موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الجمعة، ١٤ أغسطس / آب ٢٠١٥
عندما وقف البابا ضد حرب العراق الثانية

الأب جان بول الخوري :

نقلاً عن "وكالة زينيت"

إن للكنيسة الكاثوليكية الفضل الأكبر في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولاسيّما في مناطق النزاع في الشرق الأوسط، وبشكل خاص في العراق. سنتعرّف في هذه المقالة على مواقف القديس البابا يوحنا بولس الثاني تجاه أزمات هذا البلد المتألم والجريح.

١- البابا واجتياح الكويت

لقد كان اجتياح أرض الكويت في ٢ آب ١٩٩٠ من قبل الحكومة العراقية، تداعيات خطيرة على صعيد منطقة الشرق الاوسط بأكملها، ولاسيما على الحضور المسيحي في العراق، وهذا ما دفع بالقديس البابا يوحنا بولس الثاني، باتخاذ كافة الوسائل الديبلوماسية والرعوية في تجنيب العراق أهوال الحرب، فتميّز بشجاعة نبوية وقفت في وجه مطابخ أهل الحرب، عبر خطاباته وتصريحاته، تندد بآلات القتل الهمجية. لأنه كان مدركا بأن المسيحيين مع الأقليات الأتنية والدينية في العراق هم من سيدفعون ضريبة التدخل الأجنبي على بلدهم، لهذا ناهض البابا فكرة الحرب المضادة.

٢- لا للحرب المضادة

وعلى أثر ذلك، دعى البابا يوحنا بولس الثاني، الامم المتحدة بالعمل على صب كافة الجهود الديبلوماسية من اجل احلال السلام، كما انه طلب من الحكومة العراقية الإنسحاب الفوري من ارض الكويت، ودعى الأمم المتحدة الى أن ترعى مصالحة جدية بين الدولتين. ضمن هذا السياق وجه القديس نداء يوم عيد الميلاد سنة ١٩٩٠ ناشد فيه الدول الكبرى بضرورة نبذ الحرب، لان : "الحرب، مغامرة لا تعرف التوقف!"، ثم عاد وجدد النداء في الرابع من كانون الثاني ١٩٩١، فطالب وزراء الدول الاوروبية الذين عقدوا اجتماعهم في اللوكسمبورغ، بالسعي الى ارساء السلام دون اللجوء الى "آلات الموت المدمرة والمرعبة". لكن المطالبات التي وجهها البابا، الى كل من صدام حسين (الرئيس السابق للعراق) والى جورج بوش (الرئيس السابق للولايات المتحدة الامريكية) والى الامين العام للامم المتحدة، أضف الى نداءات الاساقفة والبطاركة المعنيين بالشان العراقي، لم تفلح في إيقاف طائرات التحالف بقصف عمق العاصمة العراقية بغداد وسائر المحافظات العراقية مقابل قصف الجيش العراقي بالصواريخ البعيدة المدى بلدانا مجاورة، فكان محصلة الحرب، آلالاف الضحايا.

٣- البترول مقابل الغذاء

ان أبشع الحروب التي شنتها الدول في القرن المنصرم، هو حصارها على العراق، والذي اطلق عليه تسمية بـ"البترول مقابل الغذاء" مخلّفا وراءه نتائج وخيمة على صعيد المجتمع العراقي ككل، لاسيما على العائلات والأطفال والمرضى والشيوخ، وامام هذا الواقع المتردي الذي فرضه الحصار، حاول البابا بالضغط على الامم المتحدة، بفك الحصار المفروض، الذي اعتبره بالغير الإنساني والمجحف بحق الشعوب. وبمبادرة منه في كسر الحصار وتضامنا مع المحاصرين، طلب البابا يوحنا بولس الثاني من السلطات العراقية بزيارة العراق في العام 1999 خارقا العقوبات التي فرضت على النظام. لكن الزيارة لم تحدث، إلا أن نائب الرئيس العراقي طارق عزيز كان قد زار البابا في 2003 لإثبات تعاون النظام السابق مع مفتشي الأسلحة. ولم ينته الحصار، حتى بدات حرب ٢٠٠٣ المشؤومة.

4- سقوط النظام وموقف البابا

بعد الاعتداءات الارهابية على الولايات المتحدة المعروفة بالحادي عشر من ايلول، تصاعدت وتيرة ردود الفعل، فدقت طبول الحرب وهذه المرة اجتياح العراق، فاتهمت امريكا النظام العراقي بانه ضليع في الهجمات الإنتحارية على اراضيها، وان لدى النظام برنامج اسلحة دمار شامل... وبالرغم من صحة البابا القديس التي اخذت بالتدهور، ناشد المجتمع العالمي في ميلاد ٢٠٠٢ بوقف الحملات العمياء والتحريضية والغير المبررة في شن الحرب على العراق. وفي خطابه امام السلك الديبلوماسي في الفاتيكان، صرخ البابا قائلا: "الحرب ليس بنكبة وتنتهي! الحرب اداة تدمر الانسان".... وفي رسالة حملها معه الكاردينال أتشيغاري Etchegaray الى النظام العراقي حث البابا النظام بضرورة التعاون مع الامم المتحدة، وهذه بعض مقتطفات الرسالة: "اذا كنتم تريدون بالفعل التوصل الى السلام، لا تقدموا لخصومكم الذرائع التي بإمكانها ان تسبب لكم الحرب".

5- تداعيات الحرب على المسيحيين

لكن الحرب بدات، فدخل الجيش الامريكي الى العراق يعاونه الجيش البريطاني مع بعض الدول ذات المصالح المشتركة، حيث تم اسقاط النظام وحكم على الرئيس المخلوع بالاعدام شنقا مع بعض من معاونيه، وتم حل الجيش العراقي، وغرق العراق بالفوضى والسرقات وتصفيات الحسابات، فكان المسيحيين اولى ضحايا الحرب العراقية الامريكية، بسبب الإغتيالات الجسدية والعمليات الإنتحارية التي طالت العديد من الكهنة والأساقفة والرهبان والعلمانيين من قبل الجماعات المتطرّفة والعصابات.

ونود في ختام هذه المقالة، أن نتوجه الى قادة العراق السياسيين والدينيين بالتالي: كيف بإمكانكم أن تردوا عرفان جميل البابا القديس في بلدكم العراق؟ ما هي الوسائل العمليّة والفعاّلة التي بإمكانها أن تضمن آلية رغبة البابا القديس في إحلال السلام ولاسيما آلية عودة المسيحيين المهجرين الى قراهم وبلداتهم ومدنهم؟

عليكم ألا تنسوا بأن الكنيسة الكاثوليكية كانت السباقة في الدفاع عن أرضكم وشعبكم، فعرفان الجميل واجب أخلاقي وتاريخي.