موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر السبت، ٢٣ ابريل / نيسان ٢٠١٦
ماذا يقول الأمير الحسن في الذكرى الثالثة لخطف المطرانين؟

الحسن بن طلال :

بمزيد من الألم والغضب، والتصميم على عدم فقدان الأمل نجتمع اليوم لإحياء الذكرى الثالثة لاختطاف المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي في سوريا.

يتعارض هذا العمل العنيف، اختطاف اثنين من رجال الدين، مع جميع التعاليم الدينية ويدعونا للتساؤل حول ما إذا كان قد بقي لدينا شيء مقدس، وقد أصبحت الحياة نفسها غير مقدسة. نحن نصلي ونأمل أن يكون المطرانان ما زالا على قيد الحياة وأن يمنحا الحرية والخروج الآمن كي يواصلا عملهما المهم الذي لامس حياة الكثيرين بغض النظر عن عقيدتهم أو عرقهم.

استمرار المأساة في منطقتنا لا يهدد الحياة والمعيشة وحسب، بل يهدد إنسانيتنا ذاتها وشباننا المصدومين. خلال السنوات القليلة الماضية ضرب العنف منطقتنا وما جاورها، ووصل الأمر حد الاقتتال بين الأخوة وتوحش الناس والتدمير الشامل للكرامة البشرية والقيم الإنسانية.

كمسلم، أنا أؤمن بالحق في الحرية والحق في الكرامة، وتفكيك مجتمعاتنا التعددية، وعزل الآخر فيه تنكر لجميع الديانات الإبراهيمية.

على مدى التاريخ كله، اشتهر المشرق بالتنوع والتعايش بين جميع شعوبه كما أثري بالفسيفساء الرائعة والمتشابكة من سكانه من مختلف الأصول العرقية، والدينية، والثقافية.

أن تعرف قد لا تعني دائما أن تحب، لكن أعظم إنجازاتنا نمت من التفاعل ما بين الناس خلال حج الناس والأفكار. مثال الأندلس الساطع في العصور الوسطي، الذي تفاعلت فيه اليهودية، والمسيحية، والإسلام، وتعايشت على مدى يقارب ثمانية قرون، منتجة تقدما فنيا، ولغويا، وفلسفيا، وعلميا، مدون بشكل جيد ولا يحتاج للإسهاب في الحديث عنه، لهو مثال على ذلك.

وها نحن نشهد بقلق عظيم تعمق عدم المساواة داخل الدولة الواحدة وبين الدول، وتصاعد العدمية السلبية، والنسبية التشككية، وتفشي الشعوبية، إلى جانب عنف غير مفهوم وتعصب يهدد حضارتنا ذاتها.

لقد كان ينظر إلى الأرض السورية عن حق بأنها جزء من الهلال الخصيب. أعطت الإنسانية إنجازات عظيمة في العلوم، والقانون، والأدب، والموسيقى، والفنون. من المؤكد أن يكون محور سياسات الناس وتمكينهم، هو السيادة لجميع مواطني سوريا بكل ما لديهم من ثراء وتنوع.

ينبغي علينا أن نتقبل حقيقة أن حقبة ما بعد النزاع لن تتطلب إعادة بناء البينية التحتية وحسب، بل أيضا إعادة بناء القلوب والعقول. ينبغي علينا أن نوجد معا طريقة نحتفل فيها بعالمية القيم وتباين الثقافات. نحن بحاجة لإعادة بناء منطقة أممية بهيجة يمكن للجميع أن يفخروا بها، تعكس طول وعمق ثقافتنا القديمة وتشير إلى مستقبل مشرق.

اليوم، تعتبر المساواة في المواطنة، والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان والحرية الدينية عوامل حاسمة لتعزيز السلام، والعدالة والكرامة للجميع.

كيف نختار لمعالجة تعمق الانقسام المتعلق بالكرامة الإنسانية في منطقتنا، الأمر الذي يهدد السلام، والأمن، والاستقرار طويل الأمد في العالم، وهو التحدي الأساسي الذي تواجهه الإنسانية في هذا القرن.

في هذا الزمن الذي يتصاعد فيه التطرف، وتقضي فيه الصور النمطية الشائعة على أي أمل في الاعتراف بإنسانية ‘الآخر’، ينبغي تذكيرنا بكرامتنا البشرية التي تربط جميع الشعوب ببعضها وتعترف بتفردهم وإنسانيتهم.

في النهاية، أقول للذين يشككون بوجود المسيحيين مستقبلا في منطقتنا، بأنه لا يمكن ضمان هذا المستقبل إلا بوجود جميع هذه الجماعات وعيشها معا في وئام وانسجام: المسلمون، والمسيحيون، والديانات الأخرى.