موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٤ فبراير / شباط ٢٠١٨
كنائس فلسطين.. لا لتهويد القدس

إميل أمين – الغد المصرية :

لا يزال المخطط الإسرائيلي ماضيًا في غيه لا يلوي عنه شيء، مخطط يعمل صباح مساء كل يوم من أجل تفريغ القدس من سكانها الأصليين من العرب مسلمين ومسيحيين على حد سواء.

يعلم القاصي والداني المحاولات الإسرائيلية المذمومة لتعريض المسجد الأقصى للخطر، إذ لا تزال الحكومات المتتالية في إسرائيل تؤمن في قرارة نفسها بحتمية بناء الهيكل، والجميع هناك يتذكر المقولة الشهيرة لبن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل: "لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا فائدة للقدس من دون الهيكل".

والشاهد أن المحاولات الإسرائيلية لطمس معالم القدس الإسلامية لا تزال جارية، وقد كان آخرها إفتتاح محطة مترو أسفل المسجد الاقصى يحمل اسم الرئيس الأمريكي ترامب ضمن مشروع يربط القدس بتل أبيب. إستغرق حفر هذه المحطة 9 سنوات، ما يعني أن العمل على هدم الأقصى يجرى بصورة جهنمية، تؤكد للعيان أن الدولة الدينية اليهودية، وليست الدولية الديمقراطية، ماضية في طريق تعريض الأقصى للخطر، ضمن سياقات أوسع لمحو كل أثر إسلامي في المدينة القديمة بنوع خاص.

على أن السؤال: هل تفريغ القدس من العرب هدف إسرائيل الأكبر ينسحب على المسلمين فقط ويترك المسيحيين الفلسطينيين في حال سبيلهم؟ الجواب يمكن أن يأخذنا إلى أحاديث مطولة عن العداء التاريخي اليهودي للمسيحية وللمسيحيين، ويكفي أن نذكر بإشارة جولدا مائير، رئيس وزراء إسرائيل سابقًا، إلى الصليب الذي كان يرتديه البابا بولس السادس غداة أول لقاء لمسؤول اسرائيلي رفيع مع بابا روما اوائل سبعينات القرن المنصرم، وقولها: إن هذا "أي الصليب" قد جعلنا نعاني طوال عشرين قرنًا من الزمان.

لم تكن إسرائيل لتهتم بالحضور المسيحي في فلسطين التاريخية بالمطلق، أما المقدسات المسيحية فاحتفظت بها كمصدر للسياحة ومورد مالي للبلاد، في حين أن هناك من التقليد ما يكفل للإسرائيلي أن يبصق على أي صليب يراه في طريقه، عطفًا على وجود مصانع للأحذية تعمد إلى رسم الصليب على باطن أحذيتها للتحقير، أما ثالثة الأثافي فتتمثل في تطريز الصليب على ملابس بائعات الهوى في مدن إسرائيل.

على أنه في كل الأحوال تجنبت إسرائيل التصادم مع القائمين على المؤسسات الدينية المسيحية، سواء الخاصة باللاتين الغربيين أو بالكنائس المسيحية الشرقية، طوال العقود الماضية، غير أنه وفي ظل الدعم الأمريكي الواضح والفاضح لإسرائيل باعتبار القدس مدينة موحدة وعاصمة للدولة اليهودية، وكذا قرار نقل السفارة الأمريكية إليها، لم تعد هناك خطوط حمراء لإدارة نتانياهو بالنسبة للمقدسات المسيحية، والتي بدأت الدوائر تدور من حولها هذه الأيام ماليًا أول الأمر، والأسوأ يأتي بعد… ما الذي جرى ويدعونا لهذا الحديث؟

باختصار غير مخل جرى العرف ألا تفرض سلطات الاحتلال أية ضرائب أملاك (المعروفة أيضًا باسم الارنونا) على الكنائس المسيحية الموجودة في المدينة المقدسة، إلا أن اسرائيل في الآونة الأخيرة ذهبت إلى فرض هذه الضرائب، ما يجعلنا نتساءل: هل حفنة من شيكلات المسيحيين في القدس هي من ينقذ إسرائيل ماليًا؟.

المؤكد أن إسرائيل ليست في حاجة إلى هذا الفتات المالي، فيما الحقيقة المؤكدة أن هذا التدبير يقوض الطابع المقدس لمدنية القدس، ويعرض قدرة الكنائس على القيام بدورها في هذه الأرض باسم طوائفها المختلفة وكنائس العالم أجمع للخطر.

