موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

تقديم كتب كرزات السنة ب عن إنجيل مرقس

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
غلاف الكتاب

غلاف الكتاب

 

تحضيرًا لبداية السنة الليتورجية القادمة (ب)، والتي ستبدأ في الأحد الأوّل من زمن المجيء، أصدر الأب منويل بدر، من كهنة البطريركيّة اللاتينيّة، كتاب كرزات السنة في مجلّدين، حسب إنجيل مرقس، والذي ستستعمله الكنيسة للسنة الليتورجيّة الجديدة.

 

وقد بدأ الأب منويل بدر بتوزيعها "مجانًا" على الكهنة والراهبات، والعلمانيين المسؤولين عن فرق راعوية، ومعلمي التعليم المسيحيّ، ومن يرغب، وهمّه الوحيد أن يساهم في نشر أفكار وثقافة دينية بين الشعب. هذا وإليكم كلمته الافتتاحية لهذه الكتب:

 

 

وقد قدّم هذه الكتب للإخوة الكهنة بهذه الكلمة:

 

قبل ما أقول أي شيء عن كتبي، التي ستوزع على من يريد مجانًا، لا أزال شاكرا للسمينير، الذي دخلته من قرية صغيرة، بعمر 12 سنة، بالكاد أقرأ عربي، لكنني خرجت منه بعد 12 سنة بخمس لغات، أضفت إليها فيما بعد 3 إضافية، وبثقافة واسعة مكنتني من الاندماج في بلدان كثيرة في عالم متحضّرٍ عشت فيه، مثل إيطاليا، ألمانيا، فرنسا وأمريكا، بدون صعوبة. خاصة في ألمانيا التي أمضيت فيها 46 سنة ورجعت منها قبل سنتين بالضبط.

 

الألمان أصعب شعب في أوروبا، متكبرين. إذا ما كنت متثقفًا بمستواهم أو بأعلى منهم فيا ويلك فهم سيعتبرونك مثل ما يقولون من العالم الثالث، أي متأخر، وإلا فأنت تصبح لهم مسخرة (هكذا هم يعاملون كهنة الهنود في أبرشياتهم): بهذا الصدد من لا يتذكر مقولتهم المشهورة DOCTOR ROMANUS ASINUS GERMANUS أي الدكتور الإيطالي هو حمار ألماني!

 

بالاختصار: لولا ثقافتي العامة والواسعة لكان ما وصلت إلى ما وصلت إليه: إقامة طويلة ممتازة، خدمة راعوية ناجحة في ثلاث رعايا ألمانية رئيسية، تأليف كتب، ثانية في نفس ألمانيا وبالألماني: كتابين عن حياتي، الأول بعنوان: "كيف بدوي من الأردن أصبح كاهنًا". والثاني "كيف بدوي من الأردن أصبح مبشّرًا في ألمانيا"، نالت إعجاب الكثيرون، إذ قد بعت منها 7 آلاف كتاب و3 آلاف وزّعتها كهدايا لأصحابي هناك. كلها نالت إعجاب قرّائها، إلى جانب كرزاتي، التي غالبًا ما نالت الإعجاب. هذه الكرزات ترجمتها إلى العربي ومنذ 6 سنين متتالية تذاع في "راديو مريم" كل يوم سبت وأحد. طبعت منها السنة الماضية سنة أ بمجلّدين ووزعتها عليكم.

 

واليوم سنة ب التي أريد توزيعها عليكم كذلك بمجلدين.

 

فمن هنا مجيئي واشتراكي اليوم بالرياضة الروحية، لأقدمها لكم.

 

مجلّدين لكل سنة لا لأن الكرزات طويلة، فهذا أكبر خطأ أن تكون الكرزة طويلة. مطران في ألمانيا كتب مرة لكهنته: لتكن الكرزة بين 4 أو 5 دقائق، هي أفيد مما تكون 20 دقيقة، إذ غير مطلوب منكم كل أحد أن تكرزوا عن نصف عقائد الدين. لكن لأنني في الست سنوات قد قمت بترجمة وإذاعة هذه الكرزات بالعربي بـ"راديو مريم" من الفاتيكان، ولا تزال تذاع إلى اليوم بصوتي كل سبت وأحد، فقد جاء دور كل سنة ليتورجية مرتان، أ  ب  ج على نفس الأناجيل لكن ليس نفس الكرزات. ممكن نفس العنوان، لكن ليس نفس النص. لذلك طبعتها كلها بمجلّدين، لكل سنة، ممكن تختاروا وتستعينوا بتحضير كرزاتكم من أفكارها، حسب ما تريدون، ففيها الكثير المفيد والمقنع.

