موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٢ يناير / كانون الثاني ٢٠١٧
نستطيع أن نبني المحبة على الظن

الاب بطرس دانيال :

“المحبة لا تطلب ما لنفسها ولا تظن السوء” (1كور 5:13). هيّا نتساءل: “مَن منّا يُحب الآخرين محبّةً حقيقية كما يوصينا السيد المسيح؟ يجب أن تكون محبتنا للآخر مبنيّة على المجانية، لأن الشخص الذي نتقابل معه ليس غرضاً أو شيئاً يُستخدم، ثم نستغنى عنه. كما يجب أن لا تكون معاملاتنا مع الأصدقاء وجميع الناس بدافع التملك والاستحواذ وتحقيق أغراضنا الشخصية، للأسف: كثيراً ما نُصَنّف الآخرين حسب أهوائنا ومزاجنا ونُرتّب كل واحدٍ منهم بناءً على المصلحة التي ننتظرها منه أو من أجل وقتٍ يُهديه لنا للترفيه والسمر أو الاستفادة الذاتية أو المطامع التي تسيطر علينا. اعتبرُ هذا هام بالنسبة لي لأنه سيتمم عملاً ما من أجلي، لذا يجب أن أتعرّف عليه أو أتعامل معه بكل احترام ووقار، لكن الآخر لا طائل منه، إذاً أستطيع الاستغناء عنه وعن معرفته، كما أتعامل معه بكل كبرياء وعجرفة ولا مبالاة. وأصل إلى اللحظة التي أتجرأ فيها مُعلناً بأن ذلك الشخص أتم لي مهمةً ما وكان سنداً لي في أمرٍ ما، والحمد لله وصلتُ إلى غرضي، إذاً من الممكن الاستغناء عنه الآن، ومن هذه اللحظة لا يساوي شيئاً بالنسبة لي. غالباً ما نُقدّر الآخر ونُقيّمه وَفق حساباتنا الانتهازية، لذلك ننتهك وجوده ونستعبده بالمال الذي نُخرجه من جيوبنا أو حسب رغباتنا الشخصية. إذاً يجب أن نضع في الاعتبار بأن علاقتنا السوية والحقيقية ممكنة في اللحظة التي نعرف ونقدّر العلاقة المقدّسة مع الآخر، دون الابتغاء في أي منفعة أو تطلعات دنيوية. صداقتنا للآخرين يجب أن ترفض وتتجنب الأنانية التي تجرح كرامة وسمُو واحترام الآخر.

من يبتغي تشييد صلة محبة وصداقة سوية مع الآخر، يجب أن يعي قيمة الشخص في حد ذاته مُعلناً له هكذا: ” أنا سعيد بوجودك في هذه الحياة كما أنت، لا يهمني ماذا ستعطيني، ولا تغريني امتيازاتك أو المعروف الذي ستقدَّمة لي بحكم صداقتك لي، أنا محتاج إليك، لوجودك، للقيَم التي تُعلنها لي ولستُ بحاجةٍ إلى نقودك أو مركزك الاجتماعي وتأثيره أو لمعارفك. لا جدوى لي مما تملك أو المنصب الذي تشغله. إنّ ثروتي الحقيقية هي كيانك، أرجو السماح لي بأن أشعر بالسعادة والرضا لأنك موجود في هذه الحياة”. لا نتعجّب إذا قلنا أننا نستطيع أن نحيا محبتنا أيضاً على الشك والظن. هل من المعقول هذا؟ كثيرون هم الذين يقيّموننا على ما هو ظاهر منّا أمامهم، ما هو سطحي وملموس وتحت الأنظار، كما نرى الأشياء المعروضة من خلف الواجهة الزجاجية (الفاترينة). لكن الشخص الفاحِص والمتأمّل يدخل إلى العمق ليكتشف دروباً أخرى، والفاحص هنا نعني به: الشكّاك. إنه يظن بوجود ما هو أفضل ومختفي عن الأنظار، وهو متأكد بأن الأجمل لا يظهر على السطح، وكل ما يراه الناس باهتاً الآن، سيتحول إلى الأبيض الناصع والمضيء. من المؤكد، إذا لم نستطيع أن ندخل ونكتشف سر الجمال الموجود داخل الآخرين، سنعيش غرباءً عن الحقيقة ولن نلمسها في الأشخاص أو الأشياء. ظاهرة “الشك” هنا تخص التأمل والتمعن ويجب أن نفهمها بالمعنى الإيجابي حتى مع المقرّبين لنا. يجب أن نتعلّم الظن في الآخرين بالمعنى المضيء، أي نظن الأفضل الموجود والدفين داخل كل إنسانٍ نتقابل معه. نظن الحقيقة والجمال والحُسن والنقاء المختفيين تحت الأنقاض التي أمام أعيننا. نظن بأن هذا الشخص يتصرّف هكذا لما كان يُعانيه من طول إنتظار ولا مجيب، وعذاب لم يفصح عنه لأحدٍ، وجرح لم يُضمّد كليةً وفقر يتألم منه ويستغيث به، وعدم رضا للظلم الواقع عليه، واحتياجه للآخر. لكن الشخص الروحاني المتأمل والفاحص للأمور الروحية، لا يكتفي باكتشاف الأمور المقدسة فقط، ولكن يحاول دائما أن يفحص الإنسان ليزداد حبّه له. علينا إذاً أن نظن بأنه يوجد شعاع نور يلوح في الأفق البعيد نستطيع عن طريقة الوصول إلى غور الإنسان لنحبّه أكثر ونعذره لما يصدر عنه من نقائص وضعف وغيرها.