موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر السبت، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
’السلام واللاعنف‘ في ضوء رسالة اليوم العالمي الخمسين للسلام 2017

رام الله - الأ‌ب د. لويس حزبون :

 

تحتل قضية السلام مكان الصدارة في عالم اليوم، إذ نعيش اليوم في عالم مُفتَّت، في حرب عالمية رهيبة مُجزّأة: حروب في بلدان مثل سوريا والعراق ومصر واليمن وفلسطين والحروب الاهلية في افريقيا وقارات مختلفة؛ إرهاب وإجرام واعتداءات مسلّحة غير متوقّعة؛ انتهاكات يتعرّض لها المهاجرون وضحايا الإتجار وإفساد البيئة. وكلُّنا أصبحنا، في هذه الأيام، ضحايا شعور متزايد بعدم الأمن والثقة، وجميعنا يرغب بالسلام العادل والكرامة. وقد أصدر البابا فرنسيس رسالة اليوم العالمي الخمسين للسلام تحت عنوان "اللاعنف: نمط سياسة من أجل السلام". ومن هذه الرسالة يمكننا أن نطرح سؤالين: ما هو مفهوم "السلام والعنف واللاعنف"، وكيف يمكن أن نحقق السلام من خلال اللاعنف؟

 

أولا: ما هو مفهوم السلام والعنف واللاعنف؟

 

نجد في رسالة اليوم العالمي الخمسين للسلام بعض التلميحات إلى مصطلحات السلام والعنف واللاعنف، ومن الضروري أن نوضحها.

 

1) مفهوم السلام

 

عرّف البابا فرنسيس السلام "أنه القبول، الاستعداد للحوار، تخطي الانغلاق، السلام يعني التعاون، التبادل الملموس مع الآخر، الذي يشكل عطية وليس مشكلة، أخ نحاول معه بناء عالم أفضل. السلام يعني التربية: دعوة لاكتساب ثقافة اللقاء" (رسالة السلام العالمي 2016).

 

أما البابا القديس يوحنا الثالث والعشرون فعرّف معنى السلام "انه نظام بين الحقوق والواجبات المؤسَّس على الحقيقة والعدالة والحريّة والمحبّة" (رسالة اليوم العالمي الأول للسلام، 1968)، ويؤكد ذلك العلامة أوغسطينوس بتعريف السلام "انه "طمأنينة النظام "(مدنية الله 19: 3)". وعليه "فإن احترام الحياة البشرية ونموها يقتضيان السلام. والسلام ليس غياب الحرب فقط، ولا الوقوف عند حدود توازن القوى المتخاصمة. ولا يمكن الحصول على السلام، على الارض، دون الحفاظ على أموال الاشخاص، والتواصل الحر بين الكائنات البشرية، واحترام كرامة الأشخاص والشعوب، والممارسة المثابرة للأخوة. السلام هو عمل العدالة "ويَكونُ عَمَلُ البِرِّ سَلاماً وفِعلُ البِرِّ راحةً وطُمَأنينَةً لِلأَبَد" (أشعيا 32: 17)، ونتيجة المحبة" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2304).

 

وبناء على ذلك، تعلن الكنيسة "إن من يتخلّون عن الفعل العنيف والدموي، ويلجأون، في سبيل الحفاظ على حقوق الإنسان، إلى وسائل دفاعية في متناول أضعف الناس، يشهدون للمحبة الإنجيلية شريطة أن يتمَّ ذلك دون إيذاء ما للناس الأخرين وللمجتمعات من حقوق وما عليهم من واجبات. أنهم يؤكدون بوجه شرعي خطورة المجازفات الطبيعية والمعنوية الملازمة للجوء إلى العنف، مع ما يتأتى عنه من دمار وموت" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2306).

 

وعليه فإن العنف والسلام هما على طرفي نقيض. إنه من غير المنطقي أساساً أن يُستخدم العنف لتحقيق مجتمع مسالم. وعليه فإن العنف لا يمكن ان يكون سبيلا للسلام والنظام، ويعلق مارتن لوثر كينغ بقوله " لا يمكن طرد الظلام بالظلام، ولا يمكن طرد الكراهية بالكراهية، الحب فقط يمكن ان يفعل ذلك". اما الذي يزرع الكراهية يحصد العنف.

