موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر السبت، ٤ ابريل / نيسان ٢٠١٥
أحد القيامة المجيدة

الأب منويل بدر - ألمانيا :

المسيح قام! حقّا قام! (يو 20: 1-9)

تبدأ احتفالات عيد الفصح بإشعال نارٍ جديدة ليُؤخَذْ منها نورٌ جديد تُضاءُ منه الشّمعة الفصحيّة الجديدة برقم السنة الجارية. عليها، يحملها الكاهن إلى الكنيسة المُعْتِمة، الّتي هي رمْزٌ لعالمنا المُظلِم، فيُبَدِّدُ عتْمَها بنور الشّمعة الفِصْحِيّة الجديدة. بدخول الكاهن حامِلاً الشَّمعة الفِصحيّة المُضاءَة يتبدّدُ الظّلام وينتشِرُ ضوء المسيح فينا وبيننا. بهذا المشهد المُفْرِح تبدأ احتفالات عيد الفصح. وهذا رمز للقيامة. فالمسيح ليس مُمَدّداً بعد في القبر المُظْلِم، ولكنّه هو النّور الّذي سيبدِّدُ ظلام الموت".

أيقونة القيامة في الكنيسة الشّرقِيَّة، تُرينا يسوع، قبل أن يقوم ظافِراً مُلتَحِفاً بالنّور، يمرُّ في طريقه إلى جهنّم (كما هو إيمان الكنيسة القديمة) ليحرِّر كلّ البشر المسجونين هناك. وتُظْهِره هذه الإيقونة يُحطِّم باب الدُّخول إليها، ويمسِك بيد آدم وحوّاء، رمزِ كلِّ الهالكين، ويقيمُهم معه من الموت والجحيم. هذا هو تأكيد أحد الشّعانين، أن يسوع هذا "هو الرّبُّ العزيزُ الجبّار". يا موت أين هو انتصارُك؟ هذا وفي كلِّ احتفال ديني تُرتِّل الكنيسة الشرقية من أحد القيامة وإلى أحد العنصرة نشيد الظّفر: "المسيح قام من بين الأموات ووطِئ الموت بالموت. ووهب الحياة للّذين في القبور". هناك كثيرون في رعايانا لا يمارسون واجبهم الأسبوعي بزيارة القداس الإلهي إلاّ نادراً. لكن هؤلاء هم الّذين يُصرُّون على حضور قدّاس ليلة عيد الميلاد، واليوم قدّاس ليلة سبت النّور ويشتركون بالصّلوات والتّرانيم المُلائِمة.

فرحة عيد الميلاد تبدأ بقرْع الأجراس وكشف الغِطاء عن وجه الطّفل ونقله من الهيكل إلى المغارة الرّمزيّة المُعدّة له. بينما عيد الفصح اليوم فيبدأ بخبر قيامة يسوع هذا من ظلام القبر إلى الحياة الجديدة: المسيح قام! حقّاً قام! هلِّليلويا!. في أفريقيا ما أن يسمع النّاس هذا الخبر المُفُرح حتّى ينهضون من مقاعدهم ويبدأؤون بالتّصفيق والتّهليل الّذي لا حدود له مع التّطواف حول الهيكل وحول الشّمعة الفصحيّة.

لقد كانت النِّساء أوّل الشُّهود على هذا الحدث العظيم، وبأمرٍ من الملاك، أصْبحن أول المبشّرين بهذه الحقيقة: "إنِّي أعلم أنّكما تطلبان يسوع المصلوب. لماذا تطْلُبن الحيَّ بين الأموات؟ ليس هو ههنا لكنَّه قام كما قال. إذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنَّه قد قام من الأموات" (متّى 28: 5-7).

ما أجمل المفاجآت في الحياة، فهي تجلب فرحاً أكبر مِمّا ننتظِر ونتوقّع. فها النّسوة، بعد الحزن العميق الّذي أصابهُنَّ بعد صلب يسوع وموته ودفنه، إذا بخبر قيامته يفوق كلّ تَصوُّر معقول ويخلِقُ فيهنَّ موجة فرحٍ لا تَعرِف الحدود، وكأنّها نبع غزير نزف من القبر الفارغ وامتدَّ منهّنَّ إلى جميع أقاصي الأرض ووصل إلينا هنا. لذا نُنادي ونقول: هيّا افرحوا فاليوم عيد! المسيح قام! حقّاً قام! "لتفرح الكنيسة أمنا"، هذه الكلمات نطق بها القديس يوحنا الثالث والعشرين لدى افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني في عام 1962 ونقولها اليوم: لتفرح الكنيسة أمُّنا!.

ماذا حدث حتّى نسمع الكنيسة اليوم في مُقدَّمة القدّاس تُقول: "لذلك عمّت الأفراح الفِصْحِيَّة في كلِّ المسكونة" وبذلك تحثُّ كلَّ المسيحيّين في العالم إلى نبذ الحزن والتّحلّي بالفرح أمام رئيس السِّيادات وتُرنِّم له بلا انقطاع بكلمة هللويا!.

