موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٨ ابريل / نيسان ٢٠٢٢

تقاليد يوم الجمعة الحزينة

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
إذ ليس لأحدٍ حبُّ أعظم من أن يموت عن أحبائه

إذ ليس لأحدٍ حبُّ أعظم من أن يموت عن أحبائه

 

في كل أنحاء العالم تلعب الجمعة الحزينة دورًا كبيرًا في الديانة المسيحية. فهو يوم للتفكير والتعمّق بل التأمّل الشخصي بآلام المسيح. ولهذا اليوم أيضًا تقاليده في جميع أنحاء العالم. فهو اليوم الذي يُذكَرنا بصلب يسوع المسيح، حيث يذكر الإنجيل أن يسوع قد سمِّر وعُلِّق على الصليب على جبل الجلجلة في أورشليم. فلكي يفهم المسيحيون ذلك ويتأملون فيه، فهم يصومون ويقيمون الصلوات وقراءة قصة الآلام من الإنجيلي يوحنا سنويًا. من العادات الدينية، أنّ المؤمنين، ليس فقط هذا اليوم، بل كل يوم أربعاء وكل يوم جمعة بالصوم الأربعيني، ينقطعون عن أكل اللحوم. يوم الأربعاء هو حسب التقليد يوم خيانة يهوذا ليسوع، والجمعة يوم موته.

 

تسميته باسم الجمعة الحزينة، هو دلالة على الحزن الذي خيم على العالم يوم موت يسوع، وهو أعلى وآخر يوم في الصوم الأربعيني، وهو أيضًا قمة الأيام الثلاثة في الأسبوع المقدس (الثلاثيّة الفصحيّة)، الذي يتكلّل بذكرى القيامة.

 

وأمّا السؤال: لماذا لا يجوز الرّقص في هذا اليوم؟ فهذا شيءٌ واضح، عيد الفصح هو أكبر الأعياد السنوية في المسيحية، وهو بداية الاحتفالات الدينية والدنيويّة. أمّا يوم الجمعة السابق والمعروف بيوم الجمعة الحزينة فهو يذكّر المسيحيين بآلام يسوع المبرّحة، منها تعريته من ملابسه، إذ هكذا كانت عادة الصلب المُذلَّة، ثم استهزاء جنود الرّومان به وعلى رأسهم بيلاطس البنطي، الذي افتكر يسوع منافسًا لقيصره في روما ويحرّض بالشعب لمقاومة الاستعمار. أضف إلى ذلك اتهامات الفريسيين التي انتهت بموته كأشنع نوع ميتة.

 

لذا فهو يوم فريد، مكرّس للتأمل بقدسيّتِه ثمّ التّمسّك بالصوم والصلاة، وهو حسب الإنجيل يوم القضاء على الشرّ في العالم، وفتح الطريق للبشر للوصول إلى الله والحصول على الحياة الأبدية. بعكس يوم دخول الخطيئة الأصلية الّتي أغلقت هذا الباب قدام الإنسان. فالرّقص بجميع أنواعه والموسيقى التابعة والمهيجة للرقص كلاهما مُحرّم وممنوع. إذ ما عدا التأمل والصلاة لا، يجوز أي إزعاج صاخب في الحياة العموميّة. كما ويُحرّم بث أكثر من 700 فيلم عالمي تخلّ بالأخلاق (لائحتها تنشر سنويًا).

 

دورات يوم الجمعة الحزينة. كيف يحتفل المسيحيون بهذا اليوم؟ من نصف قداس خميس الأسرار تصمت الأجراس وإلى إعلان قيامة يسوع، فهو إذن يوم هدوء في الكنيسة، لذا لا يجوز الإزعاج بالاحتفال بمناسبات صاخبة كالرقص والمباريات الرياضية. "إننا نعيش في عالم مظلم اليوم سببه التعليم الخاطئ المكتسب من الطقوس الوثنية، التي أنستنا ما هي الحقيقة" (وعظة البابا فرنسيس يوم خميس الأسرار 2022.04.14).

 

هناك عوائد شعبية ما عاد التخلّص منها بالهين. ففي أوروبا إجمالاً، تبقى المخابز ودكاكين بيع الورود نصف نهار فاتحة. أمّا محطات البنزين مع السوبرماركت فيها والمطاعم فتبقى ليل نهار في خدمة المسافرين. هذا فهناك عوائد أخرى مختلفة، فمثلا في إيطاليا كثيرًا ما يرتدي الرجال ملابس خاصة ويطوفون الشوارع لتذكير المارة بيوم الحزن هذا. في الفلبّين كثيرًا ما يحدث تمثيل حيّ لآلام يسوع يشاهده المئات في الشوارع والساحات العامّة. في إسبانيا يذهب الآلاف من الناس الطريق إلى الكنائس زاحفين على ركبهم وعراة الأقدام. في بلاد أخرى يرتدي الكثيرون ملابس الجنود الرومانية القديمة ويسيرون في دورات يحمل أحدهم الصليب على أكتافه حتى يصل إلى جبل ويُصلب عليه شكلا، جنبا إلى جنب مع صلبان أخرى مرفوعة.

 

في قبرص واليونان يُحتفل طيلة الأسبوع المقدس بقداديس وطقوس تدوم ساعات طويلة، ويوم الجمعة الحزينة تُقام دورات أيضًا طويلة في الرعايا مع الشعب. وأما حفلة عيد الفصح فيشترك فيها ليس فقط المؤمنون بل كلُّ من يريد. في السنغال المسلمة في أفريقيا، حيث عدد المسيحيين قليل ولا يوجد إلا رعايا صغيرة، فعندهم وصفة أكل واحدة معروفة شبيهة بالكسكس المغربي المخلوط بالفستق، كما وهناك خليط مشروب أساسه الزبيب وعصير عشب الفانيلا يّضاف إليه سكّر، توزّعه العائلات المسيحية أيضًا على جيرانها المسلمين.

 

تتميّز الاحتفالات الدينية بطابع الحزن فيها، ومن المُحبّذ ألا تبتدئ قبل الثالثة بعد الظهر، حسب التقليد ساعة أسلم يسوع روحه: "يا أبتاه! بين يديك أستودع روحي". قمّة الاحتفالات هي تكريم الصليب، بعد تعريته من غطاء الحزن البنفسجي الموضوع عليه منذ بداية الصوم، وبالتالي السجود له. كما وهناك عوائد الاحتفال بصلاة درب الصليب أمام مراحل خارج الكنائس يشترك فيها جماهير غفيرة، وكثيرًا ما يرافق حاملَ الصليب نساء مُخفّيات الوجوه، تذكارًا للنساء اللواتي رافقن يسوع على طريق الجلجلة، منهنّ واحدة تحمل منديلاً، تمسح فيه وجه حامل الصليب كفيرونيكا، كما وهناك بعض الحرس بلباس خاص، فتكتسب هذه الصلاة طابعًا حيًّا مؤثّرًا.

 

الكنائس البروتستانتية تعتبر الاحتفال بصلوات الجمعة الحزينة قمة احتفالاتها، إذ ما عندها طقوسًا مشابهة لطقوس الكنيسة الكاثوليكية للاحتفال بأحد القيامة.

 

بالاختصار الجمعة الحزينة هي يوم مهم في ديانتنا، فيها نكتشف عِظَم محبّة الله لنا، وهي محبّته التي أدت به إلى الموت من أجلنا، "إذ ليس لأحدٍ حبُّ أعظم من أن يموت عن أحبائه". نسجد لك أيها المسيح ونباركك، لأنك بصليبك المقدّس، خلّصت العالم!