 

وبالرغم من ان امل الانسان يكمن في "ان يقيم نظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يخدم الانسان ويسمح لكل جماعة ولكل فرد ان يثبت كرامته ويوطدها (الكنيسة وعلم اليوم 1)، لكن هناك هوة قائمة بين مشروع الله للسلام وتطبيقه من قبل الانسان كما يشير الكتاب المقدس "أَعلَمُ أَنَّ أَفْكارِيَ الَّتي أُفَكِّرُها في شَأنِكم، يَقولُ الرَّبّ، هي أَفْكارُ سَلامٍ لا بَلْوى، لِأَمنَحَكم بَقاءً ورَجاءً" (ارميا 29: 11)، غير ان البشر غالبا "سَبيلَ السَّلام لا يَعرِفون" (رومة 3: 17). فالإنسان عاجز عن السلام ومائل الى الشر والعنف كما يصرّح بولس الرسول "لأَنَّ الخَيرَ الَّذي أُريدُه لا أَفعَلُه، والشَّرَّ الَّذي لا أُريدُه إِيَّاه أَفعَل (رومة 7: 19). ومن هنا ضرورة البحث ايضا في مفهوم العنف واللاعنف.

 

2) مفهوم العنف

 

ان عالمنا المعاصر ينقسم بين أنصار العنف وأنصار اللاعُنف. فالعنف هو اللجوء إلى القوة التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر او جماعة او شعب بصورة متعمدة. ويتخذ العنف صورًا مختلفة بداية من مجرد الضرب وتدمير الممتلكات وتخريب معالم العمران وانتهاءً بالحرب والابادة الجماعية التي يموت فيها ملايين الأفراد. وفي الواقع يظهر العنف من خلال نتيجته الكبرى، وهي تدمير الحياة الطبيعية او الاجتماعية؛ وفي هذه الحالة يرتبط العنف بالاستغلال والظلم والتخريب والدمار.

 

فالأنبياء نبذوا حالة العنف التي انغمس فيها الشعب فقال عاموس النبي "فإِنَّهم لم يَعرِفوا العَمَلَ باستقامة يَقولُ الرَّبّ بل يَخزُنونَ في قُصورِهمِ العُنفَ والدَّمار" (عاموس 3: 10)، واما اشعيا فيقول "لا يُسمَعُ مِن بَعدُ بِالعُنْفِ في أَرضِكِ ولا بالدَّمارِ ولا التَّحطيمِ في أَرضِكِ" (اشعيا 60: 18)؛ والله يبغض مرتكبي العنف كما جاء في سفر المزامير "الرَّبُّ يَتَفَحَّصُ البارَّ والشِّرير ومَن يُحِبُّ العُنفَ فيُبغِضُه" (مزمور 11: 5)، والرب يُدين جرائم العنف التي يصفها عاموس النبي بحسب أوضاع زمنه: ترحيل مجموعات من الشعب بأكملها وبكر بطون الحوامل، وحرق الجثث، وإطراح الشريعة جانباً وسحق الصغار (عاموس 1: 1-2: 8). ويعلق الكاتب الدكتور وليد صليبي "العنف لا يحقق غاية عادلة. ولسبب بسيط، ليس لأنه لا يمكن الانتصار على صاحب المشروع الظالم، بل لان العنف يهزم صاحب القضية المحقّة. فالعنف يحوّل المناضل من شخص مؤمن بمجموعة من القيم الإنسانية الى شخص قاسٍ تخلىّ تدريجيا عن القيم التي يسعى اليها".

 

واما مصدر العنف فهو قلب البشر "لأَنَّهُ مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ والفُحشُ وَالسَّرِقَةُ والقَتْلُ" (مرقس 7: 21). وفي الظاهر، العنف يؤجِّل ويناور ويُخفي الضعف ويُضمر الحقد ويؤسِّس للقتل ويبرمج الحرب ويقنِّن الصِدام بين الشعوب والأديان. ويعلق جان ماري ملّر "في كلِّ يوم يقدم العنف البرهان تلو البرهان عن عجزه التام في بناء التاريخ وأنَّه لا يستطيع إلا تدميره: العنف ليس الحل، بل هو المشكلة".

 

علاوة على ذلك، يعتبر العنف المنهج السائد في الحياة البشرية منذ القدم، إذ ان قوامه أن أي إنسان أو أي مجموعة أو منظمة أو طبقة اجتماعية عندما تجابه بالعنف فإنها ترد بالعنف كما جاء في الكتاب المقدس "الكَسْرُ بِالكَسْر والعَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ، كالعَيبِ الَّذي يُحدِثُه في الإِنْسان يُحدَثُ فيه" (احبار 24: 20)، "ولا تُشفِقْ عَينُكَ. النَّفْسُ بِالنَّفْس، والعَينُ بِالعَين، والسِّنُّ بِالسِّنّ، واليَدُ بِاليَد، والرِّجْلُ بِالرِّجْل" (تثنية الاشتراع 19: 21).

