موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
محطات في رحلة العائلة المقدسة إلى مصر "الأرض المباركة"

القاهرة - بشير حسن :

مصر هي أرض التعايش والضيافة، أرض اللقاء والتاريخ والحضارة، مصر هي الأرض المباركة عبر العصور بدماء الشهداء الأبرار، هي الأرض التي عاش عليها القديس يوسف النجار والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء، تلك كلمات البابا فرنسيس عن مصر، فهل من كلمات أفضل منها للدعاية لمصر سياسيًا واقتصاديًا؟ البابا زار مصر من قبل فاتجهت إليها أنظار العالم، لكن استثمارنا لهذه الزيارة لم يتناسب وقيمتها، ولم يكن تحرك وزارة السياحة كافيًا، وربما كانت في حاجة إلى تكاتف جهود كل الجهات المعنية.

عاد البابا فرنسيس ليتحدث عن مصر، لافتًا أنظار مسيحيي العالم لزيارتها. كان وزير السياحة يحيى راشد حاضرًا لمقابلة قداسته على رأس وفد ضم إعلاميين وشخصيات عامة. وخلال المقابلة بارك البابا أيقونة رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، ونصح الجميع بالحج إلى الأماكن المصرية التي مرت بها العائلة، مشيرًا إلى استقبال المصريين الحافل أثناء زيارته الأخيرة. فماذا يعني كلام البابا؟ وماذا تعني رحلة العائلة المقدسة لمصر وكيفية الاستفادة منها؟

بحسب تصريحات الوزير راشد فقد بدأت الحكومة المصرية في التحرك لرصد كل الأماكن التي مرت بها العائلة. وقال: إن سبعة أماكن أصبحت جاهزة لاستقبال المسيحيين، وتعمل الوزارة جاهدة على تجهيز باقي الأماكن، مؤكدًا أن الوزارة فتحت هذا الملف منذ أكثر من عام، وتعلم مدى أهمية مردوده السياحي والاقتصادي على مصر.

محطات في رحلة العائلة

إن أهمية تحويل رحلة العائلة المقدسة في مصر إلى مزارات سياحية تكمن في ضخامتها، حيث تمتد رحلة العائلة من رفح في شمال العريش إلى محافظة أسيوط فى جنوب مصر، مرورًا بعشرين محطة أخرى أقامت فيها العائلة التي هربت من بطش الملك هيرودس، وكل محطة في الرحلة تحتاج في تحويلها إلى منطقة سياحية.

بدأت رحلة العائلة المقدسة من رفح، وهي المدينة الحدودية الموجودة في الشمال ويفصلها عن مدينة العريش 45 كيلو مترًا، ثم تأتي مدينة العريش لتكون المحطة الثانية للعائلة وبعدها الفرما، وهي موقع أثري وواحد من مراكز الرهبنة، وتكمن أهميتها بأنها المحطة الأخيرة للعائلة المقدسة في سيناء. بعدها اتجهت إلى محافظة الشرقية، لتمر بعدة أماكن كان أولها منطقة تل بسطا، وهي مدينة قديمة كانت تسمى «مدينة الآلهة» متآخمة لمدينة الزقازيق، ثم توجهت العائلة إلى مدينة الزقازيق، حيث أقامت في منزل شخص يدعى «قلوم» أكرم ضيافتهم. ومن الزقازيق ذهبت العائلة إلى «مسطرد»، حيث استظلت بشجرة بجوارها ينبوع ماء، وهذا المكان أطلق عليه «المحمة»، وقد عادت العائلة إلى هذا المكان وهي فى طريق عودتها إلى الأراضى المقدسة.

أما مدينة بلبيس فكانت المحطة الأخيرة للعائلة في محافظة الشرقية، وبعدها انتقلت إلى سمنود، ثم البرلس ومنها إلى سخا ثم وادى النطرون والمطرية وعين شمس ثم الفسطاط ومنها إلى المعادي، ثم ذهبت إلى صعيد مصر لتبدأ بمنطقة البهنسا ثم جبل الطير ثم بلدة الأشمونيين ومنها إلى قرية ديروط الشريف، ثم القوصية ومير وجبل المحرق لتختتم رحلتها بجبل درنكة، حيث مغارة قديمة منحوتة فى الجبل أقامت فيها العائلة المقدسة لفترة قبل رحلة العودة إلى الأراضي المقدسة.

