الطوفان

 

قال يهوى أَمْحو عَنْ وَجْهِ الأرضِ الإنْسانَ وما خلقت

كما ولا أنسى الزّحّافاتِ ولا طُيورَ الأرضِ ذا قررت

 

رجُلاً واحِداً مَعْ عائِلَتِهِ ونسلِهِ مِنَ الطّوفانِ لَنْ أُبيد

هُوَ الصِّدّيقُ نوحُ فَهْوَ بارٌّ لِذا أُنجّيهِ في سفينةٍ أكيد

 

أمّا الأرضُ الّتي فَسَدَتْ أمامي وامتَلأَتْ بالشرور

مصيرُها الدّمارُ إِذْ ما عادَ عليها مِنْ إنسانٍ طهور

 

يا نوحُ! قَدْ حانَ أَجَلُ كلِّ بشرٍ أمامي إذْ زاد الفساد

إني مُهْلِكُهُمْ أمّا أَنتَ ونسلُكَ فَتَنجوا هكذا قلبي أراد

 

ابنوا لكمْ سفينةً بِمَساحاتٍ ومقاييسَ مَقْبولَةٍ واسعة

متى انْتَهَيْتُمْ يأتي على العالَمِ طوفانٌ بِمياهٍ شاسعة

 

حينَ انتهوا قال الله لنوحَ وأَهْلِهِ ادْخُلوا الآنَ السفينة

فما أغْلقوا البابَ وراهُمْ حتّى انْفَتَحَتِ السّماءُ سمينة

 

بِساعاتٍ امْتلأَتِ الوِديانُ وأَغْرَقَتْ حوالَيها ومَنْ فيها

كما والمواشي على المراعي قد هَفَتْ عَنْ بَكْرَةِ أبيها

 

أربعينَ يوماً وأربعينَ ليلةً دامَ الطّوفانُ بِغَزارَةٍ كثيفة

فحمَلَتِ المياهُ السّفينةَ الّتي أصْبحَتْ كَأَنَّها قَشَّةً خفيفة

 

واسْتَقَرَّتْ آخِرَ المَطافِ على جِبالِ عراراتِ العالية

بَعْد َمِئةٍ وخمسينَ يوماً صارَتِ المياهُ تَحْتَها واطـية

 

يهوى لم يَنْسَ نوحَ بَلْ أَوْقَفَ عَوامِلَ الطّبيعةِ الهائجة

ففي آخِرِ المئةِ والخمسينَ يوماً ظَهرتِ الجِبالُ المائلة

 

وفيِ الشَّهْرِ العاشِرِ بَعْدَ أربعينَ يوماً مِنِ انْحِباسِ المطر

أَطْلقَ نوحُ حمامةً مِنَ السّفينةِ حامَتْ ثُمَّ عَادَتْ مِنَ السفر

 

فَفَهِمَ مِنها أنَّ الماءَ لا يزالُ مُغَطِّياً سَطْحَ الأرض

انْتَظَرَ أسبوعاً ثُمَّ أطْلَقَ حمامَةً وغُراباً مَعَ بعض

 

الغُرابُ لمْ يَعُدْ أمّا الحمامةُ فعادَتْ مَعْها غُصْنُ زيتون

فَفَهِمَ نوحُ أنَّ الحياةَ عادَتْ طبيعِيَّةً كما يَجِبُ أنْ تكون

 

فَبِأمْرِ الله خرجَ نوحُ وجميعُ سُكّانِ سفينتِهِ الكبيرة

مِنْ كُلِّ جِنسٍ وإِنْسٍ ليبدأوا حياةً مُباركةً مستنيرة

 

أمّا أوّلُ ما افْتَكَرَ به نوحُ مَعَ مَنْ كانوا في السفينة

هو شكرُ الله على هَيْكَلٍ أحْضروا له ذبائِحَ ثُمَّـينة

 

فاسْتَنْشَقَ الله رائِحَةَ الذّبائِحِ والمُحْرقاتِ فأعْجَبَتْه

فقالَ لَنْ أعودَ إلى لَعْنِ الأرضِ والإنسانَ أحْبَبْتُه

 

فَلْتَبْدأْ فُصولُ السّنةِ الأربعةِ تُزْهِرُ بِقٌوَّتِها اللمّاعة

يتبادَلُ النورُ والظّلامُ فيها وكِلاهُما يُطْلِقُ شِراعه

 

وباركَ يهوى نوح َونسلَه واعِداً سُلْطَةً مِنْ سلطته

كيْ يُديروا شُؤونَ العالَمِ ويحكُموهُ مُجَدّداً بحكمته

 

وقال الله علامةُ العَهْدِ بيني وبينكُمْ تكون قوسِيَ المنير

تَظْهرُ في الغَمامِ بَعْدَ المَطَرِ كَنُورٍ بألوانٍ كثيرةٍ للتذكير