برج بابل

 

أُمَّةً واحِدَةً بِلُغةٍ واحِدَةٍ خَلَقْتَ البشرَ يا رب

بها يتفاهمونَ مَعَ بَعضِهِمْ ومَعْكَ هذا شعب

 

كَثُرَ نَسْلُهُمْ وتحاشِياً لِلْاخْتِلاطِ بِغَيْرِهِمْ قرروا

بِناءَ بُرْجٍ واسِعٍ بَلْ أيضاً عالِياً لهُ طيناً حرقوا

 

هُمْ ما أَرادوا أَنْ يَتَفَرّقوا بَلْ أَنْ يَبْقُوا متّحدين

بالسَّكَنِ والعيشِ الكريمِ فيما بَيْنَهُمْ مرتبطــين

 

باشروا بالبِناءِ طابَقاً طابَقاً وَبَلَغَ بِهِمِ الجنون

أَنّهّمُ ْما اكْتفوا بالقليلِ بَلْ قَرَّروا بَيْتاً للعيون

 

قالوا هيّا نَرْبِطُ الأَرضَ بِالسّماءِ فيعلو شأنُنا

بينَ الشُّعوبِ فَيَهابونا بَلْ ويهوى يَحْسَبُ لنا

 

فَنَزَلَ يهوى ليكتَشِفَ ما قامَ به شَعْبُهُ مِنْ بناء

وإذا به يرى بُرجاً بِقُبَّةٍ قريبَةٍ مِنْ قُبَّةِ السماء

 

قال يهوى حانَ الوقتُ أنْ نُبَلْبِلَ الـيومَ لغتَهم

قالَ وفَعَلَ لذا فما عادَ أَحَدٌ يَفْهَمُ لَهُمْ لعثُمَّتَهم

 

للتّوّ تَشَتّتوا وتفرّقوا كُلٌّ عَنْ أَصْلِهِ وحَسَبِه

وما عادوا شَعْباً واحِداَ الكُلُّ يَعتَرِفُ بنسَبِه

 

هذا أَصْلُ تَسْمِيَةِ سَكَنِهِمْ وبُرْجِهِمِ الشّهيرِ بابل

اسْمُهُ للتّاريخِ محفوظٌ إِذِ اخْتَلَطَ الحابِلُ بالنابل

 

نتساءَلُ مَنْ هُمْ أهلُ بابلَ في عصرِنا الحاضـر

ألسنا نحنُ الّذينَ رُحْنا نبني حياتَنا على الساحر

 

رُحْنا نَبْني قُصوراً في العلالي ما لها أيُّ أساس

نَبْنِيها بالمـالِ والسِّلاحِ وسائِلُ مـا فيها إحساس

 

رُحْنا نَبْني قُصوراً على حِسـابِ الفقيرِ ونفتخر

أَنّنا حَرَقْنا خَيْمَتَهُ وأَقَمْنا لنا مكانَها أَحْسَنَ قصر

 

رُحْنا نَبْني قُصوراً وفنادِقَ نَحْرِقُ لها الغابات

ونَهْدِمُ خَيْمَتَهُ المَبْنِيَّةَ بلا ترخيصِ مَعَ إثباتات

 

رُحْنا نبني قُصوراً وأبراجاً عالِيَةً نَمْلأُها بغلاتنا

لا نَحْسِبُ حِساباً لِجوعانٍ أوْ عَطْشانٍ في جوارنا

 

رُحْنا نَبْني قُصوراً لا يَسْكُنُها المُحْتاجُ لها بَلِ الغني

أمّا اللّاجِئُ فَغَريبٌ لا هُوَ مِنْ جِنسي ولا مِنْ وطني

 

رُحْنا نَبْني قُصوراً للفُجورِ والخُمورِ وبناتِ الهوى

فالدَّعارةُ حَلَّتْ مَحَلَّ الفَضيلَةِ فَهَلْ نَظُنُّ الله لا يرى

 

يا يهوى لقدْ حانَ الوَقْتُ أَنْ تَنْزِلَ وتُنْصِفَ الضعيف

بَلْ أَنْ تُدَمِّرَ أَبْراجَ كِبْريائِنا فَنَفْهَمَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سخيف