 

كانت "شريعة العين بالعين" تطالب بالإنصاف عند الانتقام في سبيل استعادة العدالة المهضومة. أما يسوع فيطالب بالصفح فقال "سَمِعتُم أَنَّه قيل: العَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تُقاوِموا الشِّرِّير، بَل مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن فاعرِضْ لهُ الآخَر" (متى 5: 38-39) لغاية سبع وسبعين مرة (متى 18: 22). وعندما يطالب تلميذه بأن يحول الخد الآخر، يتفوق يسوع على المثل الأعلى في العهد القديم "العين بالعين". ولا يكتفي بالتسليم السلبي بين يدي الله، المدافع عن المظلومين، بل يبدي عُنفاً أمام العنف، لأن في هذه المواجهة تكون المصالحة هدفاً. اما بالعنف فنحن نعبّر عن العدوانية، وبالعدوانية نعبّر عن الكراهية. فلا عجب ان السيد المسيح رفض مبدأ العنف "العين بالعين" الذي يعبّر عن الكراهية. ويعلق جان ماري ملر الفيلسوف الفرنسي "ان علماء النفس يقولون ان العنف لا يلازم الطبيعة البشرية بالضرورة، انما هي العدوانية التي تلازمها".

 

فالعنف ليس العلاج لعالمنا المُفتّت، والإجابة على العنف بالعنف تقود إلى هجرات قسريّة وآلام هائلة، لأنّه يتمُّ توجيه كميات كبيرة من الموارد لأهداف عسكريّة تُسلب من المتطلبات اليوميّة للشباب والعائلات والمسنّين والمرضى والأكثريّة الساحقة لسكان العالم. وفي أسوأ الحالات يُمكنها أن تقود إلى الموت الجسدي والروحي لكثيرين أو حتى للجميع. وعلاوة على ذلك انّ "العنف هو تدنيس لاسم الله ولا يمكن لاسم الله أن يبرِّر العنف أبدًا. وحده السلام مقدّس. وحده السلام مقدّس ولا الحرب". "ومن يستخدم الدين للتحريض على العنف يناقض وحيه الحقيقي والعميق، وأن أيّ شكل من أشكال العنف لا يمثل الطبيعة الحقيقية للدين حيث أنَّ اسم الله لا يُمكن إستخدامه أبدًا لتبرير العنف" (رسالة السلام العالمي 2016). ويعلق المؤرخ أرنولد جوزيف توينبي وهو من أشهر المؤرخين في القرن العشرين "أنَّ العنف طريقة مؤقتة لمواجهة المشكلات وحلِّها ولم تعد صالحة، خصوصاً مع التطور الثقافي والعسكري الذي منع الدول الكبرى من التحارب فيما بينها بسبب ترساناتها النووية التي ستؤدي إلى فناء كل الأطراف في حال تمَّ استعماله".

 

3) مفهوم اللاعنف

 

اللاعنف في تعريف الموسوعة السياسية هو "أسلوب من أساليب العمل السياسي الاجتماعي الذي يحاول أن يجعل قوة الضعيف وملجأه الأخير مرتكزاً على إثارة الضمير والأخلاق لدى الخصم، أو على الأقل لدى الجمهور الذي يحيط به، ويرمي إلى ترجيح كفة الحق والعدالة". ويعتمد هذا الأسلوب على القوة الجماعية للمواطنين لا على الثروة والأسلحة؛ فهو وسيلة من وسائل العمل السياسي والاجتماعي التي تعتمد قوة الحق والإقناع وتستبعد القوة في الوصول إلى اهدافها كما تستبعد التعدي على حقوق الآخرين، بل تقوم على أساس الاعتراف بالآخر واحترام الذات والكرامة الإنسانية والتعايش مع الآخر.

 

ويجب ألا نرى في اللاعنف استسلام وخنوع. فاللاعنف ليس الاستسلام او الخنوع. الاستسلام يعني الانقياد، ومعلوم أن الانقياد يعني الخضوع من قبل طرف لطرف آخر دون أن يكون لهذا الطرف الخاضع لأي مبادرة، أو شرط. والاستسلام على الصعيد السياسي يعني التسوية التي تقضي بالتنازل المهين أمام العدو كما لو كان انتصار العدو كاملاً بحيث فقد الطرف المنهزم إرادة القتال أو الحق في التمسك بمطالبه الحقوقية. أما الخنوع فيعني الخضوع والذل. ومن هذا المنطلق، فإن اللاعنف لا يعني الاستسلام والتملُّص والخمود، بل رفض العنف وإقصاء الأشخاص والإساءة للبيئة والرغبة بالربح مهما كلّف الأمر، ويُعلق مارتن لوثر كينغ "أنَّ اللاعنف لا يعني تجنب العنف المادي مع الآخرين فحسب، بل أيضاً العنف الروحي الداخلي. إنك لا ترفض إطلاق الرصاص على شخص آخر فقط، بل ترفض أن تكرهه أيضاً".

