موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٧ مارس / آذار ٢٠٢٤

حكي يطعم الخبز

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

عبّرت العرب عن ضيقها بالسفسطة، ولم يرق لها النقاش «البيزنطي» و«ديموقراطيات» كالتي أضاعت إسبارطة! بالعامية، خاصة الشامية منها، ملّ الناس من «اللتّ والعجن» ذلك الذي تتقنه الألسنة «الماضية» -كناية عن مضاء نصلها- والرؤوس الحامية والأنوف المتورّمة احتقانا أو حنقا. ملت الناس فجاء تساؤلها الاستنكاري لا الاستعلامي: نسمع جعجعة ولا نرى طحنا!

 

اتهموا العقلانيين والواقعيين بالزندقة أو غيرها من لائحة التنديد والوعيد، لا يشبع الراغب بالزاد شيئا كالخبز وأصله قمح فطحين، لا زوانا ولا طنينا بات يصمّ الآذان. أشبعوا الآخر -عدوا أو مخالفا- أشبعوه شتما، وفروا جميعا ونفروا خفافا وثقالا، بالبعير!

 

منذ صدمتي الأولى المروعة بساحة من ساحات «بلاد العرب أوطاني» قبل عقود خلت من حملة «الصدمة والترويع» ترجمة لحملة «شوك آند أووّ» التي انتهت أو لعلها بدأت بإسقاط أو سقوط نظام صدام، منذ تلك الأيام التي ما زالت تعيد نفسها بعناد يستخف بذكاء وضمائر ومعاناة الملايين، منذ سقوط الشعارات الفارغة أو الكاذبة الخدّاعة، ما عاد مقبولا سوى الواقعية والبرجماتية في اتخاذ أي قرار يعنى بوجودنا وكرامتنا وحرياتنا وحقوقنا الشخصية والمهنية والوطنية والإنسانية.

 

لا يكفي البعض أنه يتطفّل على حق الناس في التفكير والتدبير، بل ويتنمّر أحيانا إلى حد الاختطاف والإرهاب. ما شأن فلان -نظاما كان أم تنظيما- بما لم يستشرنا بفعله. أما كفانا ما تجرّعنا -كأمة وكمنطقة- من مآسٍ جراء خداع الذات، البالغ منزلة إيذاء الذات والآخر معا؟

 

يصدّعون الرؤوس بالتلويح برايات الأمة و»ثاراتها» ولا يبرّوها بشيء لا عربيا ولا إسلاميا ولا حتى إنسانيا، ولو بحق الجيرة!

 

يطلبون حق الشفعة ويطالبون بما يلزم جوامعنا وكنائسنا وتكايانا وصوامعنا لكنهم عند الحساب، دائما غياب! القدس أمانة، والأقصى غال، ولو أساء لنا كلّ مجحف جاحد قالّ. كذلك هي القيامة وكنائس الأراضي المقدسة كافة شرقا وغربا، هي جميعها في العنق أمانة، وعلى الصدر نيشان كما يطيب للراضي ورغم أنف الزعلان.

 

الأمانة تقتضي الإقرار والاعتراف والمكاشفة والمصارحة بأن العنف ما كان يوما إلا المشكلة، وأن أصل العنف الكراهية، وبذرتها الأولى هي واحدة من اثنتين: إما الجهل أو الخوف، وقد ابتلينا وأعداؤنا وخصومنا بالاثنتين، إلا من رحم ربي..

 

قد آن الأوان، إعادة النظر ومراجعات عميقة وشفافة لا تبقى حبيسة مراكز الدراسات والأجهزة ذات الاختصاص، بل الناس كافة، علّنا نفهم بعضنا بعضا أو نتفهّم خلافنا واختلافنا، حتى يبقي للود قضية.. حينها يصير الكلام في السياسة والحكي في العقائد، يُطعم خبزا ويُشبع..

 

(الدستور الأردنية)