موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٧
يا كنيسة القدس، لا تخافي من الفقر وانعدام الأمن. فطريق الله ليست طريق القوة

بقلم: جيورجيو برنارديلي ، ترجمة: منير بيوك :

في الأرض المقدسة حيث كل حجر، وكل كلمة، كل بادرة توصف بالعظمة، يعود عيد الميلاد ليظهر الله الذي يختار أن يكون صغيرًا. لم يتمكن المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا من اختيار تباين أقوى في ليلة عيد الميلاد 2017 في بيت لحم. فقد ترافقت الليلة مرة أخرى هذا العام مع الاحتفال التقليدي في الموقع الذي ولد فيه يسوع، والذي توج بالاحتفال بالقداس الإلهي في كنيسة القديسه كاترينا بحضور رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أبو مازن، الذي كان يجلس في الصف الأمامي. وفي بيت لحم التي هزها المطر والرياح، شارك العديد من الناس بالإحتفال الإلهي (إلا أن الحضور كان أقل مما كان عليه في الماضي، على الرغم من أن الأرض المقدسة كان تعج قبل بضعة أسابيع بالحجاج).

كان الجو العام بعيد الميلاد في بيت لحم متوترًا، واتسم بالنقاش والعنف في أعقاب البيان الذي أدلى به دونالد ترامب بخصوص القدس. وحتى أن الأمنيات الطيبة الموجهة إلى المسيحيين من طرف أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شكلت فرصة للجميع في محاولة جلب الإستفاده الخاصة بهم في أوقات الصراع الحزينة المعتادة.

ولكن بعدئذ، في الليلة الذي تذكرنا بالطفل يسوع، تنطلق الدعوة إلى العودة إلى إنجيل الصغار. ففي عظته، يحذر بيتسابالا على الفور من خطر الاحتفال "بعيد -على الرغم من جماله وغلو قيمته على النفس- كان صامتًا وليس بالأهمية المعتادة، وجليًا على الأرجح، نظرًا لتكراره التقليدي"، في حين أن عيد الميلاد هو "نبوءة، واقتراح لرحلة إلى الوراء" من ناحية أخرى. وأشار المدبر الرسولي إلى أنها رحلة الله الذي يختار أن يكون صغيرًا. ومن غير العادة إنه الشخص الصغير الذي يصير عظيمًا، إنه الضعيف الذي يريد أن يصير قويًا، وهو الشخص الفقير الذي يريد أن يكون غنيًا، كما أنه "تاريخنا" الذي "يسير" بتلك الطريقة. إن العظمة والسلطة هما حلمنا، إنها الرغبة الخفية التي تحركنا جميعًا، في العلاقات اليومية وفي العلاقات الدولية أيضًا. إنها الحرب التي تدور كل يوم، حيث هيرودس عصرنا يحارب ليصير أعظم، وليحتل مساحة أخرى، للدفاع عن مواقعه وحدوده". ويستدرك قوله بأنه إشارة واضحة إلى الأيام الأخيرة لزوال الكلمات "واختبارات القوة" بشأن القدس حيث يقول بأنه "تاريخ أحداث اليوم".

ولكن هذه ليلة تتجاوز كل تحليل سياسي. من المؤكد أنه لا يوجد نقص في إصدار توصية "لأولئك الذين لديهم القدرة على اتخاذ قرار بشأن مستقبلنا، بغرض عدم الخشية من الجرأة بالمخاطرة، ولعدم الخشية من الشعور بالوحدة". ويشير المدبر الرسولي قائلاً: "إننا نحتاجك اليوم أكثر مما كنا بالأمس، نحن بحاجة إلى سياسة حقيقية وجدية. فعلى الرغم من العديد من خيبات الأمل في الماضي وفي هذه الأيام الأخيرة، لا نتخلى عن وجود رؤية، بل على العكس من ذلك، إجعل نفسك تتحفز بصرخة من الفقراء والمضطربين لأن الرب لا ينسى صرخة المتألمين".

إلا أن طريقة الله التي تجعله لا ينسى هي من خلال دعوة الجميع إلى التساؤل حول العالم الذي يسعى إلى "مملكة قوية وذات نفوذ تجعلنا نشعر بالأمان والحماية"، في حين يقدم عيد الميلاد "علامة عكسية، لطفل حديث الولادة وبلا قدرة للدفاع عن نفسه". ومن المنطق الأخذ بعين الإعتبار تلك التغييرات، "من العظمة إلى الصغر، ومن القوة إلى الضعف، ومن السلطة إلى تقديم العطاء، لأن هذه هي الطريقة التي يعمل بها الله". ويقول بيتسابالا معلقًا: أشعر بأن هذه النبوءة صحيحة بشكل خاص ليس فقط لكل واحد منا، ولكن بالنسبة لنا جميعًا مسيحيي الأرض المقدسة القلقين وربما الخائفين من انخفاض أعدادنا، وعدم كفاية وسائلنا، وانعدام الأمن التي يميز حياتنا اليومية. وفي خضم القوى المتعارضة، أحيانًا ضحايا ديناميكيات واستراتيجيات قد يجعلنا غير مدركين لهذه العلامة ويحثنا على تحويل عيد الميلاد إلى مجرد عيد للهوية، والعزاء، والسعي إلى القوة، والسلطة، والثروة، وتحقيق الملكية. ولكن من خلال عمل الله، يكشف لنا عيد الميلاد بدلاً من ذلك من نحن وماذا يجب أن نكون كمسيحيين هنا وفي جميع أنحاء العالم".

إذن، رسالة لبيت لحم اليوم هي: في مواجهة المنطق الصعب الذي يسيطر على الأرض المقدسة والعالم بأجمعه، من الضروري إعادة اكتشاف "إشارة قوة الحب الخفية، فالتواضع هو البداية لمملكة السلام والحقيقة التي لن تأتي من قوة السلاح ولكن من تحويل الحياة إلى المشاركة، والأخوة، وربما الضعف، وسوء الفهم وحتى المنافسة، وأيضًا النبوءة، وإعلان وجود الله بين الرجال والنساء".

ويستمر رئيس الكنيسة اللاتينية في الأرض المقدسة قائلاً: من هنا يأتي النداء إلى الشجاعة التي تم توجيهها أولاً إلى الكنيسة في الأرض المقدسة. "نستطيع أن نستمر في العيش والبقاء هنا، في ظل الضعف والفقر، لأن هذه هي طرق الله عندما يريد أن يأتي إلى العالم ويبارك الإنسانية. إنها في نهاية المطاف نفس منطق السياسة المطلوبة للخروج من الطريق المغلق الذي يبدو أنه انتهى في قضية القدس". ويخلص بيتسابالا قائلاً: لكم الشجاعة وقوة العالم. "تجرأوا في المغامرة لتحقيق السلام، والأخوة، نبذ أهداف العظمة والسطوة، وانطلقوا لتحقيق الخير لإخوتكم وأخواتكم، فباب التواضع إلى كنيسة الميلاد هو أيضًا المدخل إلى العظمة الحقيقية.