موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
عن المعلم الأردني وضرورة الاهتمام به

بلال حسن التل :

كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن المعلم الأردني، وضرورة الاهتمام به، وهو اهتمام لابد منه أن أردنا لمجتمعنا أن يسير على درب النهضة والرقي، ذلك أن التعليم هو المدخل الحقيقي، لأية عملية إصلاح اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي للنهوض بالمجتمع، وتغيير واقعه إلى الأفضل، ولأن المعلمين هم الصّناع الحقيقيون للتغيير، وهذه حقيقة برهنت عليها كل التجارب البشرية، وأكدتها قبل ذلك المشيئة الإلهية، التي جعلت من تعليم المجتمعات على يد الأنبياء والرسل المدخل الحقيقي لتغير واقع هذه المجتمعات نحو الأفضل، عندما تولى أنبياء الله ورسله مهمة تعليم المجتمعات لأسس نهوضها وتطويرها، لذلك لم يكن مستغرباً أن تكون بداية اكتمال رسالات السماء وختم النبوة بكلمة «اقرأ»، وأن تكون مهمة خاتم الأنبياء هي التعليم لقوله تعالى « ويعلمهم الكتاب والحكمة» وهي المهمة التي كان يفاخر بها رسول الله عليه السلام بقوله « إن الله عزوجل لم يبعثني معنفاً ولكن بعثني معلماً» وهو التعليم والمعلم الذين طلبهماأبو الأنبياء ابراهيم لأهله من خالقه سبحانه وتعالى عندما دعاه قائلاً «ربنا ابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم»

لقد أكدت كل التجارب الإنسانية على أن التعليم هو أحد أهم مقاييس تقدم الشعوب ورقيها. وأن الاستثمار السليم في التعليم هو المدخل الحقيقي لسلامة الاستثمار في سائر القطاعات والمجالات الأخرى، لأن التعليم السليم هو الذي يؤهل كل الموارد البشرية اللازمة للاستثمار وللإصلاح في سائر القطاعات والمجالات، فالعلم السليم هو الذي يعد العالم الحقيقي في كل مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.

كما أكدت التجارب الإنسانية على أن التعليم السليم القادر على إعداد الموارد البشرية المدربة والمتعلمة هو رأس المال الحقيقي لأي مجتمع، وفي تجربة اليابان المعاصرة خير برهان على هذه الحقيقة، ذلك أن اليابان ليست من الدول الغنية في مواردها الطبيعية، لكنها بنت نظاماً تعليمياً مكنها من إعداد مواردها البشرية اعداداً متميزاً صنع لها كل هذا التقدم الذي تنعم به علميا واقتصاديا واجتماعيا، وهما التقدم والأعداد اللذين صنعهما العلم الذي كان المعلم ركيزته الأساسية عندما أنزل اليابانيون المعلمين المكانة اللائقة بهم، وجعلوا مكانة المعلم تلي مكانة امبراطور اليابان مباشرة، متقدمة على الوزراء والأعيان، وأعطت للمعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير، ووفرت له مكانة اجتماعية ومادية متقدمة تليق بدوره في إعداد وتربية الإنسان، ومثل اليابان كذلك سنغافورة وماليزيا وغيرهما من الدول التي كان الاهتمام بالمعلمين سبباً رئيساً من أسباب نهضتها وتطورها.

كذلك فإن تجربتنا الأردنية في عقود سابقة تقدم دليلاً ساطعا على أهمية الاستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم، فنحن في الأردن لم نكن نمتلك ثروات طبيعية تجعلنا نحقق كل هذا الذي حققناه من إنجازات، لولا ما تميز به الأردن من تعليم قام عليه معلمون أكفياء كانوا يحتلون مكان الصدارة في مجتمعهم مكنتهم من إعداد كفايات أردنية متميزه، لم تسهم في إعمار وطنها فقط، بل امتد إسهامها لإعمار الكثير من دول المنطقة،كان ذلك قبل أن يصاب التعليم في الأردن بعدد من الهزات التي أثرت على أوضاعه وفتحت باب النقاش لمعالجة الاختلالات التي أصابته خاصة تلك التي أصابت المعلم الأردني بالتحديد، لأن المعلم يشكل العمود الفقري للتعليم وأهم عناصره، بالإضافة إلى أن مكانة المعلم الأردني أصابتها خلال السنوات الماضية الكثير من الاختلالات المادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الاختلال في العلاقة بين المعلم والطالب، وبين المعلم وأسر طلابه، الأمر الذي صار لابد معه من إصلاح هذه الاختلالات،من خلال التذكير بأن دور المعلم يتجاوز مهمة تزويد الطلاب بالمعارف والعلوم،إلى بناء منظومة القيم والسلوك، أي الإعداد النفسي والعقلي والمعرفي للطالب، وهو بهذا المعنى مؤتمن على هوية المجتمع المادية والمعنوية وبنائه الأخلاقي بالإضافة إلى بنائه المعرفي الأمر الذي يستدعي إعادة الاعتبار للمعلم باعتباره قائدا اجتماعيا وتربويا، يجب أن يحتل المكانة اللائقة به، كما كان عليه الحال في المراحل السابقة، فالمعلم هو الذي يعد القادة السياسيين والاقتصاديين والمفكرين والفلاسفة كما يستدعي أيضاً إعادة بناء العلاقة مع المعلمين داخل الحرم التعليمي وخارجه على أساس الحب والتكريم والوفاء والتوقير، و ضرورة أن يعامل المعلم على أنه قدوة ونموذج ومثال يحتذي به، على أن يحرص كل المعلمين على تجسيد هذه المعاني في سلوكهم وعلاقتهم مع الآخرين، ومع طلابهم على وجه الخصوص.

وحتى يستطيع المعلم أن يؤدي رسالته كقائد اجتماعي، مؤتمن على البناء القيمي والمعرفي لمجتمعه، فلابد من توفير سبل الحياة المادية الكريمة له، فكيف ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يكون محل نقاش لإيجاد الإجابة الشافية عليه؟

(عن الرأي الأردنية)