إن لم تعرفوا كيف تُصلُّوا فقولوا: أبانا الّذي. هذا ما قاله يسوع.

 

صلاة أبانا الّذي، لا تفوقها صلاة، في كلِّ الدّيانات. هي أمُّ كلِّ الصّلوات في المسيحية، جاءت على لسان يسوع، بعد طلب الرّسل له أن يُعلِّمهم كيف يُصلّوا؟ لانَّ الصّلاة بدون أصول تعليمها تصبح مُملّة. الموسيقار بدون التدريب المتواصل على آلة الموسيقى التي يحبّها، لا يصبح موسيقاريا، كذلك المؤمن لا يصبح رجل صلاة، إلا أذا مارس الصلوات الأساسية، ومنها صلاة أبانا الذي. هذه الصّلاة جذورها في التوراة مبعثرة، جمّعها يسوع من هنا وهناك، وجعلها صلاة المؤمنين الخاصة، إذ تحمل العنوان: الصّلاة الرّبّية. فمن لا يعرف ماذا يصلّي، فليتلُ هذه الصلاة، كما قال يسوع لتلاميذهٍ، إذ هي مُلخّصُ الإنجيل والتّورة كلِّها، فهي على قِصرها، صلاة جامعة لكلِّ صلاة، مُستوفية جميع شروط الصّلاة المُستجابة عند الله. إنها امتزاج إرادة الإنسان بإرادة الله، فلا يرى فيها الإنسان إلا ما يراه الله. وهي ككلِّ صلاة، طلب وسؤال. طلب لمجد الله، وسؤال لكلِّ وسيلة إلى الله. عندما يُصلّيها الإنسان، يقف أمام الله، وبعباراتها القصيرة يستعرض بها كلّ ساعات الليل والنّهار. هي قصيرة نعم، لكنها تُلبّي حاجة الناس في كلِّ زمان، لذلك فهي صلاة كلِّ زمان ومكان وكلِّ جنسٍ وجيل. صلاة وافية ومقتضبة، إذ يسوع الذي قال، إذا صلّيتم فلا تُكثروا الكلام كالفريسيين، يصوغ للنّاس، صلاة من كلام النّاس، ويوصي النّاس بتلاوتها كلِّ حين. تُعلِّمُها الكنيسة، لسموِّها مع قانون الإيمان، للدّاخلين في الدّين بالعماد، وذلك من أقدم العصور. ثمّ أدخلتها منذ القرن الرابع في القداس، على أنّها أروعُ ما يستعِدٌّ به الكاهن والمؤمنون، للاشتراك في ذبيحة المسيح. ومن شروطها، كما في مثل اليوم، أن يُكرِّرها الإنسان على الله بحبٍّ وإيمان، تماما كما فعل إبراهيم مع الله، وهو يطلب الرّحمة لأهل سدوم وعمورة، أو الصّديق اللّجوج في طلب الخبز من صديقه في الليل، وكما يفعل الأبناءُ المُدلّلون من آبائهم، في طلب ما يحبّون. هي مَثَل أعطانا إياه يسوع، ليعلّمنا كم هو ضروري الاستمرار في الطلب ولا ننخذل ونستسلم بسرعة، بل أن نتابع الطَّرْق على الباب، فبالتّالي سيقوم الصّديق ويعطينا ما نحن بحاجة له.

 

تركيبها قسمان: الأول بلغته هو: أول ما يُعلن نفسه هو أبانا. فهذا يُطمئن. إذ الأب هو مصدر الأمان في البيت والحياة. مبارك أنت لتكن مشيئتك... والقسم الثاني منّا نحن: أعطنا... اغفر لنا... لا تدخلنا...

 

وهذا هو نموذج الصّلاة الصّحيح. الله وضعنا في عالم بحاجة إلى مساعدة، إلى خبزٍ لنعيش. هذا الخبز يجب أن يُطلب وبإلحاح، مِن الذي عنده ويستطيع أن يُعطيه. أما نحن فدورنا هو أن نكون مُصلِّين وطالبين، لمن هم بحاجة. من هنا ما نسمع دائما: يا أبونا صلّيلنا، وهذا طبعاً تأدية واجب مهمٍّ، للأخرين أن نُصلّي، ويسرُّنا بالتّالي أن نشاهد كيف أنّ الله يتدخّل هنا وهناك في حياة مَن نُصلي لهم. هي بالاختصار صلاة رائعة، ولقد صاغها يسوع، على أروعِ ما تكون الصلاة في عينيه، طلباً وابتهالا، وثقةً واتّكالا. فاجعلها يا مسيحي صلاتك اليوميّة المُفضّلة، وفي كلِّ مناسبة. إبدا نهارك بها واختتمه بها، فيبقى الله حاضرا في حياتك، فتحصل بالتالي على ما تطلب منه. بالصلاة يقدر المُصلِّي أن يحمي نفسه من وقوع سيف دوموقليوس Damokel المعلّق فوق رأسه من عدوِّه دييونيزيوس بشعرة خيل فقط. إذ الصّلاة هي حائط حماية، بيننا وبين الشّر

 

 وبعد الطلب يبقى عليك الشكر، إذ هذا هو تركيبها: مدح الله قبل كل شيء على أنه إلهنا وخالقنا وخالق هذا العالم الجميل حولنا، ثم تقديم احتياجاتنا أمامه وبالتالي الشكر على ما نحصل عليه منه أوّلا بأوّل. إذ الإنسان هو ليس فقط شحّاذا، بل يجب أن يرفع الشكر المتواصل، وهكذا تبقى علاقتنا به متينه وبالتالي علاقته هو بِنا أمتن، إذ هو بالتالي يُحبُّ أن يبقى يسمع صوتَنا، كالأهل وابنهم الصغير، فهو ما يصرخ إلا وأهله بجانبه. هكذا نقدر أن نقول إنَّ الله واقفٌ دائما بجانبنا. لذا فالصلاة جائزة في كل وقت، خاصة عندما نقع في مأزق "اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة" (ملا 38:14). ها أنا معكم كلَّ الأيام إلى منتهى الدّهر. آمين