موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٧
مبروك للشمامسة الجدد: أكرم مشربش، عامر جبران، طوني حايين وخالد قموه
بيت جالا - أبونا ، تصوير: منير الهودلي :

تمت مساء أمس الاحد، الرسامة الشماسية، للشمامسة الجدد أكرم مشربش، عامر جبران، طوني حايين وخالد قموه، وذلك بقداس احتفالي في كنيسة البشارة في بيت جالا، ترأسه المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية بييرباتيستا بيتسابالا، وشارك معه رئيس الإكليريكية البطريركية الأب د. يعقوب رفيدي، والمطران سليم الصايغ والمطران كمال بطحيش، وعدد كبير من كهنة المعهد الإكليريكي ومن مختلف رعايا فلسطين والأردن. وألقى عظة القداس باللغة العربية الأب حنا كلداني، وأحيته جوقة ترنيم المعهد - السمنير.

وفيما يلي النص الكامل لعظة الأب كلداني:

نقف اليوم وهنا في مكان وزمن يبعدان مسافة ساعة سير، وواحد وعشرين قرنا وايام معدودات عن حدث وعيد الميلاد. وتقاس المسافة بدوائر مركزها بيت لحم، حيث ولد مخلصنا والهنا يسوع المسيح من مريم البتول. ونحن في عبق هذا العيد ندخل مع شمامستنا الى عمق سر الفداء الذي دعاهم الله ان يكونوا له رسلا في حضن البطريركية اللاتينية الأورشليمية. فمن وحي حدث الميلاد نرى رسامة شمامستنا الأحباء. وحتى ندرك جمال هذا التجسد الذي يريد شبابنا ان يكونوا له خدما ومبشرين، لا أجد أفضل من أية معلم الأمم بولص الرسول للولوج الى حدث الميلاد ورسامة الشماسية. فكتب مار بولص: "هو الذي في صورة الله، لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد عن ذاته متخذا صورة العبد، وصار على مثال البشر وظهر بمظهر الانسان فوضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب" (فيليبي 2: 6-8).

فحتى يتم المسيح يسوع الفداء، اختار لزوما عليه أن يقطع هذه المسافة غير القابلة للقياس بمواصفات البشر، بين الالوهية بكونه الكلمة، وبين التجسد في الانسانية والميلاد في مغارة بيت لحم. وعملية التنازل هذه نجد جذورها في نبوءات العهد القديم، وتحقيقها لما "تم ملء الزمان" في العهد الجديد، وتتابعها في الكنيسة حاملة سر المسيح الخلاصي. وأنتم أيها الشمامسة الأحباء في قبولكم رسامة الشماسية تقبلون ضمنا وصراحة آلية وفاعلية هذا التجسد والنزول حتى الصليب. فكما تجرد يسوع المسيح عن ذاته، أنتم مدعوون الى تجرد مماثل تستمد الكنيسة عناصره ومكوناته من النصوص الكتابية والتقليد الكنسي. دون هذا التجرد لا يمكن للإنسان ان يحقق مسيحيته أولا وكم بالأحرى تحقيق التكريس التخصصي، الأكثر قربا الى صلب رسالة السيد المسيح في الشماسية والكهنوت. فأنتم برسامتكم هذا لم تعودوا ملكا لأنفسكم بل للسيد المسيح الذي اشتراكم بدمه وفدائه. هو صار على مثال البشر وظهر بمظهر الانسان، وأنتم بدوركم ستمرون على مرحلتين، في الأولى تغدون فيها أكثر الإنسانية وحنانا وحبا وخيرا، وفي مرحلة ثانية أكثر تشبها بألوهية الكلمة المتجسد، الاله الصالح المحب للبشر. فحتى لو أردنا ان نحمل ولو نزرا قليلا من سمات المسيح لا بد لنا من هذا التخلي، هذا التخلي الذي سوف يكمل من الله بملامح السيد المسيح فيكم، وهو المتجسد والمولود في ماضينا حاضرنا مستقبلنا.

اما السيدة العذراء فحتى تكون شريكة في الفداء واما للسيد المسيح، فلم تجد الا طريق السيد المسيح لتسير فيه. وهذا الطريق اسمه "أنا أمة الرب"، هو طريق التخلي عن ذاتها، من اجل ذات أخرى تتكون في احشائها الطاهرة. فها هي صورة الام والابن امامكم لتكون لكم نبراسا وهداية في طريقكم، صورة النازل من السماء والمتخلي عن ذاته، وصورة العذراء من أرض الناصرة التي اقتربت من المجد الإلهي لما اختارت ان تكون الأمة والخادمة لسر التجسد بالتخلي عن ذاتها من اجل ذات ابنها.

واليكم خبر القديس يوسف، الذي كان له حسب الانجيل المواقف والرؤى الخاصة تجاه مريم وحياته معها. ولكنه انحاز الى أمر الرب في مسيرة حياته، "فلما قام يوسف من النوم، فعل كما أمره الملاك فأتى بامرأته الى بيته" (متى، 1: 23-34). فتخيلوا أيها الشمامسة الأحباء كم هي المرات بظروفها المختلفة ستسمعون فيها الملاك ناقلا اليكم صوت الرب. وهذا الملاك قد يكون اسقفك، زميلك الكاهن، صوت ضميرك الكهنوتي وربما صوت طفل في رعيتك. وفي نهاية المطاف لن تستطيع ان تسير بفرح وحبور في نهج الفقر الطاعة والبتولية، إلا بالتخلي عن الذات كما هي حال السيد المسيح المتجسد، والاصغاء الى صوت الملاك مثل يوسف، ومرافقة مريم في درب "انا أمة الرب".