 

يعني إنني أمضيت ساعات وأسابيع وأشهر، فقط في كتابة الكرزات وطباعتها للتاريخ، إذ كما قال المثل الروماني: Verba volant, scripta manent أي الكلام يطير بينما الكتابة فتبقى  فهذه هي نيتي: أن يبقى شيء منها بعدي للتاريخ.

 

بالإضافة إلى طباعة حياة يسوع: الإنجيل شعرا، طبعة جديدة مضاف عليها 20 قصيدة جديدة، وكما أخبرتكم السنة الماضية، هذا الشعر يُذاع منه يوميا مقطع في نفس الإذاعة لثلاث مرات في اليوم. كذلك يوزع مجانا لمن يريد. إذن أنا موظف فخري في راديو مريم من شهر سبتمبر 2016.

 

والآن بالنسبة لكتب الكرزات:

 

هذه الكرزات هي ليست وليدة يوم وليلة، يعني كلها على بعضها، مع سنوات السنة ج والتي سأطبعها وأوزعها عليكم السنة القادمة، إن شاء الله! أقول كلها على بعضها حوالى 2400 إلى 2500 صفحة، هي ليست وليدة يوم أو سنة، بل هي مجمل كرزات 26 سنة خدمة في رعايا ألمانيا. احتفظت بها كلِّها إلى يوم تقاعدي، وبعدها فكرت بترجمتها ونشرها أولا لراديو مريم بالصوت وصفحة أبونا كموضوع كتابي، ثم بعد رجوعي من ألمانيا قبل سنتين بالضبط، عزمت على نشرها: محتواها هو قبل كل شيء إيماني بما كرزت ومختصر ثقافتي وعلمي الدّيني واللاهوتي الذي نشأت فيه واقتبسته من خبرات وكتب قرأتها أو سمعتها، اختصرتها في هذه الكتب.

 

هدفي الوحيد هو ليس بيعها والاغتناء منها، بل المساهمة في نشر بعض الثقافة الدينية، التي أنا آمنت بها كل حياتي وحاولت التبشير بها، وهذه الثقافة هي ناقصة ومهملة في رعايانا، إذ هم يسألونك عن أسهل المسائل والمحتويات الدينية، كأنهم ليسوا بمسيحيين وعمرهم ما سمعوا بأي تبشير، رغم تعب أجيال الكهنة الذي سبقونا وعلّموا نفس التعليم والحقائق.

 

لكن اسأل أحد أبناء رعيتك، من بعد ما عايش 4 إل 5 كهنة في الرعية، أن يتكلّم 5 دقائق عن إيمانه قدام رعيته، فتراه يتعثر ويتلعثم ويحاول التملّص، لا حياءّ بل جهل ديني.... فمن الممكن إذن إفادة البعض من كرزاتي، التي هي مليئة بالأفكار العميقة والشروحات الوافية لحقائق إيمان كثيرة ومعلومات جغرافية للأماكن التي كان يسوع يقف عليها ويلقي وعظاته. والبرهان، أنني كثيرا ما كنت أُلقي كرزاتي في رعايا غير رعيتي، فكنت بعد القداس أصادف بعض المصلّين واقفين فيما بينهما يتسامرون، فكنت أقاطعهم بالسؤال: ماذا قال يسوع؟ حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة... فيكملّون هم: فأنا أكون بينهم! ... فكنت أعارضهم وأقول: لا... هذا غير صحيح...يسوع قال: حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهم يتكلمون على الخوري! فكم من مرّة فاجأوني، وضحكوا وقالوا: صحيح! نحن نتكلم عليك!... من أي بلد أنت؟ فإن كرزاتك وأسلوبك غير أسلوب ومحتوى كاهننا! فلماذا لا تأتي عندنا دائما!...

 

هذا وبالتالي السبب واضح ومقنع. فأنا مطّلع تمام الاطّلاع بالأجواء الجغرافية، التي ألقى فيها يسوع نصوصها. أضف إلى ذلك أنني بكوني من هذا العالم، أفهم جيّدا أمثال يسوع وأشرح لهم عقلية الشرق الغريبة عليهم، حتى إنّ رئيس مجمع الكنائس التي خدمتها ألقى في وداعي خطاباً باسم الرعايا قال فيه: يا كاهننا! نحن شكورون لك، لأنك أفهمتنا في كرزاتك الأسبوعية في بلاد الغرب عقلية وبلاد الشرق التي عاش فيها يسوع وكرز وعلّم عنها، وهي غريبة علينا، فما عدنا بحاجة لزيارتها! إذ أنت أفهمتنا إياها.

