موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١ ابريل / نيسان ٢٠١٩
ملك ومصباح

جميل النمري – الغد :

في العام 1219، كانت الجيوش الصليبية تحاصر دمياط عندما جاء راهب زائر يريد أن يعبر الخطوط لمقابلة ملك المسلمين، وعبثًا حاول قادة الحملة (الخامسة) إقناعه بالعدول عن مغامرته ولم يستمع لتحذيراتهم بأن أولئك "المتوحشين" سيقتلونه حالما يظفرون به، وما حصل أن الملك الكامل الأخ الأكبر لصلاح الدين الأيوبي استقبل الراهب بالود والترحاب ودارت بينهما حوارات وأخذه في جولة على جنوده وشاهد صلاتهم واستمع للأذان وأخذ انطباعا جميلا عاد به مع عرض سلام من الملك الكامل.

لكن قادة الحملة أصروا على متابعة حربهم لاحتلال مصر والمعروف أنها آلت الى فشل ذريع. هذا بينما أخذ الراهب، الذي يكره الحرب ويدعو الى السلام، كتابا من الملك الكامل يأذن له بزيارة الأراضي المقدسة في فلسطين؛ حيث أنشأ رهبانية الآباء الفرنسيسكان وهي امتداد للرهبنة التي بدأ بإنشائها قبل ذلك بعشر سنوات في قريته أسّيزي التي ستحظى بشهرة عالمية بصفتها مقر ومنطلق تلك الرهبانية المميزة التي قامت على التقشف والبساطة والتواضع والمحبة وخدمة الفقراء، وأخذت اسمها من اسم مؤسسها الراهب فرنسيس "فرانشسكو دي أسّيزي" ابن العائلة الثرية الذي قرر في لحظة معينة اعتزال حياة الترف والتحول الى الرهبنة في دير في قريته برؤية مختلفة عن السلطة الكنسية التي انجرفت الى مظاهر العظمة والسطوة والثراء فصرف ماله على إسكان أتباعه الفقراء متخذًا لباسًا بسيطًا خشنًا أصبح الزي المعروف للرهبنة، وهو سيرسم قديسًا بعد ذلك بأكثر من قرن على يد البابا كلمنت السادس.

انتهت الحروب الصليبية وزال وجود الفرنجة في الأراضي المقدسة وبقيت رهبانية الفرنسيسكان. وفي مقابلة مع الأب إبراهيم أحد أعضاء الرهبانية في القدس، قال نحن موجودون هنا منذ 800 سنة وخلال هذه القرون مرت حروب وإمبراطوريات وكلها فشلت، ونحن ما نزال هنا نحمي المقدسات ونخدم الناس، وعندما حاولت إسرائيل اجتياح بيت لحم كنا نقود الصفوف ونقود الشباب دفاعا عن الكنيسة المقدسة، وتم حصارنا من جانب إسرائيل لمدة 39 يوما، وكان لدينا حوالي 240 شابا بداخل الكنيسة قمنا بحمايتهم. هذا العام، تم الاحتفال من قبل الكنيسة الكاثوليكية بمرور ثمانمائة عام على اللقاء الأسطوري بين الملك الكامل والراهب القديس داعية المحبة والسلام صديق الفقراء والناس البسطاء.

وهذا العام وقبل أيام، استقبلت أسّيزي بلدة الراهب القديس ومقر الرهبنة العريقة ملك الأردن عبدالله الثاني ابن الحسين لتسليمه "مصباح السلام" في كاتدرائية القديس فرنسيس في القرية الجبلية الجميلة في مقاطعة أومبريا شمال روما. لعلها صدفة هذا التزامن لكنها صدفة محملة بالإيحاءات، وقد تسلم جلالة الملك المصباح من حامله عن العام الماضي المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وقد منح لها لموقفها المميز داخل أوروبا تجاه قضية اللاجئين السوريين. وموقف الأردن من اللاجئين كان أيضًا من بين الأسباب التي ذكرت لمنح ملك الأردن الجائزة؛ فالأردن احتضن وقدم الرعاية الدافئة لعدد من اللاجئين السوريين يعادل نسبة لسكانه استقبال إيطاليا أكثر من أربعة ملايين لاجئ، كما قال رئيس الوزراء الإيطالي في الاحتفال الذي استضاف 212 طفلا من شتى أنحاء العالم. وطبعا الى جانب أسباب أساسية أخرى مثل دور الملك المحوري في دعم الوئام بين الأديان وقيم التسامح والتعايش ونبذ التطرف ومكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان.

من جانبه، لم يترك الملك المنبر والمناسبة المتاحة من دون أن يستثمرها للتركيز على قضية القدس والالتزام الشخصي الذي تفرضه الوصاية الهاشمية عليه لحمايتها، مكررًا التأكيد أن مستقبل الأمن والسلام معلق على الحل العادل للصراع الأساسي في المنطقة بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران.