موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١ ابريل / نيسان ٢٠١٧
مفاتيح كنيسة القيامة بعهدة عائلة جودة المسلمة

القدس – المنتصف :

تعتبر كنيسة القيامة من أعرق الكنائس في المسيحية، وقد وصفها مجير الدين الحنبلي بأنها "الجوهرة الثالثة في القدس الشريف بعد قبة الصخرة المشرفة وقبة الأقصى والمسجد القبلي". وسميت بذلك نسبة إلى قيامة المسيح من موته على الصليب، ويحج إليها كل سنة عشرات آلاف المسيحيين من مختلف أنحاء العالم.

ويحمل أمانة مفتاح كنيسة القيامة وختم القبر المقدس عائلة مسلمة تعود بنسبها الشريف إلى بني هاشم، التي تقوم بأمانة مفاتيح الكنيسة منذ أن أعطى صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس من أيدي الصليبيين عام 1187، وذلك في تقليد متوارث منذ مئات السنين. وهم بنو جودة بن موسى بن عبد القادر آل غضية، عميد الهاشميين في القدس، وشيخ المسجد الأقصى الشريف نسبًا من السادة الأشراف الحسينيين، ودخلت هذه الأسرة في حفظ أمانة مفاتيح كنيسة القيامة في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي.

واستمر رجال الدين من آل غضية في الحفاظ على مكانتهم الدينية الرفيعة لعدة قرون، إذ حصلوا على فرمانات سلطانية صادرة عن سلاطين الخلافة الإسلامية المتتابعين، وعلى حجج من مجالس الشرع في القدس الشريف، تقضي بتعينهم في وظائف شرفية رفيعة، وأشادت بنسبهم المبارك الشريف.

ويوضح السيد أديب، الرجل المقدسي والذي ورث أمانة مقدسة وإرث يتوارثه منذ أمد بعيد، ما تمثله كنيسة القيامة في حياته الشخصية فيقول: "هي بيتي الثاني. في هذه البقعة المقدسة أشتم رائحة الآباء والأجداد على بوابة الكنيسة المقدسة. من هذه البقعة المقدسة ولد نور التآخي الاسلامي المسيحي، فهي مسقط رأس هذا التاخي والذي يبث نوره المقدس إلى أنحاء المعمورة".

ويضيف: "من هنا بدأت مهمة عائلتي الهاشمية والتي أورثها عنهم وأفتخر بقيامي بها فعندما حرر صلاح الدين الأيوبي مدينة بيت المقدس من الصليببين سنة 1187م قام بإرجاع ممتلكات الكنائس الشرقية لأصحابها المسيحيين وتعهد بأن يحذو حذو الخليفة عمر بن الخطاب عندما أعطى الأمن والأمان للمسيحيين في بيت المقدس، وأراد أيضًا أن يحافظ على المعالم الدينية للمسيحيين إلى الأمد الطويل ومنها كنيسة القيامة المقدسة والتي تعتبر من أقدس مقدسات المسيحيين على مستوى العالم فعهد بمفاتيحها لآل البيت "عائلة آل غضية الهاشميين المقدسيين"، وكانوا في ذلك الوقت شيوخ وعلماء وأشراف بيت المقدس وذلك لضمان الحفاظ على الكنيسة وعدم المس بها وبممتلكاتها، ومنذ أن سلمت مفاتيح كنيسة القيامة للعائلة وحتى يومنا هذا لم يحدث أي ضرر لكنيسة القيامة وما حولها من ممتلكات للكنيسة كما عهد اليهم صلاح الدين الأيوبي، كما أنهم يحترمون ويحافظون على العهدة العمرية".

ويتابع السيد أديب: "أحمل الكثير من الذكريات من خلال مهمتي لأمانة مفتاح كنيسة القيامة، كما أنني أفتخر بهذه الذكريات؛ فهي ذكريات الماضي الجميل من البقعة المقدسة". ويضيف: "أملك ما يزيد عن 165 فرمانًا سلطانيًا صادرًا عن سلاطين الخلافة الإسلامية المتتابعين، وحجج من مجالس الشرع في القدس تقضي بتعين أفراد من عائلتي في وظائف شرفية رفيعة، كما أشادت هذه الفرمانات في نسب العائلة المبارك الشريف وهذه الوثائق القيمة بحالة جيدة من الحفظ وآلت إليّ إرثًا عن الأجداد".

أما بالنسبة لمفتاح كنيسة القيامة فهو عبارة عن قطعة معدنية من الحديد الصلب طوله ٣٠ سم ووزنه ٢٥٠ غرام. وعن تاريخه يقول: "استلمت عائلتي المقدسية من القائد صلاح الدين الأيوبي مفتاحين لقفلين متواجدين على البوابة الرئيسية، واحد من هذه المفاتيح كسر قبل حوالي ٥٠٠ سنة، وهو حاليًا بحوزتي احتفظ به، أما اليوم فالمفتاح الآخر هو المستخدم في فتح بوابة كنيسة القيامة المقدسة. ويضيف أن مفاتيح كنيسة القيامة هي أغلى ما يملك وهي أمانة ثقيلة ومشرفة يفتخر بحمايته لكنيسة القيامة ولا يفرط بهذا الشرف بتاتًا.