بعيد هذا التجرد على غرار السيد المسيح، تدعوكم الكنيسة من خلال خليفة مار يعقوب الرسول رئيس الأساقفة بيير باستيستا ومعه الكنيسة جمعاء للدخول في شراكة كهنوتية، تجد تجسدها وصيرورتها في حضن البطريركية اللاتينية الأورشليمية في الأرض المقدسة. لتكونوا مع كنيستكم وفيها ومعها صورة حية للسيد المسيح المخلص والمعلم، فتبنون مع الكنيسة ملكوت الله على الأرض بعملكم الروحي والتعليمي والخدمي من خلال رعايا البطريركية ومؤسساتها. وهذه الكنيسة الأورشليمية تحمل الكنز الروحي المودع فيها، في اناء من خزف. ودوركم اليوم على تحافظوا على اناء الخزف، وتنموا من خلاله الكنز الروحي الكبير الذي جعله الرب بين أيدينا. فتصيروا عونا للأساقفة والكهنة في رسالتهم في الأرض المقدسة، ولاسيما في خدمة العائلات المسيحية التي هي أساس عمل الكنيسة. وقد أطلقت البطريركية اللاتينية مؤخرا سنة العائلة، وبدون عائلة مسيحية قوية متعافية لا نستطيع ان نبني كنيسة أورشليمية مزدهرة في الارض المقدسة، وبدون عائلة تقية تعيش القيم المسيحية لا نستطيع ان نجد الدعوات المكرسة لله في سر الزواج المقدس، ولا الدعوات المكرسة لله في الشماسية والكهنوت والرهبانية. وأنتم اليوم، فقد جئتم من فضاء هذه العائلات الكريمة، آل جبران ومشربش وحايين وقموه، التي عاشت لسنوات طوال برزانة وتقوى ايمانها المسيحي، وحققت قيم الزواج المسيحي والاسرة المسيحية الفاضلة، لتكونوا انت اليوم ثمرة هذه الايمان، وزنابق هذه العائلات امام هيكل الرب.

لا ابشركم بحياة سهلة في رسالتكم الشماسية، فالشماس الأول اسطفانس واجه هو وصحبه الصد والنفور من معاصريه، "فصاحوا صياحا شديدا وسدوا آذانهم وهجموا عليه هجمة رجل واحد، فدفعوه الى خارج المدينة واخذوا يرجمونه" (اعمال 7: 57-58). قد تواجهون شيئا من ذلك، لان المعلم الذي تحملون رسالته اليوم ليس بالضرورة على تناغم وانسجام مع قيم العالم ورؤيته. وحتى يدخل الرب يسوع هذا العالم، لم يجد غير التجرد عن ذاته، ومن ثم الصعود الى اورشليم حتى الوصول الى الصليب. ولذلك النجاح في رسالتكم المسيحية والشماسية يتطلب القبول والاستعداد الضمني والصريح لمبدأ الاستشهاد كما في حالة الشماس اسطفانس. وقبل الاستشهاد الانحياز الى مبدأ الشهادة الحسنة للرب يسوع، وقبل الشهادة التجرد من الذات حتى يبنى فينا الانسان الجديد نقيض آدم أي السيد المسيح. وحتى ينجح اسطفانس في رسالته الشماسية وتنجحوا أنتم من بعده، عليكم ان تسيروا على نهجه متقبلين ظروفه التي قد تكون ظروفكم أنتم في عالم اليوم. والضمانة لاسطفانس ولكم في رسالتكم قول الكتاب عنه وعنكم، "فحدق الى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله". فبدون هذا التحديق في السماء ورؤية مجد الله في حياتكم، ستكونون عبئا على أنفسكم وكنيستكم ومجتمعكم. وسبقنا الله ذاته بان حدق من السماء علينا واحل علينا مجده في ليلة الميلاد "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام". فتعكسون اليوم في حياتكم وشماسيتكم، "صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كما في مرآة كما في مرآة، فنتحول الى تلك الصورة، ونزداد مجدا على مجد" (2قو، 3:14-15). وتصيرون أبناء الله بناة سلام الله بين البشر، هذا السلام الذي تحقق بتجسد السيد المسيح وموته وقيامته.

ابارك اليوم لكم تكريسكم في الشماسية، واردد معكم قول صاحب المزامير، "به تفرح قلوبنا، وعلى اسمه القدوس توكلنا". وأهنئ كنيستنا الأورشليمية، مدبرا رسوليا وأساقفة وكهنة ورهبانا وراهبات، وأهنئ عائلاتكم الكريمة، ورئيس المعهد الإكليريكي وكهنته ورؤساء وكهنة المعهد السابقين، وكل من احبكم وأحب ظهور الله بيننا في شماسيتكم. كما ابارك للأب فرنشيسكو رئيس المعهد الإكليريكي "بيت الجليل" برسامة ثلاثة شمامسة للبطريركية في هذا المعهد. سائلا الرب يسوع ان يتم ما قد بدأ فيكم من يوم ميلادكم وعمادكم الى أن اوصلكم الى هذا اليوم، سائرا بكم ومرسلكم الى حصاده الوفير. آمين.