 

وسبب آخر أيضا، أنَّ دراستي في جامعة اللاتران في روما كانت بموضوع الراعويات والتعليم المسيحي. هذه العوامل التي سبّبت لي النجاح في ألمانيا، ساعدتني على تأليف هذه المجموعة من الكرزات لسنين الليتورجيا الثلاث كاملة. فإني أضعها بين أيدي من يريد الاستفادة منها بلا مقابل.

 

لمن كتبتها؟

 

لكم أنتم الكهنة والرهبان والراهبات، كتبتها لمعلميّ الدين، للمسؤولين عن أخويات وبحاجة لفكرة أو تأمل في مناسبة معينة مثل مناسبات يسوع. وهي بالتالي تفسير سهل وبسيط لأقوال وأمثال ووعظات يسوع.

 

لما تركت ألمانيا قبل سنة كان عندي مكتبة بأكثر من 800 كتاب، جمّعتها سنة بعد سنة، من نخبة الكتب لمختلف المواضيع، إذ كانت هوايتي شراء كتب نفيسة، منها كنت أقرأ قسما، أو فصلا، وأتركها، لأن الكثير كان فقط لتجميل رفوف مكتبتي، بانتظار أن أطلع للتقاعد وأكمل قراءتها، لكن مثل ما قال المثل: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن! فلقد خالفني الحظ وما عدت أرى شيئا بعيني اليسرى، رغم أحدث العلاجات بالإضافة إلى 5 أبر طبيّة تحت الرمش، لكنني ما استفدت شيئا، إذ بالاختصار كَمَرَةُ العين ختيرت في هذا العمر مثل صاحبها. كما وإن العين اليمين لا تساعدني على قراءة كل شيء إذ قوّة النظر فيها فقط 70%، وهذا ما منعني أيضا من شراء وقيادة سيارة ولأوّل مرة منذ عام 1967.

 

مكتبتي المذكورة ما راحت في الزبالة بل جاء المسؤول عن مكتبة جامعة بادربون، الأبرشية التي خدمت فيها مع تراك كبير وحمّلها كلّها، منها لمكتبة الجامعة ومنها لوضعها في المكتبة العامة للمستفيد من الدارسين في الجامعة. كل كتبي وكتاباتي التي ألّفتها وأصدرتها للسوق، ما طعمتني بصل، إذ كلها وزعتها توزيعا مجانيا، علما بأن هذه الكتب كلّفتني مبالغ... (وهذه فداكم يا شباب، إذا كانت كتبي تُفيدكم في نشر قليلا من الثقافة الدينية، التي أتمنّاها).

 

قالوا الجاحظ مات بعد أن سقطت عليه مكتبته برفوفها وكتبها الثقيلة، لكن الكثيرين يقولون: إن موته ما كان صدفة، بل كان انتحارا مُبرمجا، بعد أن شعر في لحظة حانقة، أن تعبه وسهره في القراءة والكتابة والتأليف والبحث لم يجد صدى عند الآخرين.... فيا مالكي كتبي! اشفعوا فيَّ، فما بدي أموت نفس الميتة. استعملوا كتب كرزاتي قد ما تقدروا... وربما هو السبب ذاته الذي دفع فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة، أبو العلاء المعري، أن يحرق كتبه، ظانًا بها على الناس، الذين لم يُقدِّروا له جهوده. وكثيرون فعلوا بكتبهم ومكاتبهم كذلك.

 

لكن هناك واقعة إيجابية من زمن العباسيين، الّذين كانوا مَن شجّعوا العلم والثقافة في زمانهم. فيُقال إنَّ أحد الخلفاء العباسيين، عندما أراد أن يشجّع العلم والأدب، أمر أن يُمنح الكاتب الذي يؤلّف كتابا أو يترجمه، وزن هذا الكتاب ذهبا، فكان هناك كاتب منحوس، يُقال أنه فكّر بالذهب أكثر، فنقش كتابه على صخرة ثقيلة، ودحرجها إلى بلاط الخليفة، كي يُعطى بها ذهبا!... الذي كتب هذه القصة لا يعرف إذا ما الخليفة دفع للكاتب ذهبا!

 

أنا لا أحلم أن أُمنح عن وزن كتبي ذهبا، بل أتوق لو أن كلّ كاتب (في بلادنا) يستطيع أكل لقمة خبزه من ريع كتبه. قيمة الكتاب ليست بوزنه بالذهب لكن بمحتواه. فأتمنّى أن تكون قيمة كتبي عندكم ليس في سعر الذهب، بل في استعمال الأفكار الموجودة فيها. هذا وعلى الله الاتّكال!