ويحافظ السيد أديب ويحرص على برنامج ساعات الفتح والإغلاق للكنيسة المقدسة حيث يتم فتح الكنيسة في الساعة الرابعة صباحًا ويتم إغلاقها في الساعة الثامنة والنصف مساءً. السيد أديب مكلف وحسب الستاتيكو باستقبال كبار الزوار الوافدين إلى كنيسة القيامة إلى جانب كبار رجال الدين المستقبلين لهؤلاء الشخصيات، كما يقوم بإهداء كبار الزوار الهدايا الثمينة تأهيلاً بهم في كنيسة القيامة المقدسة.

ومن خلال مسيرة السيد أديب في كنيسة القيامة المقدسة، فقد قام باستقبال البابا يوحنا بولس الثاني سنة 2000، والبابا بندكتس السادس عشر سنة 2009، والبابا فرنسيس سنة 2014، والبابا تواضروس الثاني سنة 2015. كما قام ويقوم باستقبال السياسيين ورجال الدين والزوار والحجاج من جميع أنحاء المعمورة.

أعياد الفصح المجيد

يقوم السيد أديب بتسليم مفتاح كنيسة القيامة للكنائس المختلفة في عيد الفصح في احتفال مهيب يكون وصفه كالآتي: في خميس الأسرار يستقبله حارس الأراضي المقدسة والكهنة في حراسة الأراضي المقدسة الفرنسيسكان، حيث يقوم بتقديم التهاني بعيد الفصح المجيد للكهنة والضيوف المستقبلين له. ويتم تسليم المفتاح لحارس الأراضي المقدسة وبعدها يتحرك موكب مهيب من البطريركية مرورًا بأسواق القدس القديمة ومتوجهًا إلى باحة كنيسة القيامة. وعند الوصول إلى باب الكنيسة يقوم حارس الأراضي المقدسة بتسليم المفتاح لأحد أفراد عائلة نسيبه ليقوم بفتح البوابة المغلقة ليتمكن الموكب والحجاج من دخول الكنيسة وإقامة الصلوات، يذكر أنه بعد فتح أقفال الكنيسة من قبل أحد أفراد عائلة نسبيه يقوم بإرجاع المفتاح للسيد أديب بإعتباره الأمين الحالي من العائلة الهاشمية المقدسية.

ويوم الجمعة العظيمة يقوم بتسليم مفتاح كنيسة القيامة لممثل كنيسة الروم الأرثوذكس في مقر بطريركية الروم الأرثوذكس، وهو نفس احتفال وموكب الكنيسة اللاتينية. وفي سبت النور يتم تسليم المفتاح بنفس الإحتفال لكنيسة الأرمن الأرثوذكس في مقر بطريركية الأرمن.

ويوم سبت النور، يقوم رجال الدين من الروم الأرثوذكس والفرنسيسكان والأرمن الأرثوذكس بالدخول إلى مقمورة القبر المقدس لتفتيشه والتأكد من خلوه من أي مادة مشتعلة، وبعد الفحص يقوم ترجمان كنيسة الروم الأرثوذكس بإغلاق باب القبر المقدس بكتلة كبيرة من الشمع المقدس الساخن، وبعد إحكام الإغلاق يتم الإحتفال بختم القبر المقدس حيث يقوم السيد أديب بوضع ختمه الشخصي على الشمع المقدس.

وبعد الإحتفال بالختم يقوم الترجمان باصطحاب السيد اديب وحسب الاستاتيكو بالتوجه إلى ديوان بطريرك الروم الأرثوذكس، حيث يقوم السيد أديب بتقديم التهاني، كما يعلم البطريرك بأن احتفال ختم القبر قد تم على أحسن وجه. بعد الضيافة يقوم السيد أديب بمرافقة البطريرك إلى كنيسة القيامة حيث يدخل إلى القبر المقدس لإقامة الصلوات ويغلق باب القبر المقدس، ويفتح ثانية لخروج غبطته مع الشعل المضاءة من النور المقدس، ويكتمل الاحتفال بهذا اليوم العظيم.

ويضيف أمين المفتاح قائلاً: "نحن حريصون على حراسة الكنيسة والحفاظ عليها ونعتز بذلك فتاريخ العرب والمسلمين في هذه البلاد مليء بصور الإخاء واحترام الديانات السماوية، وهو ما يجعلني وعائلتي فخورين بالاحتفاظ بمفاتيح الكنيسة وختم القبر المقدس وتولي امانتها. لقد وجدنا وسنبقى لخلق هذا التوازن بين الكنائس المسيحية المختلفة، والحفاظ على وحدويتها وتماسكها".

ويخلص السيد أديب إلى القول: "إن التوازن الذي حافظت عليه عائلتي هو مثال حي في المحافظة على الأماكن الأكثر قدسية في العالم، وهو ارث القائد المحرر صلاح الدين الايوبي الذي سلم هذه الأمانة لعائلة مسلمة استطاعت حملها رغم كل الصعوبات والمعيقات التي مررنا بها ونمر بها في الوقت الحاضر".