موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١ سبتمبر / أيلول ٢٠١٦
الام تريزا من كلكوتا: رسولة المحبة والرحمة

المطران باسيليوس يلدو :

 

بعد ايام قليلة سيشهد العالم كله حدثاً كبيراً هو اعلان قداسة الام تريزا المعروفة (بأم الفقراء) وذلك يوم الاحد 4 ايلول 2016، والذي يتزامن مع يوبيل سنة الرحمة الذي اعلنه البابا فرنسيس! واعلان قداستها سيعطي لها مكانة جديدة بين محبيها وفي العالم وخصوصاً انها خدمت الجميع بدون تمييز او تفرقة، لقد كانت فعلاً رسولة لمحبة الله ومبشرة برحمته.

 

ولهذا سنركز بهذا المقال على اهم مراحل حياتها وخدمتها وعيشها كلمة الله مع الفقراء والمهمشين!

 

ولدت الأم تريزا "غونشي بوياخيو" في 27 آب 1910 في مدينة سكوبي التي تقع الآن في دولة مقدونيا، وكانت سابقا تابعة لألبانيا. والداها كانا من أصل الباني، الوالد متعهد بناء والوالدة ربة بيت. وكلاهما من الكاثوليك المؤمنين الذين يصلون ويذهبون إلى الكنيسة كل يوم تقريبا.

 

في طفولتها كان أكثر ما تأثرت به "غونشي بوياخيو"، التي ستعرف فيما بعد باسم الأم تريزا، بكرم العائلة الشديد ومساعدتها ورعايتها للفقراء في مكان إقامتها. وهذا ما طبع حياتها كلها به.

 

في الثانية عشرة أدركت ان رسالتها هي مساعدة الفقراء والمحتاجين، فقررت ان تصير راهبة، وارتحلت لهذه الغاية إلى دير راهبات "أخوية لوريتو" في دبلن بايرلندا حيث رسمت راهبة مبتدئة. وبعد عام أرسلت إلى دير تابع لتلك الرهبنة في مدينة داريلينغ بالقرب من كالكوتا في الهند.

 

وقد أمضت في ذلك الدير 17 عاما وهي تقوم بالتعلم والتعليم، ثم صارت مديرة لثانوية "القديسة مريم" في كلكوتا. في أحد الأيام من عام 1946، وهي تسافر بالقطار إلى داريلينغ، شاهدت رؤيا يبدو فيها الرب وهو يدعوها إلى "خدمته بين أفقر الفقراء". أثرت فيها تلك الرؤيا كثيرا، بل إنها غيرت وجه حياتها إلى الأبد. فما ان حل عام 1948 حتى كانت قد تلقت الإذن بمغادرة الدير والذهاب إلى أحياء كلكوتا الفقيرة لإنشاء أول مدرسة لها. وما لبثت الأخت انياس، وهي تلميذة سابقة لها في دير داريلينغ، ان التحقت بها، فصارت أولى اتباع الأم تيريزا. ثم تبعتها راهبات أخريات رغبن في خدمة الرب عن طريق رعاية الفقراء.

 

تقدمت الأم تريزا من الكنيسة الكاثوليكية بطلب لإنشاء رهبنة منفصلة تحت اسم "الإرساليات الخيرية"، فوافق قداسة البابا على ذلك في 7 تشرين الأول 1950. وقد اختارت الأم تريزا لرهبنتها ثوبا بسيطا هو عبارة عن ساري أبيض اللون ذي إطار ازرق مع شارة الصليب على الكتف الأيسر، لكي يصير بإمكان المحتاجين معرفة الراهبات.

 

وكانت مهمة الرهبنة، كما حددتها الأم تريزا لدى تلقيها جائزة نوبل: "العناية بالجائعين والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين. كل هؤلاء البشر الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم أو محرومون من العناية والمحبة. أولئك الذين يعتبرهم أفراد المجتمع عبئا عليهم".

 

تعاونت الأم تريزا مع السلطات الرسمية في كلكوتا فحولت جزءا من معبد كالي (إلهة الموت والدمار عند الهندوس) إلى منزل لرعاية المصابين بأمراض غير قابلة للشفاء والعناية بهم في أيامهم الأخيرة لكي يموتوا بكرامة، ويحسوا بالعطف والقبول بدل البغض والرفض من مجتمعهم. وتوالت بعد ذلك المؤسسات التي أنشأتها الأم تريزا.

فأقامت "القلب النقي" (منزل للمرضى المزمنين أيضا)، و"مدينة السلام" (مجموعة من المنازل الصغيرة لإيواء المنبوذين من المصابين بأمراض معدية). ثم أنشأت أول مأوى للأيتام.

 

وبازدياد المنتسبات إلى رهبنة "الإرسالية الخيرية"، راحت الأم تريزا تنشئ مئات البيوت المماثلة في طول الهند وعرضها لرعاية الفقراء ومسح جروحاتهم وتخفيف آلامهم، والأهم من كل ذلك لجعلهم يشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون كبشر. كان عام 1965 نقطة تحول كبرى في مسيرة الرهبنة. فقد منحها البابا بولس السادس الإذن بالتوسع والعمل في كافة أنحاء العالم، لا الهند وحسب.