 

اللاعنف هو طريقة سياسية واقعية مفتوحة على الأمل". وهذا ما يؤكّده البابا فرنسيس بقوله "اللاعنف بالنسبة للمسيحيين ليس مجرّد تصرّف استراتيجي، وإنما هو أسلوب عيش للشخص وموقف من يقتنع بمحبّة الله وقوّته ولا يخاف من مواجهة الشر بواسطة أسلحة المحبة والحقيقة فقط. وتشكل محبة العدو نواة "الثورة المسيحيّة". ولذلك يُعتبر إنجيل محبّة الأعداء "أَحِبُّوا أَعداءكم" (لوقا 6: 27) "الشريعة العظمى للاعُنف المسيحي"، وهذه الشريعة لا تقوم على "الاستسلام للشر، وإنما على الإجابة على الشرّ بالخير كما جاء في تعليم بولس الرسول "لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير"(رومة 12: 21)، عندئذ ٍنستطيع ان "نكسر بهذا الشكل سلاسل الظلم" ومنطق العنف والاستغلال والأنانيّة.

 

اما تطبيق وسائل اللاعنف فكثيرة ومتنوعة واهمها: الالتزام في مجال التنمية وتحرر الشعوب والفئات، والوقوف بجانب الفقراء، والعمل على تعزيز وضع المرأة، والدفاع عن المدنيين وحماية البيئة من استغلال الأغنياء. ان مثل هذا الالتزام يجب فهمه وعيشه على انه "شكل من اشكال المحبة المسيحية في ابعادها الأساسية، لا بل وسيلة من وسائل اعلان البشرى الانجيلية" كما جاء في تعليم البابا يوحنا بولس الثاني (السنة المئة، رقم 54).

 

والجدير بالذكر ان اللاعنف لا يستثني اللجوء الى استعمال القوة والى وسائل المقاومة السلبية، والعصيان المدني، ولكنه يحجم عن استعمال الوسائل العدوانية، والكفاح العنيف والثورة المسلحة. وقد وصل تعليم الباباوات في السنوات الأخيرة الى القول انه لا يجوز ادبيا القيام بأعمال عنف بل يجب القيام بتدخل انساني، لا بل عسكري من قبل الاسرة الدولية لحماية الشعوب المقهورة التي تتعرض للإبادة ولوضع حدا للجرائم لكن ضمن الحرب العادلة التي تخضع لشروط قاسية وصلبة ضمن حدود الشرعية الأخلاقية وهي:

 

- على كل مواطن، وكل حاكم، أن يسعى لتجنب الحرب. ولكن "ما دام خطر الحرب قائما، وما دام العالم خاليا من سلطة دولية ذات صلاحيات وذات قوات كافية، فلا يمكن أنكار ما للحكومات من حق مشروع في الدفاع، بعد استنفاد جميع امكانات الحل السلمي" (الكنيسة وعالم اليوم "فرح ورجاء"، 97: 4)

 

- الشرعية الاخلاقية للدفاع المشروع بالقوة العسكرية تقتضي الشروط التالية مجتمعة في أن واحد وهي

 

- ان يكون الاذى الذي الحقه المعتدي بالأمة أو بجماعة الأمم ثابتا وخطيرا وأكيدا.

 

- أن يتبيّن ان جميع الوسائل الأخرى لوضع حد له مستحيلة أو غير نافعة.

 

- ان تتوفر شروطٌ جِدية للنجاح.

 

- ان لا يؤدي استعمال السلاح الى شرور واضطرابات أخطر من الشر الذي يجب دفعه. وما لوسائل الدمار الحديثة من قوة له وزن ثقيل جدا في تقدير هذا الشرط.  هذه هي عناصر التقليدية التي تعددها العقيدة المسماة عقيدة "الحرب العادلة". وتقدير الشروط الشرعية الأخلاقية هذه يعود إلى حكم من يضطلعون بأعباء الخير العام وفطنتهم (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2309).

 

وعليه نستنتج ان اللاعنف هو الالتزام في سبيل الخير العام والعمل من أجل احترام الكرامة الإنسانية وتقييد استعمال القوة بحبائل الحق والخير والجمال. فالوسائل العادلة في الغالب هي التي تحقق نتائج عادلة، ويعلق غاندي بقوله "الوسائل للنتائج، كالبذرة للشجرة". وكانت القديسة الأم تريزا الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1969 نموذجا للمقاومة باللاعنف في سبيل السلام، وذلك من خلال "قبول الحياة البشريّة والدفاع عنها، ولمس وتضميد كل جسد جريح وشفاء كل حياة محطّمة. فقد أعلنت امام الجميع "لسنا بحاجة في عائلتنا لقنابل ولأسلحة، ولا لندمّر بل لنحمل السلام، وإنما فقط لأن نبقى معًا ونحبَّ بعضنا البعض وعندئذ نتمكّن من تخطي جميع الشرّ الموجود في العالم". ويدعونا أيضا مثال القديسة تريزيا الطفل يسوع لممارسة درب المحبّة الصغير كي لا نُضيِّع فرصة كلمة لطيفة، أو ابتسامة، أو أي تصرّف صغير يزرع السلام والصداقة". فعلينا بذل جميع الجهود لمناقشة وبناء سبل السلام.