لم تعتد حكومة نتانياهو بالمساهمات الكبيرة التي قدمتها الكنائس المسيحية هناك عبر أكثر من قرن، تلك التي قدمتها للمجتمع ولم تميز بين يهودي ومسلم ومسيحي، من خلال مشروعات تقدر بمليارات الدولارات، أنفقت في بناء المدارس والمستشفيات والمنازل وكثير منها مخصص لكبار السن والمحرومين.

والشاهد أن الفعل الإسرائيلي الأخير هو مقدمة لتعجيز المؤسسات المسيحية في القدس بداية، وبيت لحم تاليًا، وبقية المدن الفلسطينية حيث الآثار والمقدسات المسيحية، عن دفع تلك الضرائب، وساعتها يمكن لإسرائيل الحجز عليها، ولاحقًا سحقها ومحقها وإزالتها من على وجه الخريطة الجغرافية والتي شكلت فيها علامات تاريخية، دينية، وإنسانية طوال ألفي عام.

يندهش المرء إلى حد الخجل من موقف الغرب ودوله تلك التي يطلق عليها مسيحية من ذاك الذي يجري في الأراضي المقدسة، حيث التاريخ المسيحي يتجسد في كل شبر من تلك الأرض حيث تلامست السماء بالأرض، والولايات المتحدة في المقدمة، كيف لا وهناك رئيس بات مدفوعًا برؤى اليمين المسيحي المخترق بالأفكار التقليدية وجماعات التناخ، أما عن نائبه مايك بنس فحدث ولا حرج عن تجلي الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما الكارثة الأكبر هي أن نرى بنس رئيسًا للبلاد سواء حدث ذلك إذا تم عزل ترامب، أو إذا جرى انتخابه ضمن ترشيحات طبيعية، وهو سيناريو قريب من الواقع إلى حد كبير.

لم يقف رؤساء كنائس القدس مكتوفي الأيدي أمام مثل هذه التجاوزات التي تبدو في ظاهرها مالية، ضريبة، ضمن إجراءات مدنية، وفي باطنها معان أخطر وأكثر هولا من عينة إفراغ القدس من مسيحييها مرة وإلى الأبد، لكنهم رفعوا صوتهم عاليًا: "إننا نقف ثابتين ومتحدين في الدفاع عن وجودنا وممتلكاتنا".

لا يمتلك رؤساء أساقفة كنائس القدس فرقًا عسكرية للدفاع عن أملاكهم، لكن أضعف الإيمان أنهم -وهذا ما يفعلونه- يحاولون جادين فضح المؤامرة الإسرائيلية أمام أعين العالم، حتي وإن أدعى الكثيرون العمي أو التعامي.

حال المسيحيين العرب في فلسطين لا يختلف كثيرًا عن أحوال المسلمين هناك، فقد عرفت جموعهم الهجرة بعد الإحتلال الإستيطاني الصهيوني لفلسطين عام 1948، وقيام دولة إسرائيل، ثم تصاعدت مع الهزيمة العربية عام 1967، وتضاعفت بعد سياسة الخنق والحصار والإجراءات الاسرائيلية الأخيرة في القدس ورام الله والمناطق التي يقطن فيها المسيحيون.

تضرب اسرائيل ومن جديد عرض الحائط بكافة القرارات الأممية لاسيما القرار (242) الذي يعتبر القدس الشرقية بنوع خاص أراض تحت الإحتلال، وبنفس القدر لا تعير التفاتًا إلى علاقاتها أو اتفاقياتها مع حاضرة الفاتيكان، وهي موقنة أن سلطة البابا أدبية، أخلاقية، روحية في زمن القوة الباطشة الإسرائيلية.

خلال مداخلة لمراقب الفاتيكان في الأمم المتحدة عن وضع القدس أشار إلى أن: "هوية القدس الفريدة التي تمثل مصلحة للجميع، تكمن في الطبيعة الخاصة للمدينة المقدسة بالنسبة للديانات التوحيدية الثلاث، ورمزًا لملايين المؤمنين في جميع أنحاء العالم الذين يتخذونها عاصمة روحية لهم، وبالتالي فإنه من واجب جميع الدول إحترام الوضع الراهن التاريخي للمدينة المقدسة، والذي تتمتع به وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

هل سيطول بقاء المقدسات المسيحية في القدس وغيرها من مدن فلسطين التاريخية حيث خطوات المسيحية الأولى أم أن التهديد لن يبقى هناك منها شئ لتضحى المسيحية في مهدها أثرًا بعد عين؟ أليس في المشهد كارثة أخلاقية عالمية للغرب المنحول المصبوغ زيفًا بالصبغة المسيحية؟

من جديد لا لتهويد القدس، مهما بلغ من شأن الغي الإسرائيلي السادر.