 

وهكذا راح عدد المنتسبات إليها يزداد وفروعها تشمل معظم دول العالم الفقيرة أو التي تشهد حروبا ونزاعات. من أثيوبيا المهددة بالجوع الى جنوب أفريقيا، إلى ألبانيا مسقط رأسها بعد سقوط الشيوعية، كانت "القديسة الحية" حاضرة للمساعدة والرعاية وإظهار المحبة. ومن أعمالها المشهودة أنها استطاعت خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ان توقف إطلاق النار لمدة معينة إلى ان تمكن رجال الدفاع المدني من إنقاذ 37 طفلا مريضا كانوا محاصرين في إحدى المستشفيات.

 

 لقد حظيت الأم تريزا بإعجاب العالم ونالت العديد من الجوائز تقديرا لخدماتها الجليلة. وقد عرفت كيف تستغل سمعتها العالمية بذكاء من أجل جمع المال والمساعدات لخدمة القضية الإنسانية النبيلة التي جعلتها هدفا لها. عام 1962 منحتها الحكومة الهندية جائزة "باندما شري" لـ "خدماتها الإنسانية المميزة".

 

 وفي سنة 1971 كرمها البابا بولس السادس، إذ جعلها أول شخص يفوز بجائزة البابا يوحنا الثالث والعشرين للسلام. عام 1972 منحتها الحكومة الهندية ميدالية جواهر لال نهرو لأعمالها العالمية المميزة. وفي عام 1979 جائزة نوبل للسلام. وفي عام 1985 منحها الرئيس الامريكي رونالد ريغان "ميدالية الحرية"، أرفع وسام مدني أميركي يمكن ان يحصل عليه إنسان. وفي عام 1996 أصبحت الأم تريزا الشخص الرابع في العالم الذي يمنح الجنسية الأميركية الفخرية.

 

من مآثرها أنها لدى تسلمها جائزة نوبل للسلام التي تبلغ مئات الآلاف من الدولارات، ارتدت الساري إياه الذي ترتديه في حياتها العاديةـ والذي يبلغ ثمنه دولارا واحدا. كما أنها طلبت إلغاء العشاء التقليدي الذي تقيمه لجنة جائزة نوبل للفائزين، وطلبت ان تعطى المبلغ لتنفقه على إطعام 400 طفل هندي فقير طوال عام كامل.

 

لقد توسعت الإرسالية الخيرية التي أنشأتها الأم تريزا، وباتت تضم 570 مركزا لخدمة المرضى والفقراء حول العالم، تتولاها أساسا 4500 راهبة، إلى جانب أخوية تتألف من 300 عضو، إضافة إلى ما يزيد عن مئة ألف متطوع يعملون كلهم في مراكز تتولى العناية بمرضى الإيدز والبرص وسواها من الأمراض المعدية وغير القابلة للشفاء. إضافة إلى إطعام مئات الآلاف من الجائعين والعاجزين، ومراكز للرعاية الاجتماعية والايتام.

 

ولكن صحة الأم تريزا بدأت تتدهور منذ عام 1985. ويعود ذلك في جزء منه إلى عمرها، وفي جزء آخر إلى الأوضاع الصحية للمرضى الذين عملت معهم، والى إنفاقها معظم وقتها في رحلات حول العالم لجمع الأموال والمساعدات من أجل الفقراء، دون ان تصرف وقتا كافيا للعناية بصحتها. أول تلك الوعكات كانت إصابتها بذبحة قلبية عام 1985 في روما. وأخرى عام 1989 كانت أخطر وكادت تودي بحياتها، مما اضطرها إلى ان تخضع لعملية جراحية جرى خلالها زرع منظم للنبض.

 

وفي عام 1991 كانت في المكسيك وأصيبت بمرض ذات الرئة فأثر ذلك على عمل القلب. وفي عام 1996 عانت من مرض الملاريا والتهاب الصدر وخضعت لعملية في القلب.

 

وفي آذار من عام 1997 انتخبت الأخت "نيرمالا" خليفة للأم تريزا. وفي الخامس من شهر أيلول عام 1997 توفيت الام تريزا منهية بذلك كفاحها من أجل حياة إنسانية أفضل.

 

وفي 19 اكتوبر من عام 2003 تم اعلان تطويب الام تريزا من قبل قداسة البابا يوحنا بولس الثاني (الذي كان يكن لها كل الاحترام والتقدير) وذلك على اثر اعجوبة شفاء امرأة هندية من ورم خبيث في عام 1998.

 

سيكون يوم الاحد القادم 4 ايلول 2016 حدث تاريخي للأجيال القادمة يتحدث فيه الناس عن القديسة التي عاشت حياتها بصمت، مسبحة الله بأعمالها التي كانت اكثر من اقوالها، وخادمة امينة ومخلصة لكلمة الله. انها القديسة تريزا، رسولة المحبة والرحمة.