 

ثانيا: كيف يمكن ان نحقق السلام من خلال اللاعنف؟

 

بعد البحث في مفاهيم السلام والعنف واللاعنف تشير رسالة اليوم العالمي للسلام الى كيفية تطبيق المقولة "اللاعنف: نمط سياسة من أجل السلام". وتبحث الرسالة في نقطتين: استخدام تعليم السيد المسيح حول أسلوب اللاعنف، وكيفية تطبيق اللاعنف على الصعيد الشخصي والاجتماعي والدولي.

 

1) تعليم السيد المسيح حول أسلوب اللاعنف

 

يعلمنا السيد المسيح أن نتخذ أسلوب اللاعنف لحياتنا، كأسلوب لسياسة السلام. إن المسيح الذي تصوّره اليهود أولاً على أنه ملك محارب يكسر الرؤوس الثائرة "السَّيِّدُ عن يَمينكَ يُحَطِّمُ المُلوكَ يَومَ غَضَبِه" (مزمور 110: 5)، إنما أتي في هيئة ملك متواضع ومسالم راكباً على جحش "هُوَذا مَلِكُكَ آتِياً إِلَيكِ بارّاً مُخَلِّصاً وَضيعاً راكِباً على حمارٍ وعلى جَحشٍ آبنِ أتان (زكريا 9: 9). ورفض يسوع ان يكون سياسيا ثائرا كما يشهد على ذلك رسوله يوحنا الإنجيلي "عَلِمَ يسوعُ أَنَّهم يَهُمُّونَ بِاختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكاً، فانصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبَل" (يوحنا 6: 15). إنه لا يريد السيطرة على البشر عن طريق القوة (متى 4: 8-10).

 

وعليه فإنّ رسالة المسيح واضحة في هذا الاتجاه: لقد بشّر بلا كلل بالمحبّة غير المشروطة لله الذي يقبل ويسامح، وعلّم تلاميذه محبة الأعداء "أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم" (متى 5: 44)، وعدم مقاومة الشرير "أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تُقاوِموا الشِّرِّير، بَل مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن فاعرِضْ لهُ الآخَر" (متى 5: 39). ومنع السيد المسيح الذين كانوا يتّهمون الزانية من رجمها "مَن كانَ مِنكُم بلا خَطيئة، فلْيَكُنْ أَوَّلَ مَن يَرميها بِحَجَر!" (يوحنا 8: 7)؛ فالفصل بين الفعل وبين الفاعل يترك الباب مُشرَّعاً أمام الفاعل ليُغيِّر سلوكه ويتراجع عن أفعاله أو قناعاته. وفي الليلة قبل موته، قال يسوع لبطرس أن يُغمِد سيفه “إِغمِدْ سيفَك، فكُلُّ مَن يَأخُذُ بِالسَّيف بِالسَّيفِ يَهلِك" (متى 26: 52)؛ ولم  يستسيغ يسوع القتال الذي شرع فيه رسله ليدافعوا عنه بالقوة بل ذهب إلى حدّ شفاء خصمه (لوقا 22: 49). وقد سلم " ذاته بثقة لله، وانتصر على العنف محتملاً إياه بإرادته واختياره، إنه لا يقاوم الشرير (اشعيا 50: 5-6)، ولا يرتكب خديعة أو عنفاً (53: 9)، وبتحمله العنف ينتصر عليه كما جاء في تعليم بولس الرسول " تأَلَّمَ ولم يُهَدِّدْ أَحَدًا، بل أَسلَمَ أَمْرَه إِلى مَن يَحكُمُ بِالعَدْل" (1 بطرس 2: 24).

 

ولقد رسم يسوع درب اللاعنف الذي سلكه حتى النهاية، حتى الصليب، ومن خلال هذا الدرب حقق السلام ودمّر العداوة كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة " (أفسس 2: 14). السلام الأرضي هو صورة وثمرة لسلام المسيح، "رئيس السلام" (اشعيا 9:5).  فهو بدم صليبه "قتل العداوة في جسده" (أفسس 2: 16) وصالح الناس مع الله، وجعل من كنيسته سر وحدة الجنس البشري وأتحاده بالله.

