موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠
هذا هو النور الوحيد الذي يستطيع أن ينير وجودنا حقًا

المطران بييرباتيستا :

الأحد الثاني بعد الميلاد (يوحنا 1، 1-18)

تقودنا مقدمة إنجيل يوحنا، التي نستمع إليها في الأحد الثاني من الزمن الميلادي، إلى ما هو أساسي، إلى ركيزة الحياة المسيحية. تأخذنا إلى البدء (يوحنا 1، 1)، والمقصود من كلمة البدء ليس فقط ما كان في البدايات، ولكن ما هو أساسي، وهذا ما يعطي مفتاح فهم ما تبقى. المقصود هو معنى الحياة.

تقول لنا المقدمة في الآية الأخيرة تحديداً أنّ يسوع قد جاء كي يكشف لنا عن وجه الله.

وتضيف المقدمة أنّ يسوع وحده هو القادر على فعل هذا، حيث أنّه لم يره أحد آخر (يوحنا 1، 18).

في الواقع، تم خلق الإنسان في البدء من أجل هذا تحديدا وهو رؤية الربّ، وكي يكون على علاقة معه. والخطيئة هي التي شوهت هذه العلاقة، وحجبت وجه الربّ عن الإنسان، لذلك كان هناك حاجة مرة أخرى أن يتم كشف وجهه للإنسان.

يستطيع يسوع فعل ذلك لسبب بسيط: لأنه هو الربّ (يوحنا 1: 18)، ولأنه يسكن بيننا ولأنه يأخذ جسدنا (يوحنا 1: 14). تجتمع فيه حياة الربّ وحياة البشر في حياة واحدة.

ولهذا السبب يستطيع يوحنا أن يقول إن الحياة كانت فيه، والحياة كانت نور الناس (يوحنا 1، 4).

هذا يعني أن نور حياتنا، أي حقيقتنا المطلقة، لا يمكن البحث عنها في مكان آخر سوى هنا، في هذه الحياة التي كشفها لنا يسوع. نحن لسنا الآخر، لا يمكننا العثور على أي نور آخر لإعطاء معنى لما نعيشه، سوى في اندماج حياتنا في حياة الربّ.

يمكننا تلخيص كل ما سبق في كلمة واحدة، وهي كلمة علاقة. إنّ الحياة الحقيقية، التي يكشفها لنا يسوع، هي حياة تعيش ملء العلاقات، حياة هي عبارة عن علاقة: مع الربّ ومع البشر. وفي نهاية المطاف، هي حياة مناقضة للانكماش والعزلة، وهي عبارة عن حياة حب وشركة. لقد خُلقنا لهذا الهدف.

ويؤكد يوحنا هذا عندما يقول: "به كان كل شيء وبدونه ما كان شيء مما كان" (يوحنا 1: 3): يمكننا القول أن النموذج الذي كان في فكر الربّ والذي خُلِقنا بناءً عليه هو المسيح، الإنسان والإله. لقد أرادنا الآب هكذا، أرادنا على مثال ابنه، أي على صورة يسوع.

ولهذا السبب يقول يوحنا “أما الذين قبلوه وهم الذين يؤمنون باسمه فقد مكنهم أن يصيروا أبناء الله" (يوحنا 1، 12): أي أن الآب يعطي الّذين يؤمنون بهذا النور والذين يثقون بهذه الدعوة ويبتهجون بها، إسماً جديداً، وهويّة جديدة، وهي الهويّة الّتي كانت في البدء، ومنذ الأزل: هوية البنوة. هذه هي الحياة الحقيقيّة.

هذه الحياة لا تفرض نفسها بالقوة، ولا تجبر أحداً، بل تتركنا أحراراً. وفي الواقع، يقول الإنجيلي في الآيات 10-11، باندهاش تقريبًا، أن هذه الحياة جاءت إلى العالم، لكن أهل العالم لم يقبلوها، ولم يعرفوها، بل رفضوها.

ما الذي حدث للنور، إذاً، عندما تم رفضه؟ هل إنطفأ؟

لا، يقول يوحنا، بل على العكس: فالظلام لم يتمكن من التغلب على النور (يوحنا 1، 5). في اللحظة التي تم فيها رفض النور، أصبح هذا النور أكثر إشراقًا، وأرسى مبدأ أكثر صلابة وأكثر متانة في حياتنا: فقد بذل نفسه كلّياً، حتى النهاية، حتى الموت على الصليب. هذا هو نور الناس، هذه هي الطريقة الّتي اختارها الربّ للحفاظ على العلاقة، وهي طريقة المحبة حتى النهاية. هذه هي حياة الأبناء.

لذا، إننا مدعوون، في بداية هذا العام، إلى وضع أساس لحياتنا، إلى التعرف على ما هو كائن منذ البدء، وهو مَن نريد أن نبني عليه كل شيء آخر. وإذا كنا نريد أن تكون حياتنا حياة حقيقية، فلا نستطيع سوى أخذ هذه الحقيقة الموضوعية بعين الاعتبار، حقيقة أنّ الرب قد بذل نفسه من أجلنا في المسيح، ودون أن ينسحب أمام رفضنا.

هذا هو النور الوحيد الذي يستطيع أن ينير وجودنا حقًا.