موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الأربعاء، ١٢ ابريل / نيسان ٢٠١٧
هل من رجاء في مستقبل عادل؟

بيت جالا - الأب جمال خضر :

هل انت متفائل بالمستقبل في بلادنا؟ يعتبر الكثيرون هذا السؤال ساذجا، فمن يمكنه ان يتفاءل مع كل ما يحدث حولنا؟ العالم فقد اهتمامه بالقضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين بسبب الحروب في كل من سوريا والعراق و"التهديد الارهابي" في العالم؛ ولا يستطيع بيان القمة العربية اعادة القضية الى صدر اهتمام العالم، فقد سمعنا وقرأنا بيانات مشابهة في الماضي ولم يحدث شيئا. ومن الواضح ان الحكومة الاسرائيلية غير معنية بايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، فالاستيلاء على الارض وبناء المستوطنات اهم من صنع السلام. وتطول لائحة الاسباب والاحداث التي تدفع الى التخلي عن اي تفاؤل في مستقبل عادل. فما هو البديل؟ ان نستمر في العيش تحت ظلم الاحتلال واجراءاته؟ ان نيأس من اي حل؟ هل نلجأ لتحميل المسؤلية على غيرنا؟

يحتفل المسيحيون في هذه الايام بالاسبوع المقدس، بالاحداث الاخيرة في حياة السيد المسيح. في مثل هذه الايام، وصلت المؤامرة الى ذروتها بالقرار بتصفية الرسول والرسالة، وقد ظنوا انهم بقتلهم رسول السلام سيتمكنون من السيطرة على الشعب، والاستمرار في ظلمهم دون رادع. ومن اجل هذا الهدف استخدموا المال لرشوة يهوذا ليبيع معلمه، واخافوا التلاميذ بالسلاح فهربوا، واستأجروا شهود زور ليشهدوا ضده، ومارسوا الضغوط السياسية على الحاكم بيلاطس، مهددين اياه بان يشكوه الى قيصر روما في ذلك الوقت، وقد كانت هنالك جماعة يهودية في روما تستطيع التأثير على القيصر. استخدموا كل اسلحة الشر والتحريض ليقضوا عليه. فماذا كانت النتيجة؟

ظن الاعداء انهم بالحكم على يسوع بالموت قد حققوا مرادهم. وها هم يحصلون على موافقة ممثل الامبراطور على هذا الحكم، فيؤيد بيلاطس الحكم الظالم على يسوع بان اسلمه اليهم ليصلب. وهو الذي قال: "اني برئ من دم هذا الصديق"، ويده مغموسة بدمه. الا ان الكلمة الاخيرة لم تقل بعد. والله سيد الحياة والموت لا يمكن ان يسمح بان ينتصر الظلم والعنف والحقد والعنصرية. لا يمكن ان تكون الكلمة الاخيرة للموت، بل للحياة؛ ليس للكذب بل للحق؛ ليس للخيانة بل للصدق؛ الكملة الاخيرة لله وليس للشر. هذا ما تعلمنا اياه احداث هذا الاسبوع، وهذا هو الطريق الذي نحن مدعوون لسلوكه.

اذا كنا نؤمن بالله فلنا رجاء لا يستطيع احد ولا شئ ان يخمده في قلوبنا. لسنا متفائلين، ولكن رجاؤنا اقوى من الموت والدمار والظلم. في وثيقة وقفة حق نقرأ: "مع غياب أيّ بارقة أمل، يبقى رجاؤنا قويًّا. الوضع الراهن لا يبشِّر بأيّ حلٍّ قريب أو بنهاية الاحتلال المفروض علينا. لأنّ الردَّ الإسرائيليّ الصريح والرافضَ للحلّ، لم يدَعْ مجالاً للأمل. ومع ذلك، يبقى رجاؤنا قويًّا. لأنّنا وضعنا رجاءنا في الله. إنّه صالحٌ وقديرٌ ومحِبٌّ للبشر، وسوف ينتصر صلاحه يومًا على الشرِّ الذي نحن فيه". وليس هذا الرجاء تفاؤلٌ ساذج ولا السير وراء أوهام. الرجاء هو مقدرتُنا على رؤية يد الله في وسط الشدّة، ومن هذه الرؤية نستمدّ القوّة للصمود والبقاء والعمل في سبيل تغيير الواقع الذي نحن فيه. الرجاء يعنى عدم التنازل أمام الشرّ، بل هو الوقوف أمامه والاستمرار في مقاومته.

بهذه العزيمة المبنية لا على وعود بشر او دول، ولا على تحليل لواقع مرير نعيشه، بل على ايمان لا يتزعزع بالله الصالح والقدير. هو الذي يخرج الحياة من الموت والدمار، ويحي العظام وهي رميم. هذا الايمان لا يدفعنا الى الجلوس وانتظار التدخل الالهي، بل الى العمل والصمود. وهذا الايمان عينه لا يمكنه ان يُدخل الكراهية والحقد وحب الانتقام الى قلوبنا، بل الرحمة والصلاح والعزيمة. فاذا كانت ايماننا صادقا باله صالح كل طرقه حق وعدل، لا يمكننا ان نترجم هذا الايمان بما يخالف طرقه تعالى، بل يدفعنا للتشبه بهذه القيم السامية.

في قمة احتفالات الاسبوع المقدس احتفال سبت النور. ويتمحور احتفال هذا اليوم حول النور الذي يرمز الى الحياة الجديدة والقيامة. هذا النور الذي يشرق في الظلمات، وينير الطريق لمن يسيرون في الظلام، والشر ظلام دامس. ينطلق النور من مدينة القدس، ومنه ينتشر الى العالم كله. ولا يمكن للنور الا ان يخرج من القدس، المدينة المقدسة، ليضئ للعالم، كما لا يمكن للسلام ان يحل الا اذا جاء من القدس لينتشر الى مختلف ارجاء المعمورة. ففي احتفالاتنا في القدس، سنوقد النور ونعلن رجاءً لن يخيب، رجاء اساسه الايمان بالله الحي الذي ينتصر على الموت بالحياة، وطريقه العمل بدون تعب او كلل ليخرج النور من جديد ويضئ للجميع، جميع سكان القدس وفلسطين والعالم اجمع.