موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٢

المسيح قام! حقًا قام

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
المسيح قام! حقًا قام

المسيح قام! حقًا قام

 

كرزة أحد القيامة (الإنجيل لوقا 24: 1-12)

 

لو لم تكن القيامة حقيقية، لما كُتِب العهد الجديد. فالإثباتات إذن واضحة. وكلُّ الأناجيل تذكر هذا الحدث بفخر وافتخار. الإثباتات عند متى مثلا القبر الفارغ ومسألة رشوة الحرّاس لتكذيب الحقيقة، والتي تدل على غباوة مفتعليها. إذ ما هي مهمّة الحرس الأوّلية: أن ينام أم أن يبقى واعيا يحرس ويراقب ما يجري حوله؟ وأما عند الأخرين فبراهين القيامة هي الظّهورات العديدة والمختلفة. نحن أيضا نومن بهذه البراهين التقليدية المتناقلَة

 

من أجمل احتفالات السنة، هي بداية الاحتفال بليلة عبد الفصح، أي سبت النور حيث تتم بركة الشمعة الفصحية وتوزيع نورها على الحضور، حيث يروا ويحملوا بأيديهم النورـ الّذي يرمز الى يسوع القائم من الموت، بالنداء المفرح: نور المسيح، لثلاث مرّات، وكل مرّة يُوزَع النور على عدد أكثر من الحضور، فيطرد نوره الظلام المخيّم حولهم. وهذا يقول لنا: ضوء صغيرٌ يطردُ أعمق ظلام حولنا. وهذا النور، يأتي من فوق كالشمس، وهو الذي قال عنه الشيخ سمعان: سيكون نوراً للأمم. كما ويُذكِّرنا بالنّور الّذي رآه موسى في العلّيقة، تُضئ ولا تحترق. أو النّور الّذي قاد الشعب في طريقه الطويل من جبل سيناء إلى أرض الميعاد، ينير الشعب من جهة ويُظلِم على الأعداء. هذا وعلى الآباء أن يُذكِّروا أبنائهم بهذا الحدث، الذي يعني خلاصهم. نحن نجعل من الاحتفال بالنّور محور احتفالنا بليلة الفصح، الذي ينير مجدُه العالم هذه الليلة. الظلام هو رمز الخطيئة. ساعة مات يسوع خيّم الظلام على العالم، وأما ساعة قيامته فتُرجِع له نورُه، إذ يسوع قد محى عنا عار الخطيئة، فمن لا يستطيع أن يفهم هذا، فهو لا يقدر أن يحتفل بعيد الفصح، أي عيد الخلاص من الخطيئة. الآن نفهم أهميّة إضاءة الشموع في بيوتنا وحياتنا.

 

أتمنّى لو تُتاح لنا الفرصة ونشاهد هذا الصباح شروق الشمس في آنٍ واحد، وذلك من ثلاث مناطق. أوّلا من شاطئ بحيرة طبريا ثمَّ من جبل سيناء في مصر، وثالثا من جزيرة كريتا في اليونان. فهي أجمل الأماكن التي فيها شروق الشمس يُبهِرُ العيون، إذ بعد ظلام دامس، يبدأ شعاع الشمس باكراً، يبرز رويداً رويداً، وبعدَّةِ ألوان تعلو وتتوسع في الآفاق البعيدة، خاصّة إذا كان قدامها غيوم خفيفة تتلون بألوان الشمس، كأنّك في حلم، يتكرّر هذا المشهد كلَّ صباح. الإنجيل يبدأ بوصف حدث القيامة هكذا: في أول يوم من الأسبوع وعند طلوع الشمس. ومن وراء هذا المعني هو طلوع شمس العالم من القبر.

 

هذا الظّلام الدّاكن في حياتنا، عشناه في الثّلاث أيام السابقة، وأما اليوم فيصدح خبر القيامة كشعاع الشمس من خلف جبل سيناء وجزيرة كريتا، كما وشاطئ بحيرة طبريا، وهذا النور، هو ما يُذكّرنا به احتفالنا ليلة الفصح في الظلمة، ثم إضاءة الشمعة الفصحية تتلاشى وفي هذا الحدث الكبير، تتجمّع كلُّ أسرار ديانتنا، إذ كلُّها مُرتبطة بالشمس، كالأشعة التي تخبر بوجود الشمس من وراء الجبال المذكورة. على فكرة، صور شروق الشمس هذه من الأماكن الثلاث المذكورة، قد نالت إعجاب العالم وربحت الجائزة الأولى بين كل صور المتقدّمين للحصول على جوائز أحسن الصور.

 

هذا هو عيد الفصح. شمس واضحة بين ديانات كل العالم، إذ لا يوجد فيها أيٌّ عيد، يُقدِّم لنا جمال هذا العيد وحقيقتَه، فهو أساس ديانتنا، ولولاه لما بقي من ديانتنا شيٌ يُذكر، ولَعادتْ فقط حقبة تاريخية، أكل الدّهر عليها وشرب، لا أكثر ولا أقلّ. أما قال بولس: لو لم يقم المسيح لكانت ديانتنا باطلة، ولكان إيمانُنا أبضا باطلا ولكنّا أتعس الخلق؟

 

في منشوره البابوي in spe salvati الصادر عام 2007، يَعْزُ البابا بندكتس السادس عشر، صدق القيامة على أننا نتّكل فيها على شخص نثق به وبأقواله، وهو يسوع نفسه، الّذي مراراً وتكراراً أفضى لتلاميذه بموته وقيامته. وبالتالي، يقول البابا، نتّكل على حدث واقعي نتذكّره دائما وأبداً، وهذا الحدث هو قيامة يسوع. هناك أحداث يومية لا تستأهل التفكير أو التذكير بها، بينما هناك أحداث مُهمّة، التذكير بها يجعلها دائماً حيّة ومفيدة، كعيد الفصح.

