موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
حياة الحياة وعيشها

رمزي الغزوي :

كان الواحد منا إذا ما تعثر في طفولته، وهو يلعب أو يتشعبط كقرد، وقبل أن ينفجر بالبكاء، ويرقص ألماً، كان الأهل يتدخلون سريعاً، ليس بإسعاف الولد، وإنما كانوا يقولون له موبخين: لقد ثقبت البلاطة. ربما كانوا يبادرون إلى هذا القول، ليصرفوا انتباه الواحد منا عن الوجع؛ فينسى سقطته الواخزة ودمه، ويبدأ بالبحث بإمعان شديد عن الشق العميق، الذي أحدثه في الأرض.

الفلاحون كانوا يتبعون طقساً مشابهاً لحيلة ثقب البلاطة مع العريس، فقبل دخوله إلى عروسه في مصمدها، ينال بعضاً من الضرب!؛ ربما ليصرفوا أفكاره عن مباهج ليلته العسلية المرتقبة، التي باتت قاب ساعة أو أدنى، خصوصا أن عرسان أيام زمان، كانوا لا يعرفون شكل عرائسهم، إلا من وصف الأمهات والأخوات.

فبعد نسف المناسف، وبعد الزفة الحامية، التي تستنفذ قوى الشباب، والفاردة الصاخبة، التي تأتي بالعروس، لا يبقى إلا أن يدخل العريس، ليصمد جوار عروسه على (اللوج)، والذي كان في أحسن حالاته طاولة خشبية، يحشر فوقها كرسيان صغيران. ثم تشتعل أمامهما الرقصات والزغاريد.

أصدقاء العريس الحميمون، الذين ما زال تعب الزفة عالقاً بهم، هؤلاء ينتظرون متصربصين هذه اللحظات، التي يدخلون فيها عريسهم. وبالطبع العريس في هذه الأثناء، يشطح بفكره نحو عروسه المتشوق لها، فيداعب الخيال رأسه، وقد تطفح نتائجها على جسده، من ارتعاش أو تعرق أو لهفة وانخطاف لون، لذا كانوا يضربون عريسهم؛ لأن الخوف كفيل بطرد كل المظاهر التي قد تنتابه.

بعض أصدقاء العريس يستغلون الفرصة ليصفوا حساباتهم القديمة معه، حسابات من عهد الطفولة، فيباغتونه بصفعة، أو ضربة عصا، أو سوطة (عقال)، أو ركلة عابرة للقارات، ولكن العريس الحاذق، في ساعة الصفر، يحاول الهرب بسرعة البرق، متخطياً الصفعات، ليصل إلى عروسه لا هم له، إلا أن يهدأ روعة، ولا مساحة في فكره، ليفكر في ليلته الدانية. ويكون قد تحقق الهدف!.

نعيش حياتنا الصاخبة، المليئة بالعثرات والدرجات المكسورة والبلاطات المثقوبة، نعيشها تطاردنا صفعات العيش، وأسواط المتاعب، وعصي الهموم، فننسى في غمرة أفكارنا وخيالاتنا وأحلامنا أن نحيا لذاذة الحياة العروس. فرق كبير بين عيش الحياة وحياتها.

(نقلا عن الدستور الاردنية)