موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٤
مسيحيو بغداد يستذكرون مذبحة كنيسة سيدة النجاة

بغداد - أبونا والبطريركية الكلدانية :

أحيا مسيحيو بغداد بكافة كنائسهم الذكرى السنوية الرابعة لمذبحة كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك، والتي ذهب ضحيتها 48 شخصاً وجرح العديدون وشكلت منعطفاً مأسوياً للمسيحيين العراقيين.

وترأس القداس الإلهي البطريرك لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، بمشاركة سفير الكرسي الرسولي في العراق المطران جورجو لينغوا، والعديد من الأساقفة والكهنة والراهبات، وحشد من المصلين وشخصيات عامة.

وفيما يلي نص عظة البطريرك ساكو:

"ما حلّ بِنا ولا يزال يُعَدُّ تسونامي. هُجِّرنا قسراً من بلداتنا وبيوتنا وذُلّلنا. اقتلعنا من جذورنا التاريخيّة والجغرافيّة ممَّا خلفّ فينا جُرحاً بليغًا. مصدومون ومتألمون لما يحصل في بلدنا من ظلم وارهاب، وتفجيرات وخطف، حتى في بغداد الحبيبة، لذا نُناشد الحكومة الجديدة كي تتحرك سريعا وبفاعليّة لوضع حدّ لهذه التجاوزات التي تدفع بالعراقيين الى النزوح والهجرة!

مأساتنا قاسية وكبيرة، لا توصف، مع ذلك ليست نهايةَ الدنيا، يقينًا ان في عمق النفق نوراً، وان الحياة سترجع، والعاصفة تهدأ، والسلام والاستقرار لابدّ ان يعودا. لنتعزّى بِخِبراتِ اناسٍ مؤمنين بالله مثلنا اضطهدوا، وعانوا أكثر منا، واستشهد بعضهم كما في نيجريا وفيليبين وباكستان.

نحن اقوياء بالإيمان المتوارث والمُصان بدم ابائنا وابنائنا – واليوم نستذكر شهداء سيدة النجاة الذين تحولت صلاتُهم الممزوجة بدمهم ودم كاهنيهم وسيم وثائر الى افخارستيا حقيقية. كما بفضل شهادة حياة اشخاص بسطاء عديدين من اهلنا اختاروا الله بإيمان لا يقبل المساومة، سنبقى نشهد للمسيح ونحب اخوتنا وارضَنا بعيداً عن روح الانتقام، والا ما معنى إيماننا ورجائنا؟

اليوم هو عيد جميع القديسين وهو لنا عيد أمانة مسيحيي الموصل وبلدات سهل نينوى للمسيح. امانتهم موضع افتخارٍ لنا ونقطة ارتكاز للكنيسة الجامعة كما قال البابا فرنسيس وآباء السينودس المنعقد بروما من 5-19 تشرين أول في الرسالة الموجهة إليهم والتي وصفتهم بالمعترفين. صلاتُهم هي التي خلّصتهم! انني قابلت البابا وطلبت منه ان يكتب لنا رسالة خاصة، تمنيت ان تصلنا لتقرأ بهذه المناسبة، لكنه لم ينته من كتابتها بعد، وستصلنا قريبًا. كما طلبت منه زيارة العراق ولو زيارة قصيرة لدعم بقاءنا وإنعاش رجائنا.

ككنيسة نعمل كلَّ ما بوسعنا لمساعدتكم والتخفيف عن المكم وسند ايمانكم ورجائكم للبقاء والتواصل.

تسلحوا بالشجاعة والصلاة والصبر والصمود. فكروا بقول اشعيا امام خراب اورشليم وسبيّ شعبها وكانها الموصل أو قره قوش أو تللسقف او احدى بلداتنا:" عزّوا عزّوا شعبي" (40 اشعيا/1-2). كلمات تعزية تفتح باب الثقة والمستقبل كما فتحته امام المسبيين اليهود في القرن السابع قبل الميلاد. كذلك تأملوا بأقوال حزقيال نبي الرجاء وسط المهاجرين اليأسين في بابل. انه يؤكد عودتَهم الى ارضهم: "ايَّتها العظام اليابسة، اسمعي كلمة الربّ. هكذا قال السيد الرب لهذه العِظام: هاءنذا أدخل فيك روحاً فتحيين. أَجعَلُ علَيكِ عَصبًا وأُنشِئُ علَيكِ لَحمًا وأَبسُطُ علَيكِ جلدًا وأَجعَلُ فيكِ روحًا فتَحيَينَ وتَعلَمينَ أَنِّي أَنا الرًّبّ" (حزقيال37/4-6). اقوال نبويّة خالدة تشدد عزائم المؤمنين وسط الاحداث المؤلمة كالتهجير.

أدعوكم الى قراءة معمقة لنصوص الام يسوع في الاناجيل ستجدون فيها منظورًا لاهوتيا رائعاً وبُعدًا واسعًا للرجاء والعزاء. فالطريق التي سلكها يسوع هي نفسها طريقُ المسيحي. أليس المسيحيّ من يحيا "المسيح" فيه؟ في النتيجة نحن كما جاء في الرسالة الثانية الى قورنتس: " يُضَيَّقُ علَينا مِن كُلِّ جِهَةٍ ولا نُحَطَّم، نَقَعُ في المآزِقِ ولا نَعجِزُ عنِ الخُروج مِنها، نُضطهد ولا ننخذل، نُصرَعُ ولا نَهلِك، نَحمِلُ في أَجسادِنا كُلَّ حِينٍ مَوتَ المسيح لِتَظهَرَ في أَجسادِنا حَياةُ المسيحِ أَيضاً" (2 قور 4/ 8-10).

عمِّقوا ثقافتكم الانسانيّة والمسيحيّة والوطنيّة لتكونوا كنيسة حاضرة وشاهدة حتى لو بقينا "البقية الباقية"، اي النخبة الامينة كما يسمّيها الكتاب المقدس. لنضع ثقتنا بالله وبكنيستنا. بقاؤنا فعل ايمان. هناك عنف الشرّ، لكن هناك ايضا قدرةُ الله الفائقة العاملة في الخفاء. هذا الايمان يشكِّل معنى حياتِنا، انه ليس قبولاً فكرياً، بل ارتباطٌ وجوديٌّ يُعاش في الواقع اليومي.

تحملوا مسؤوليتكم ولا تتنصلوا منها. لتكن خطوطُ القوّة لمسيرتكم الجديدة هذه: الالتزام الكامل بتعليم المسيح، والصلاة، وقراءة الكتاب المقدس من اجل بناء روحانيّة الاخُوَّة والشِرْكَة. في العشاء الاخير عندما ودَّع يسوع تلاميذه ترك لهم توجيهه: "احبّوا بعضكم بعضا كما احببتكم" (يوحنا 15-12). وانا اقول لكم: من الان فصاعداً، ليكن الحبّ الأخوي بينكم وبين اخوتكم المسلمين والديانات الاخرى بمثابة الطريقة التي بها يكون يسوع حاضرًا في العراق بكلِّ وضوح وحماسة وفرح.