 

وبناء على ذلك، يقدّم يسوع لنا "دليلاً" لاستراتيجية اللاعنف في بناء السلام ويلخِّصه في التطويبات الثمانية في عظة الجبل (متى 5: 3-10): طوبى للودعاء وللرحماء وصانعي السلام وأنقياء القلوب والجائعين والعطاش إلى البرّ. ان رسالة يسوع هي أساسا رسالة سلام "طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون"(متى 5: 9). فانه يدعو تلاميذه الى إلقاء تحية السلام على كل بيت يدخلونه وعلى كل اسرة يزورونها "وأَيَّ بَيتٍ دَخَلتُم، فقولوا أَوَّلاً: السَّلامُ على هذا البَيت" (لوقا 10: 5).

 

فعلى تلاميذ المسيح ان يبقوا أمناء على وصايا يسوع ولا سيما الوصية الخامسة التي تمنع التدمير المُتعمد للحياة البشرية كما جاء في الوصايا العشر "لا تقتل" (الخروج 20: 13)، وان يبقوا امناء على وصية المحبة الشاملة، حتى تجاه الاعداء "أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم" (متى 5: 44). فلا يُمكن لأتباع المسيح ان يؤيِّدوا العنف بحد ذاته.

 

وعليه نستنتج انه كي نكون تلاميذ حقيقيين ليسوع اليوم علينا "أن نتّبع أيضًا اقتراحه في أسلوب اللاعنف باستخدام أسلحة الحقيقة والعدالة" من ناحية، والحدِّ من استعمال القوّة من خلال القواعد الأخلاقية وإعداد تشريع على جميع المستويات من ناحية أخرى. وهذا الأسلوب واقعي كما أكّد ذلك البابا بندكتس السادس عشر "لأنه يأخذ بعين الاعتبار أن في العالم الكثير من العنف والظلم، وبالتالي لا يمكننا تخطِّي هذا الوضع إلاَّ من خلال مقابلته بمحبّة أكبر وصلاح أكبر. هذا الـ"أكبر" يأتي من الله".

 

2) تطبيق أسلوب اللاعنف

 

يعتمد سلوب الأعنف "على أولويّة القانون. فإن كانت حقوق الإنسان وكرامة الجميع بدون تمييز محفوظة، يمكن لهذا الأسلوب أن يصبح طريقاً حقيقياً لأجل تخطّي النزاع المسلّح. من هنا وجوب الاعتراف بقوّة القانون بدلاً من قانون القوّة". بالإضافة إلى ذلك، تتضمّن سياسة اللاعنف "احترام هوية الشعوب وتخطّي فكرة التعالي، كما وتسدّ آفة تجارة الأسلحة، التي تولّد العديد من النزاعات في العالم. ومن هنا يطلب البابا فرنسيس في رسالته  ان نتعامل بهذا الأسلوب مع الآخرين في العلاقات الشخصيّة والاجتماعيّة والدوليّة:

 

أ) على الصعيد الشخصي

 

أمام الفساد وسيطرة المال والعنف الطائفي والخوف يرفض بعضنا البعض الآخر، أو يكره، ويعيش ويفكّر كما لو كان وحده في الوجود، ولا مكان في حياته للآخر. في حين انّ البابا فرنسيس يطلب منا ان نطبّق أسلوب اللاعنف وأن نعترف ببعضنا البعض كعطايا مقدّسة لها كرامة كبيرة ونحترم هذه "الكرامة العميقة" لاسيما في أوضاع النزاع كما جاء في الإرشاد الرسولي ("فرح الإنجيل"، عدد 228). ويناشد البابا فرنسيس ان "نجرّد أنفسنا من كل عنف، من كل تعصب ومن كل ادعاء، ونترك جانبا المصالح الخاصة، وننظر إلى الآخر نظرة أخ، كي نكون أحرارًا بحرية أبناء الله الكاملة.

 

كما اتخذ المسيح أسلوب الأعنف علينا ان نسير على خطاه.  فالمسيح لم يحكم على عمل العنف من لطم، وأخذ الثوب، وتسخير في الأمثال الثلاثة "مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن فاعرِضْ لهُ الآخَر. ومَن أَرادَ أَن يُحاكِمَكَ لِيَأخُذَ قَميصَكَ، فاترُكْ لَه رِداءَكَ أَيضًا. ومَن سَخَّرَكَ أَن تَسيرَ معه ميلاً واحِداً. فسِرْ معَه ميلَيْن" (متى 5: 39-41)، بل أتّخذ يسوع موقف اللاعنف والحب والتضحية وعدم مقاومة الشرير، إذ هي الوسيلة الوحيدة للتوصل الى الصلح بين الظالم وضحيته كما حدث بين داود وشاول الملك (1 صموئيل 26: 1-25). ويعلن يسوع ايضا أنه يجب أن نتعلم كيف نكون ضحية أمام فاعل العنف. لقد كان يسوع أول ضحية أمام العن فانتصر.