 

القيامة هي أساس ديانتنا وإيماننا، إذ بدون القيامة لا أدري بأي شيء مُرْضٍ ومعقول سنؤمن؟ هو الذي أقام أمواتا، كأليعازر أو ابنة القائد الرّوماني أو ابن الأرملة الوحيد، أما كان له أن يقوم من بين الأموات؟ هو الّذي قال عنه يوحنا الحبيب: "فيه كانت الحياة"، كان لا بدَّ له أن يقوم، كي تتحقق نبوءة دانيال القائلة: "ابن الإنسان سوف يُسلَم إلى أيدي النّاس فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم". نعم كان للمسيح أن يقوم ليبرهن على ألوهيَّته، هو الّذي كان قال للفريسيّين يوما: كما بقي يونان في بطن الحوت ثلاثة أيّامٍ وثلاث ليالي، فكذلك سيبقى ابن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة أيّامٍ وثلاث ليالي". وهو الّذي كان قال للتجّار في الهيكل، عندما طلبوا منه آيةَ، تُثبت سلطانه: "أٌنقضوا هذا الهيكل وأنا أُقيمه في ثلاثة أيام، وكان يعني هيكل جسده، وأمّا هم فلم يفهوا ذلك.

 

وفي صلاة قانون الإيمان، تعلن الكنيسة باسم الجميع: وقام في اليوم الثالث، كما في الكتب. هذا وبولس يؤكِّد: لقد قام المسيح من بين الأموات، وهو بكر الأموات، فقد أتى الموت على يد إنسان، وعلى يد إنسان تكون قيامة الأموات. وكما يموت جميع الناس في آدم، فكذلك سيحيون في المسيح. حتّى حراسة القبر لم تمنع قيامته ولو أوّلوها إلى سرقة جثمانه، التي تبيّنت أنها خرافةٌ مفتعلة لتبرير موقفهم الكاذب والمُخزي. فكيف هم لم يلحظوا سارقي الجثّة وهم حرّاس القبر وبالسّلاح مُدجّجين؟ (كما لم يلاحظوا خروج التلاميذ من السجن: أعمال 52:5) أما هذا عاراً عليهم؟

 

فعيد القيامة اليوم إذن هو حدثٌ تاريخيٌّ حقيقي، وهو بالطّبع عيد فرح للجميع، وليس فقط لحاملات الطّيب، المذكورة أسماؤهن في الإنجيل، وهنَّ مريم المجدليّة ومريم أمُّ يعقوب ومريم سالومي، فتفاجأْن بالحجر الكبير مُدحرجا عن باب القبر وهذا فارغ، وخبر الملاك: إنّه قد قام. ومجيْ يوحنا وبطرس بعد إعلامهما بخبر قيامته، فأعلنا إيمانهما بقيامته. هذا وابتدأت فجأة ظهوراته العجيبة، وهي عديدة أيضاً: لتلميذي عمّاوس وللتلاميذ بدون توما ثم مع توما، وكلّهم آمنوا بهذا الواقع، بعد ما تأكّدوا من علامات موته: أثر المسامير في يديه ورجليه وجرح الطعنة: إلمسوني وتحقّقوا منّي! الروح ليس له لحم ولا عظم، كما ترون لي! أنظروا يديّ ورجلي! أنا هو بنفسي. فماذا نريد بعد من إثباتات؟ ومنذ تلك اللحظة، ما عاد عندهم أي شك بحقيقة قيامته، فجعلوا منها محور موضوع كرازاتهم وتبشيرهم الأول، وبكلِّ شجاعة، رغم منعهم من التبشير: أجابهم بطرس: لا نقدر إلا أن نتكلّم، فإنَّ الله خيرٌ من البشر أن يُطاع. هذا وبجهارة وقف أمام الجماهير وأعلن: "يا بني إسرائيل! اسمعوا هذا الكلام، إنَّ يسوع النّاصري، ذاك الرجل، الّذي أخذتموه وصلبتموه وقتلتموه بأيدي الكافرين، قد أقامه الله، وأنقذه من أهوال الجحيم". لهذه الشجاعة سيسفك دمه، إثباتا لما بشّر به. فإنسان  يسفك دمه، إثباتاً لشهادته، حتماً ستكون شهادته صادقة.

 

 لقد قام المسيح حقّاُ في اليوم الثالث كما قال، إنّ هذا الخبر لا يعلو عليه خبر، لا في ديانتنا ولا في أيّة ديانة أُخرى، إذ به وعليه يقوم صدق ديانتنا. هو عيد انتصار الحياة على الموت، انتصار يسوع على قوى الشيطان: أين نصرتك يا موت؟ وهو عيد انتصارنا نحن أيضا معه، فهو الرأس. وما حدث للرأس سيحدث أيضا للأعضاء. هذا هو تصميم الله الأب، وهذا يؤكّد لنا أنّنا نحن أيضا سنقوم، إذ قيامة يسوع تعني أيضا قيامتَنا. لذا نتذكر هذا الحدث المهم كل أسبوع، أعني كل أحد نتذكر قيامة يسوع، فنتعبّد له بفرح ونقيم الصلاة لتقوية إيماننا. الأناجيل كلها كُتِبت للأجيال اللاحقة، أي لنا، حتى تُثبت لنا هذا الخبر المهم. لقد كُتبت هذه الأشياء حتى يثبت إيماننا في هذه الحقيقة. هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنتهلل به. وفصح مبارك آمين