موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١١ ابريل / نيسان ٢٠١٩
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا لأحد الشعانين

:

يروي القديس لوقا في المقطع الإنجيلي لهذا اليوم رواية دخول يسوع إلى أورشليم وهي تتميّز بخاصية فريدة، إذ أن نصفها يتعلق، لا بدخول يسوع المدينة المقدسة، بل بالتحضيرات التي تسبق ذلك.

وعليه، فإن الشخصية الرئيسية في المشهد الأول ليست يسوع بل الرسل.

لماذا فعل الإنجيلي ذلك؟

السبب هو أن لوقا بدأ يتحدث عن الكنيسة التي تعيش فترة ما بعد الفصح، أي أنه يتحدث عنا.

ويسوع، بدخوله إلى أورشليم، "يختفي" بطريقة ما لتظهر الكنيسة مكانه. هي مرسلة لتعلن للجميع فصح الرب.

يمكننا أن نستشف ذلك من مجموعة من العناصر.

أولاً، يسوع يُرسِل التلاميذ. (لوقا ١٩: ٢٩). وكان لوقا قد استخدم نفس الفعل (لوقا ٩: ٢، ١٠: ١) عندما أرسل يسوع تلاميذه ليعلنوا لجميع الأمم عن الخبر السار المتعلق باقتراب الملكوت.

يقوم الآن بإرسال تلميذين تماماً كما سبق وأرسل تلاميذه الاثنين وسبعين، اثنين اثنين (لوقا 10).

وبإرسالهم يقوم يسوع اليوم بإرشادهم مثلما أرشدهم سابقا. وعلى التلاميذ أن يتبعوا التعليمات كما في المرة السابقة. وينبغي عليهم التحلي بالثقة بأن كلمة المعلم ستتحقق.

وفي الواقع يذهب المرسَلان ويجري كل شيء وفق طلبه (لوقا ١٩: ٣٢).

وخلال هذا الإرسال الذي يمثّل حياة الكنيسة، حدث أن سأل أحدهم، وهو يرى التلميذين يحلان رباط جحش ليحضراه ليسوع، عن الدافع وراء هذا السلوك (لوقا ١٩: ٣١، ٣٣). فكان الجواب أنهما فعلا ذلك بناء على طلب الرب الذي سبق وأعلمهما أنه محتاج إليه. نعم يسوع يدخل القدس ملكا متواضعا ومحتاجا.

إنهما يطلبان ويسألان لأن الرب "محتاج".

وكلمة "محتاج" هي كلمة رئيسية وردت أيضاً عند إرسال التلاميذ. كان على التلاميذ، كما جاء في النص الانجيلي، الذهاب وسط الناس كالفقراء المحتاجين من دون أن يحملوا معهم شيئاً (لوقا ٩: ٣)، وأن يضعوا ثقتهم فيمن يستقبلهم. وقد توقع يسوع رفض الناس لهم في بعض المرات، ولكن هذا لن يعيق مسيرة التلاميذ ومسيرة كلمة الخلاص.

وما سيحدث بعد دخوله القدس هو استكمال لمسيرة التواضع والفقر التي بدأها يسوع، ومن ثم الكنيسة من بعده، وسط الناس ومن أجلهم.

هناك أناس يتقبّلون يسوع بحماسة على مثال الشعب المهلل في طرقات أورشليم (لوقا ١٩: ٣٧). وهنالك من لا يتقبلونه كما نقرأ في رواية الآلام.

بالنسبة للبعض، جاء يسوع لإحلال السلام، وهذه الأمر تُعلنه جماعة التلاميذ في قولهم: "تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ! السلامُ في السّماء! والمَجدُ في العُلى!" (لوقا ١٩: ٣٨). كان السلام الأمر الواجب إعلانه عند دخولهم أي بيت: "وأيَّ بَيتٍ دَخَلُتم، فقولوا أوّلاً: السَّلامُ على هذا البَيت" (لوقا ١٠: ٥).

ويعلن يسوع ذلك عند دخوله القدس.

لا يقوم بإعلان ذلك فحسب بل ويدفع الثمن بحياته، بهدف تمجيد الله وخلاص الإنسان.

يبقى على الكنيسة أن تعلن عن هذا السلام الذي استحقه السيد المسيح بدمه.

وإن أراد أحد إسكات صوت الكنيسة (لوقا ١٩: ٣٩)، فلن يقدر لأن صدى هذا الإعلان سيتردد بكل تأكيد وسيجد طرقاً أخرى للوصول إلى قلب الإنسان. حتى الموت لن يتمكن من إسكات صوت الكنيسة.