هناك خبرٌ بسيط في مكان صغير، يُحدِث رُعباً كبيراً. وهناك أيضا خبر سارٌ، يَحْدُث في مكان بعيد، فرحاً عارِماً لا يعرف الوقوف كالنّار إذا ما هبّت في الهشيم. وهذا هو خبر القيامة. فحيث اجتمع مسيحيُّون في كنيسة في أيِّ منطقة كانت، حتّى وإن كانت دائرة فيها حربٌ ضارية، ودويُّ القنابل عالٍ، نسمعهم يقولون لبعضهم: المسيح قام! حقّا قام! وفي الوقت ذاته إذا اجتمع مسيحيُّون في كنيسة في منطقة أكثر مسيحيّوها مُضطَهَدون لكنّهم يُصافِحون بعضّهم قائلين: المسيح قام! حقّا قام! وإذا حدث هذا في كلِّ كنيسة في أسيا وأفريقيا وأوروبا وأُستراليا والأمريكيّتين، فكلُّهم أيضاً يقولون لبعضهم: المسيح قام! حقّا قام! فهذا يعني أنّ هناك شيئاً مُقنِعاً يربِطُهم ببعضهم، وهو الإيمان بحقيقة قيامة يسوع من الموت. فهذا الفرح العالمي العامّ والإحتفال به بشكلٍ جماعيٍّ، يدلُّ على أنّه عيدٌ يهمُّ الجميع للشيء الجديد الّذي أهداه الّله للعالم علناً، وهو التّأكيد للجميع بأنَّ المسيح قام وما حدث له سيحدث لنا جميعاً (يُستُحسِّنُ قراءة 1كور. كل الفصل 15. كلّ أسرار الموت والقيامة، كلُّ ما نحتاج معرفته عن موت المسيح وقيامته، الّلتين هما أساس إيمانِنا ومفعولهما لحياتنا هو مذكور في آيات هذا الفصل).

نعم عيد القيامة اليوم هو أساس كلِّ الأعياد الكنسيّة. إذْ إنْ كان المسيح لم يقم من الأموات فكرازتنا باطلة والإيمان باطل (1 كور 14:15). ولن يكون من فرق بين هذه الدّيانة وباقي الدّيانات، وانشغال الكثيرين بالكرازة بها لتعريفها ونشرها "فنكون شهود زورٍ للــه" (1 كور 15:15). لكنَّ المسيح قام! ولأنّه قام من الموت فسيقيمنا نحن أيضا معه. فهذا هو سبب فرحنا. هيّا افرحوا فاليوم عيد! إنّ رسالة بولس هذه هي أقدم مخطوطة في العهد الجديد، تؤكِّد لنا إيمان الجماعة الأولى بالقيامة، حيث يقول "إنّي تسلّمتُ من الرَّبِّ ما قد سلَّمتُه إليكم: إنَّ المسيح مات من أجل خطايانا. وأنّه دُفِن وأنَّه قام في اليوم الثّالث" (1 كور 3-4).

إنّ خبرَ قيامتِه، وخاصّة ظهوراته المُتكرِّرة بعد قيامته، قد أحدث تغييراً شامِلاً في أتباعِه، وأعطاهم الحماس والشّجاعة أن يَهُبُّوا ويُدافِعوا عن رسالتِه ويشهدون لها أمام المحافل: "ودعوا الرُّسل وجلدوهُم وأوصوهُم أنْ لا يتكلّموا باسم يسوع... أمّا هم فذهبوا فرِحين من أمام المجمع لأنَّهم حُسِبوا مستأهلِين أن يُهانوا من أجل اسمه. وكانوا لا يزالون كلَّ يومٍ في الهيكل وفي البيوت مُعلِّمين ومُبشِّرين بيسوع المسيح" (أعمال 5: 40-43)... فسألَهم رئيسُ الكهنة قائلا: ما أوصيناكم وصِيَّةً أنْ لا تُعلِّموا بهذا الإسم. وها أنتم قد ملأْتُم أورشليم بتعليمكم وتُريدون أنْ تجلبوا علينا دَمَ هذا الإنسان؟ فأجاب بطرس والرُّسل وقالوا: ينبغي أنْ يُطاعَ الّله أكثر من النّاس" (أعمال 5: 37-38).

إنَّ هذا الحدثَ لا يُمكِن إثباتُه لا بوسائل حديثة مُنتشِرة اليوم في كلِّ الأوساط، بفيلم أو بصورة، لأنَّ هذه الأجهزة كانت معدومةً في ذلك الزّمان، ولا بالعقل المحض إذ فَهْمُه هو فوق الإمكان. عيد الفصح هو عيد الإيمان. وهو عيد يقول لنا. إن كان المسيح حقّا قام من الأموات فهذه ستكون أيضا آخر حياتنا، أي القيامة والسُّكنى معه في ملكوته. "يا أبتي! حيث أنا، أريد أن يكون هؤلاء الّذين أعطيتني". المسيح قام! حقّاً قام! هللويا!.