موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٠ فبراير / شباط ٢٠١٩
ضرورات الحوار الناجح

إميل أمين :

هل العالم حقا في حاجة لحوار اصحاب الاديان ؟هذا التساؤل يقودنا الى تساؤل فرعي اخر :ما هي الضرورات الواجب توافرها في هذا الحوار حتى يصبح فاعلا وناضجا ولا تؤثر فيه زوابع الفنجان إن صح التعبير؟

يمكننا القول اولا: انه لا بد من أن يفترض الحوار تضامنا مع الطرف الآخر، وثانيا: ان يبتعد مجال الحوار عن مواقف الشك أو رفض ما يأتي من الآخر أو ما يطالب به الآخر فالحوار يبدأ بنظرة إلى الآخر، نظرة احترام كاملة فلا يعتبره تلميذا عليه أن يعلمه ولا طريدة يجب أن يصطادها بل أخا له في الإنسانية الواحدة.

ثالثا: يترتب على المحاور أن يتحرر من ثقل الأحكام السابقة أو التصورات عن الآخرين التي يتناقلها الرأي الشعبي بطريقة غير واعية من جيل إلى جيل وان يسعى لان يفهم نفسه والآخرين كأشخاص لهم خبراتهم الشخصية ولهم قدراتهم ليتخذوا مواقفهم النابعة من قناعاتهم لا من تأثير الموقف العام.

رابعا: ضرورة قبول المحاور أن يتعلم من الآخر فعندما نلتقي إنسانا آخر علينا أن نعتبر انه يملك شيئا يعلمنا إياه ويغني خبراتنا الشخصية.

خامسا: أصبح من الواضح أن هدف الحوار ليس أن نجعل الآخر المختلف يعتنق إيماننا ولا أن نشككه فيما يؤمن به بل أن ننمي لقاءً روحيا عميقا يحث كل طرف على أن يتقدم في فهم إيمانه وفي ترجمته في حياته اليومية.

سادسا: بناء على ما تقدم ينفي الحوار كل توفيقية أي محاولة خلق عقيدة هي مزيج من عقائد الديانتين SYNCRETISME وكل نسبية أي مساومة على بعض الحقائق الإيمانية RELATIVISME بل يفترض إبراز حقائق إيمان المتحاورين على المستوى المعاش أكثر منه على المستوى النظري فان الحوارالحقيقي يتحول مناسبة ليتعمق المتحاورون في معنى إيمانهم وفي إخلاصهم له.

والمؤكد أيضا في هذا السياق أن هناك قواعد أخرى متعددة ومتنوعة تصلح مجالا خصبا للحوار لاسيما وانه جزء من مسار الباحث في وجدانه وقلبه عن سر الحضور الإلهي.

وأظن كذلك أن هناك وحدة في المصدر الإيماني ما قبل الوحي في اليهودية والمسيحية والإسلام، فهناك حوار منذ البداية قائم بين الأرض والسماء بين الله والإنسان وما الوحي الإلهي عبر الكتب السماوية ورسائل الأنبياء إلا ضرب من الضروب الأولى لهذا الحوار ولعل كلمتين فقط يمكنهما أن يقوما الحوارتقويما حقيقيا بعيدا عن الخلافات الدوجماطيقية والتشرذمات المذهبية وهما فضيلتا «العدل والتضامن». فالمسيحية تدعو إلى العدل والإسلام يدعو إلى العدل، كما يدعو إلى محبة الفقراء التي يحث عليها الإيمان المسيحي كذلك فالحوار اليوم إذن رغم ما شابه من ضباب أزمة محاضرة ألمانيا يمكن أن يقوم على فكرة البناء معا سويا جهة مدينة الله القائمة على العدل والتعاضد وليس مدينة قيصر القائمة على المجد والقوة والمال.

نعم معا نبني حضارة الاقتسام والمشاركة ونهدم هيكليات الظلم والاستئثار وعندي أن القضية الاجتماعية هي المرتكز الحقيقي لمستقبل الحوار وشهادة الإخوة وعلامة نبوتنا لله الواحد، فالعطاء هو الأساس الحقيقي لرحمة الله وللشهادة لحبنا له حتى ولو بالتقدمة المستورة المتواضعة والعدل جامع مشترك بينالمسيحية والإسلام واليهودية وهو مشروع حوار رائد بين هذه الديانات فلا يبنى مستقبل على الظلم وهدر حقوق الإنسان رجلا كان أم امرأة.

غير انه في إطار الحديث عن الصعوبات التي تواجه الحوار الإسلامي المسيحي اليوم لا يمكن للمرء أن يهمل هذا القدر الهائل من التداخل بين ما هو سياسي وما هو ديني وبين ما هو روحي مطلق وبين ما هو دنيوي نسبي فالبعض يرى أن الحوار الذي بادر به الغرب هو نوع من الاستدراج للمسلمين ليخرجوا بمواقف ضد من يدافع عن قضايا الأمة الحقيقية وان اللقاءات الحوارية التي تجري الآن سائرة في اتجاه التطبيع والإقناع ونزع الفتيل المعارض للغرب وهنا في حقيقة الأمر يضطرب أمر الحوار والذي يقوم على البحث عن أسس روحية وأخلاقية مطلقة يسعى أتباع الأديان للسير على هديها في طريق الحفاظ على كرامة الإنسان فيما أحاديث السياسة هي أحاديث الدسائس والمؤامرات والحروب إن بالنيران أو بالدبلوماسية ولعمري أن اشد ما يمكن أن يصيب الحوار الإسلامي المسيحي في مقتل هو خلط المطلق بالنسبي وخلط الديني بالدنيوي فالمعروف أن الخيرات والقيم الروحية هي منطلقات مطلقة لا تقبل القسمة بخلاف النسبي القابل للتوزيع بين غرماء وعليه إذا أردنا حوارا حقيقيا علينا أن ننزع عنه رداء السياسة وألاعيب السياسيين وان يكون حوارا لوجه الله ولخير الإنسانية جمعاء أمس واليوم والى الأبد.