 

ب) على الصعيد الاجتماعي

 

اللاعنف الاجتماعي يشمل جميع العلاقات التي تربط الإنسان بغيره من أبناء مجتمعه في العائلة والجماعات والمجتمع. ويتخذ أسلوب اللاعنف الاجتماعي قراراتنا وعلاقاتنا وأعمالنا في جميع أشكالها بداية من الصعيد المحلّي واليومي ووصولاً إلى النظام العالمي. و"تشكل العائلة البوتقة التي لا غنى عنها والتي من خلالها يتعلّم الزوجان، الأهل والأبناء، الإخوة والأخوات، أن يتواصلوا ويعتنوا ببعضهم البعض بشكل مجاني، وحيث ينبغي تخطي التوترات أو حتى النزاعات لا بواسطة القوة وإنما بواسطة الحوار والاحترام والبحث عن خير الآخر والرحمة والمغفرة إذ أنَّ فرح الحب ينتشر من داخل العائلة إلى العالم ويشعُّ في المجتمع بأسره"(الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "فرح الحب"، أعداد 90-130). ويُعلق البابا فرنسيس بقوله "أطلب أن يتوقف العنف المنزلي والانتهاكات ضد النساء والأطفال. لقد شكّل يوبيل الرحمة الذي اختُتم في تشرين الثاني الماضي، دعوة لأن ننظر في أعماق قلوبنا ونسمح بدخول رحمة الله إليها".

 

وعلى مُستوى المجتمع تحوّلت "عقدة العدو إلى أيديولوجيا، فولَّدت نمط حياة عدائية، مواجهة مع الآخرين، ومن غير أمل في المستقبل. أبواب البيوت مغلقة، والحدود مغلقة. وكلّنا نشعر أنّنا مُبعَدون، ومحاصَرون ومعزولون. وعليه فإن أسلوب اللاعنف يتطلب منا أن نبدّل أيديولوجيا العداء أو عقدة العدوّ، بمنطق الأخُوّة. الله سبحانه وضع ثقته بالإنسان. الله سبحانه لم يأنف ولم يحتقر الإنسان: نحن أيضًا يمكننا أن نتعلّم من الله الثقة الجريئة التي تفتح باب الحوار واللقاء مع الغير للوصول الى سلام ووفاق وعدل وكرامة.

 

وأما على مستوى الوطن فيتطلب منا اسلوب اللاعنف ان نبدّل التنافس على الوطن ومقدراته بواسطة تحفيز المواطن الآخر المختلف للتفاعل والانفتاح على آفاق انسانية والتنوع الديني والثقافي وقبول الآخر المختلف عقائديا وثقافيا والاحترام المتبادل. ولكل مواطن دور ومسؤولية للعمل على تحقيق هذا الأسلوب للوصول الى سلام ووئام.

 

ج) على الصعيد الدولي

 

ينحصر اللاعنف السياسي نطاقه في ميدان علاقة الإنسان بالدولة. ويتطلب أسلوب اللاعنف السياسي المفاوضات المبنيّة على القانون والعدالة والمساواة، من ناحية؛ ومن ناحية أخرى يتطلب أسلوب اللاعنف السياسي نبذ الاعتقاد أن الخلافات الدوليّة لا يمكن حلها من خلال العقل، وإنما فقط من خلال قوى الردع القويّة. ويعلق البابا بولس السادس "أن السلام هو الخط الوحيد والحقيقي للترقّي البشري وليس الثورات القوميّة الطموحة ولا المعارك العنيفة ولا القمع. فالعنف يولِّد نظامًا مدنيًّا زائفًا. ولا يمكن لأخلاقيات الأخوَّة والتعايش السلمي بين الأشخاص والشعوب أن يقوما على منطق الخوف والعنف والانغلاق، وإنما على المسؤوليّة والاحترام والحوار الصادق. بهذا المعنى وجّه البابا فرنسيس نداء لصالح نزع الأسلحة ولمنع وإلغاء الأسلحة النوويّة. وعليه فان برنامج التطويبات الانجيلية هو تحدٍّ للقادة السياسيين والدينيين ومسؤولي المؤسسات الدوليّة ومدراء الشركات ووسائل الإعلام في العالم كلّه.

 

