موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٦ فبراير / شباط ٢٠١٧
لكي نكون أوفياء لشيخ شهداء العراق المطران بولص فرج رحو

عمّان - د. غازي ابراهيم رحو :

"نحن ليس أعداء لأحد. وإن كان لدينا أعداء، فنحن نصلي من أجلهم، حيث يوصينا السيد المسيح بأن نصلي من أجل أعدائنا. ونحن لا نرغب أو نريد أن نكون أعداء لأحد". بهذه الكلمات العظيمة ودع شيخ شهداء كنيسة العراق، المطران بولص فرج رحو، هذه الحياة بعد أن طالته يد الغدر والإثم والكراهية بيد حفنة من القتلة ذي العقول المتجمدة الذين لا يحملون في قلوبهم إلا سموم الغدر والكفر والكراهية للإنسانية.

في مثل هذه الأيام، وتحديدًا يوم 29 شباط 2008 مدت يد الغدر والإجرام لتخطف مثلث الرحمات المطران بولص فرج رحو بعد اغتيال مرافقيه الشهداء الأبرار الثلاث الذين حاولوا الدفاع عنه بقلوب ملؤها الإيمان، مضحين بأرواحهم من أجل إيمانهم، ومن أجل المطران الشهيد، لأنهم عاهدوا أنفسهم على الشهادة من أجل إيمانهم.

تمر هذه الذكرى الحزينة بحزن أكبر وأعظم حيث تعيش مدينة الكنائس التي أحبها شيخ الشهداء من فراغ أهلها وأصلائها بعد أن دنس ارضها المتخلفون وهجروا أبنائها. حيث كان المطران الشهيد قد رفض الخروج منها رغم كل التهديدات والتلميحات بالقتل وعظائم الامور. وأصر على عدم تركها والبقاء فيها، لحبه لها، ولقلبه الممتلىء بالإيمان، مشددًا على أبناء شعبه بالبقاء في تلك الأرض رغم كل ما يحدث لهم، بعد تفجير كنيسته وتهديد المؤمنين.

تمر اليوم الذكرى المؤلمة بينما تعيش مدينة الكنائس على صوت القنابل والتفجيرات وعذابات أهلها البعيدين عنها وعن كنائسها الشهيدة، ونواقيسها التي تفتقر لأصحابها الحقيقيين، والتي خربها المجرمون القتلة، أعداء الإنسانية؛ الدواعش وأعوانهم وأصدقائهم من الذين عاثوا في أرض الموصل فسادًا. تمر هذه الذكرى المؤلمة وكنائسنا مهدمة، بعد أن دمرها قوم امتهنوا الكره والكفر من القوى الظلامية، أعداء الإنسانية الذين وجهوا رصاصاتهم إلى قلوب وعقول المؤمنين ظنًا منهم أن الإرهاب والموت والقتل يجعل المؤمنين يتركون ديانتهم.

نتذكر تلك الأيام الحزينة والمؤلمة عندما اختطفت يد الحقد ووجهت تلك الأيدي أسلحتها ورصاصاتها إلى قلب ذلك المؤمن، الشيخ الكبير الأعزل، الممتلىء بالإيمان، ولم يعلمون أن رصاصاتهم لا تخيفه. واجههم بإيمانه وبثقته بقلبه المؤمن، غير آبه بالموت الذي انتظره ليكون شهيدًا. حارب عقولهم وأفكارهم المسمومة بكل اقتدار، وسجل اسمه في سفر التاريخ الذي ستتذكره أجيالنا المتعاقبة بكل فخر ورجولة قل نظيرها. أعطى صورة عظيمة لمن يحب إيمانه ويضحي بروحه من أجلها، وأصبح اليوم نجمًا من نجوم السماء وصورته فوق السماء.

لم يساوم كما البعض اليوم من المساومين والمتخاذلين. لم يهادن كما البعض اليوم من المهادنين. لم يسكت عن ظلم كما يسكت البعض اليوم عن ظلم شعبهم، ولم يتراجع عن إيمانه، بل وقف شامخًا صلبًا صلدًا بوجه خاطفيه، وتحداهم بإيمانه لأنه نذر روحه لهذا الإيمان. هكذا هم رجال الإيمان؛ لا يترددون في قول الحقيقة ونشر الإيمان، ولا يهادنون ويطأطئون رؤوسهم.

تمر اليوم ذكرى اختطافه مؤلمة لشعب المطران الشهيد، وهم ينظرون إلى أرضهم وكنائسهم التي أصبحت ترابًا بسبب هجمة الدواعش البربرية. تمر هذه الأيام العصيبة على محبيه لفقدانهم رجل شجاع، تجّذر بالإيمان، وأخلص لشعب الإيمان، رافضًا الذل والهوان. حاجج كارهيه بمحبته لأهله، وحتى لمن أراد له الموت والهوان. صلى من أجل قاتليه، ودعا إلى ربه لكي يسامحهم، لأنهم يفعلون ما لا يعرفون، كما تعلم من سيده المسيح.

تمر الذكرى وأبناء المطران الشهيد يئنون ألمًا بفراقه وفراقهم لأرضهم وكنائسهم التي صدحت بصوت ذلك الرجل المؤمن الذي تحدى الموت لأنه يحمل في قلبه إيمانه. وبالرغم من محاولة اختطافه لأكثر من مرة إلا أنه لم يترك الموصل، ولم يترك أبناء شعبه الذين أحبوه. وكما قال: لن أخرج من الموصل إلا وأنا آخر إنسان حي يخرج منها أو الموت. وهكذا نال الشهادة؟

وبينما تمر اليوم ذكرى اختطافه وتعذيبه، فإن الكنيسة مطالبة بأن تخلد ذكرى هذا الشهيد ليس بالكلام بل بالأفعال، بأن تخلد ذكراه واسمه للتعبير عن الشهادة المسيحية والإيمان من خلال التعجيل في تطويب هذا الرجل الشجاع الذي لم يطأطأ رأسه لغير ايمانه. إن وفاء الكنيسة لهذا الشهيد هو أن تجعله الكنيسة رمزًا من رموز الإيمان. وعلى الأوفياء لهذا الكنيسة، الذين يكافحون من أجل الإيمان أن يكونوا أوفياء لشهداء الإيمان. لأن هذه الحقبة الزمنية التي مررنا بها جميعًا تحتاج إلى أن يكون لنا رمز يذكرنا بشهادة الإيمان ضد الطغيان.

أما شعب المطران فرج رحو فسيبقى يذكره لأنه أعطى لهم كل ما يملك. أعطى روحه عنهم، وقدمها فداء لإيمانه ولشعبه. مهما كانت ذكرى استشهاد مثلث الرحمات المطران بولص فرج رحو مؤلمة، لكنها ستبقى نورًا مضيئًا تنير الطريق لمن ضل الطريق. ولكل من لم يخلد هذا الشهيد فسوف يكتب عنه التاريخ بأحرف سوداء، ولن يذكره شعبه، لأن شهادة المطران رحو كانت أيقونه شهداء، كنيسة العراق الشهيدة، كنيسة المطران رحو وذكراه التي أنارت الطريق للآخرين.

نم قرير العين أيها الشهيد العزيز،
نم قرير العين في السماء وأنت تنظر إلينا،
نم قرير العين فهنالك من أحبابك الكثيرين الذين يذكرونك ويتذكرون كلماتك وإيمانك،
وستبقى روحك ترفرف حول بلدك ووطنك العراق، ومدينتك الموصل، التي أحببتها وأحببتك،
الجنة لك سيدي المطران الشهيد.