سارة وبركة يسوع

أثناء وجود العائلة المقدسة بتل بسطة مر عليهم شخص يدعى قلوم، دعاهم إلى منزله، حيث أكرم ضيافتهم وبارك الطفل يسوع منزل قلوم، وعند وصولهم لمنزل قلوم تأسف للسيدة العذراء مريم لأن زوجته تلازم الفراش منذ 3 سنوات، وأنها لا تستطيع مقابلتهم والترحاب بهم، هنا قال يسوع لقلوم "الآن امرأتك سارة لن تكون بعد مريضة" وفي الحال قامت سارة متجهة ناحية الباب مرحبة بالطفل وأمه، وطالبتهم بالبقاء لفترة أطول، لأن الصبي كان وجوده بركة لمنزلها. وفي اليوم التالي أعربت مريم عن رغبتها في زيارة معبد، لوجود احتفالات في ذلك الوقت وكان وقت الظهيرة، فحملت السيدة العذراء الطفل يسوع، وذهبت مع سارة إلى المعبد، وما إن دخلت المعبد حتى تهشمت التماثيل الجرانيت الضخمة للآلهة وتهشم المعبد الكبير وأصبح كومة من الجرانيت، انتشر الحدث في كل أنحاء البلدة حتى إنه وصل إلى مكتب الحاكم وبدأت التحقيقات، وتبين أن السبب هو دخول سيدة تحمل طفلاً صغيرًا وهو في الغالب الطفل المقدس الذي يبحث عنه هيرودس، وكان هيرودس قد طلب من الحاكم القبض عليه. صدرت الأوامر بالبحث عن الصبي في كل ركن من المدينة والبحث عليه. وسمع قلوم بكل الترتيبات والخطوات التي اتخذتها السلطات للقبض على الطفل الذى كان سبب بركة وشفاء لزوجته. لذا خاف قلوم على الطفل يسوع، فنصح مريم أن تهرب من المدينة بالليل لقلة نشاط العسكر. وفي المساء استعدت العائلة المقدسة لمغادرة المكان وشكروا قلوم وزوجته سارة، وبارك الطفل يسوع منزلهما. وأخبر الطفل يسوع أمه أن كل مكان زاروه وعاملهم فيه الناس بترحاب يبنى على اسم العذراء مريم كنيسة يأتي إليها الناس للصلاة والعبادة.

العذراء تعد الخبز

بعد أن تركوا مسطرد جددوا المسير إلى أن وصلوا إلى مدينة بلبيس، وحاليًا هي مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية، وتبعد عن مدينة القاهرة مسافة 55 كم. ويروي تقليد قديمًا أن الطفل يسوع وجد نعشًا محمولاً لطفل لامرأة أرملة كانت تعيش في هذه المدينة فأقامه رب المجد فلما سمعت الجموع تعجبت وآمنت برب المجد. بعد أن تركوا بلبيس اتجهوا شمالاً إلى بلدة منية جناح التي تعرف الآن باسم "منية سمنود"، ومنها عبروا بطريق البحر إلى سمنود. ويروي تقليد قديم أن العذراء مريم قد شاركت في إعداد خبز لدى سيدة طيبة من سكانها وبارك رب المجد خبزها.

شجرة مريم

والمطرية من أقدم المناطق المصرية وكانت مركزًا للعبادة الوثنية. وتوجد شجرة بها، ويقول العالم الفرنسي أميلينو إن اسم المطرية لم يذكر بالسنكسار إلا بسبب تلك الرحلة، وتوجد الشجرة حاليًا بجوار كنيسة السيدة العذراء بالمطرية، وكذلك يوجد بالمنطقة بئر ماء مقدسة استقت منه العائلة المقدسة.

كنيسة الشهيدين

بعد أن وصلت العائلة المقدسة المنطقة المعروفة ببابليون، بمصر القديمة، هناك سكنوا المغارة التي توجد الآن بكنيسة أبي سرجة الأثرية، المعروفة حاليًا باسم الشهيدين سرجيوس وواخس. ويبدو أن العائلة المقدسة لم تستطع البقاء في المنطقة إلا أيامًا قليلة، نظراً لأن الأوثان هناك قد تحطمت بحضرة رب المجد، ويوجد بجانب المغارة وداخل الهيكل البحري للكنيسة بئر ماء قديمة.

المعادي ومنف

بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من منطقة الفسطاط وصلت إلى منطقة المعادي، ومكثت بها فترة، وتوجد الآن كنيسة على اسم السيدة العذراء مريم بهذه المنطقة. ثم بعد ذلك عبرت العائلة المقدسة النيل بالقارب إلى المكان المعروف بمدينة منف، وهي الآن ميت رهينة، وهي بالقرب من البدرشين، محافظة الجيزة، ومنها إلى جنوب الصعيد عن طريق النيل إلى دير الجرنوس بالقرب من مغاغة.

جبل الطير

بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من البهنسا سارت ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط، ومنها عبرت النيل ناحية الشرق إلى جبل الطير، حيث يقع دير العذراء مريم على بعد 2 كم جنوب معدية بني خالد. ويروي التقليد أنه أثناء سير العائلة المقدسة على شاطئ النيل، كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم، ولكن مد رب المجد يده ومنع الصخرة من السقوط فانطبعت كفه على الصخرة وصار يعرف باسم (جبل الكف). وتوجد بالمنطقة شجرة يطلق عليها اسم شجرة العابد، وغالبًا ما تكون هذه الشجرة هي التي سجدت لرب المجد عند مروره بهذه المنطقة.

دير العذراء

بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من قرية مير اتجهت إلى جبل قسقام، وهو يبعد 12 كم غرب القوصية. ويعتبر دير المحرق من أهم المحطات التي استقرت بها العائلة المقدسة ويشتهر هذا الدير باسم "دير العذراء مريم"، تعتبر الفترة التي قضتها العائلة في هذا المكان من أطول الفترات ومقدارها 6 أشهر و10 اْيام. وتعتبر الغرفة أو المغارة التي سكنتها العائلة هي أول كنيسة في مصر بل في العالم كله، ويعتبر مذبح كنيسة العذراء الأثرية في وسط أرض مصر، وعليه ينطبق حرفيًا قول الله على لسان نبيه أشعيا "وفي ذلك اليوم يكون مذبحًا للرب في وسط أرض مصر"، وفي نفس المكان ظهر ملاك الرب ليوسف النجار في حلم، وأمر إياه الذهاب إلى أرض مصر (متى 20 :2).