اما نتائج أسلوب اللاعنف فهي مذهلة؛ يكفي ان نذكر على سبيل المثال الانتصارات التي حقّقها السياسي والزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي اعتماداً على قوة الجماهير وكثرتها في "حملة عدم التعاون" التي قادها لاستقلال الهند. وفي هذا الصدد قال غادي "سأقدم لكم سلاحاً فريداً لا تقدر الشرطة ولا الجيش على الوقوف ضده. هذا السلاح هو الصبر والاستقامة. ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع الوقوف ضده". وهناك أيضا المناضل الباكستاني، عبد الغفار خان في تحرير الهند، والمناضل الأمريكي مارتن لوثر كينغ ضدّ التمييز العنصري، وليماه غبويه وآلاف النساء الليبيريات اللواتي نظّمنَ لقاءات صلاة ومظاهرات سلميّة ونلنَ مفاوضات على مستوى رفيع في سبيل نهاية الحرب الأهليّة الثانية في ليبيريا، ولا ننسى تعليم البابا يوحنا بولس الثاني في سقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا، والسيد محمد الشيرازي الذي يعتبر الرائد في نشر ثقافة اللاعنف، والشيخ محمد تقي باقر الذي  اشتهر بممارسة ونشر ثقافة اللاعنف في العراق وإيران وتمكن من التأثير على العديد من الاحزاب السياسية المتطرفة، كذلك الناشطة الأمريكية راشيل كوري التي راحت ضحية في عام 2003 عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مباني مدنية لفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة. وتكريما وتخليدا لها سمَّى ياسر عرفات، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، احدى شوارع في رام الله على اسمها.

 

وفي شهر لعام 2016 بحثت قمة الزعماء الدينيين برعاية الحكومة الإسبانية وبالتعاون مع منظمة تحالف الحضارات للأمم المتحدة سبل تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي والمصالحة بين الأديان والتصدي للعنف والتطرف ولخطاب الكراهية بين الأديان وتعزيز السلام والحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 

وأخيراً وليس أخرا، تُنطلق في هذا اليوم الأول لعام 2017 "دائرة تنمية البشريّة المتكاملة" التي تساعد الكنيسة كي تُعزِّز بشكّل أكثر فعاليّة: "الخير اللامتناهي للعدالة والسلام والحفاظ على الخليقة" والعناية بالمهاجرين "والمعوزين والمرضى والمُبعدين والمهمّشين وضحايا النزاعات المسلّحة والكوارث الطبيعية والمساجين والعاطلين عن العمل وضحايا جميع أشكال العبوديّة والتعذيب". إن كلَّ عمل في هذا الاتجاه، مهما كان متواضعًا، يساهم في بناء عالم خالٍ من العنف، وهو أول خطوة نحو العدالة والسلام. ويعلق والتر وينك اللاهوتي والناشط  في المقاومة السلمية أو المقاومة الشعبية "إذا ما جمعنا كل الدول التي تأثرت بأحداث وحركات لاعنفية إلى بعضها البعض خلال القرن الحالي" منها الفلبين، جنوب أفريقيا، إيران... حركة التحرر في الهند، فإن الرقم يزيد عن ثلاثة مليارات، وتزيد نسبة هؤلاء عن خمسين بالمئة من البشر، مما يدحض المقولات المتكررة التي تزعم بأن اللاعنف لا يحقق شيئاً في واقع الحياة".

 

ويختتم البابا فرنسيس بقوله: "ليتعلّم البشر أن يكافحوا من أجل العدالة بدون عنف، ويتخلوا عن كفاح الطبقات في الخلافات الداخليّة، وعن الحرب في الخلافات الدوليّة" وبعبارة أخرى، إنّه "تفضيل الدبلوماسيّة على طقطقة الأسلحة". إن العمل بهذا الأسلوب يعني اختيار التضامن كأسلوب لصنع التاريخ وبناء الصداقة الاجتماعيّة. ويشكّل اللاعنف الفاعل أسلوبًا لإظهار أن الوحدة هي أقوى وأخصب من النزاع حقًّا".


 

الخلاصة

 

أراد البابا من خلال رسالته لليوم العالمي للسلام 2017 أن يُسلط الضوء على "اللاعنف: أسلوب سياسة لأجل السلام" أي البحث عن حل للخلافات من خلال التفاوض، كي لا تتحوّل إلى نزاع مسلح، وتغليب العمل الدبلوماسي على لغة السلاح، وتحذر من الاتجار غير المشروع بالسلاح الذي يغذي العديد من الصراعات حول العالم، هذا فضلا عن ضرورة احترام ثقافة وهوية الشعوب، وتخطي فكرة تفوق شعب على شعب آخر.

 

"لنلتزم خلال عام 2017 أن نكون صانعي سلام وبناة السلام الذي يريده الله وتتعطش إليه البشرية وذلك من خلال الصلاة والعمل. فنصبح أشخاصًا أزالوا العنف من قلوبهم وكلماتهم وتصرفاتهم، واهتموا ببناء جماعات غير عنيفة تعتني بالبيت المشترك. فلا شيء مستحيل إن توجّهنا إلى الله بالصلاة".

 

مع أفضل الأمنيات للعام الجديد، بشفاعة مريم الكلية القداسة، كي تنال لنا من ابنها يسوع، أمير السلام، استجابة تضرعاتنا ومباركة التزامنا اليومي من أجل عالم بلا عنف وبلا تعصب وبلا حرب، بل عالم سلام ووئام واخوة يسود على تطور الأحداث في المستقبل.