موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٠ يونيو / حزيران ٢٠١٩
عظة المدبر الرسولي لعيد جسد الرب

المطران بيتسابالا :

في القدس: الخميس 20حزيران ٢٠١٩
حيث التقويم الشرقي: 27 حزيران

يحتوي النص الإنجيلي الذي تقدمه الليتورجيا في عيد جسد الرب على مفارقات ومبالغات عديدة، ويرينا أمورا تفوق التصور.

يروي النص رواية تكثير الخبز والسمك التي وردت في إنجيل لوقا (٩: ١١- ١٧).

تظهر المبالغة الأولى في جوع الشعب وأعداد الناس. ثمة جوع شديد ويحرص الإنجيلي على اخبارنا بأن هنالك ما يقارب خمسة آلاف رجل (لوقا ٩: ١٤).

كما أن فقر التلاميذ شديد جداً، فهم لا يملكون سوى خمسة أرغفة وسمكتين (لوقا ٩: ١٣).

كما أن الظروف التي تتم فيها الرواية هي غير مؤاتيه. فالمساء قد حلّ والمكان قفر وبعيد عن أماكن التسوق (لوقا ٩: ١٢).

ما يريد أن يؤكده الإنجيلي هو تعاسة الوضع والحاجة الشديدة الى الخبز. وهي حالة تعكس واقع الحياة البشرية بأكملها، واقع يتسم بالهشاشة والضعف.

ويشير النص إلى عدم وجود مخرج أو أية حلول بشرية لهذا المأزق. فهنالك تفاوت بين حاجة الشعب والإمكانيات الحقيقية للتلاميذ.

يبدو أن الحل الوحيد، في هذه المرحلة، هو ما اقترحه التلاميذ وهو صرف الجموع ليؤمنوا أنفسهم بشيء يأكلونه لإشباع جوعهم (لوقا ٩: ١٢). لم يخطر على بال التلاميذ وجود حلول أخرى.

نرى هنا تناقض ذلك مع دعوة يسوع للناس إلى البقاء (لوقا ٩: ١٣) وطلبه من التلاميذ أن يعطوهم ما يأكلون. تمثّل هذه دعوة لا يمكن أن يحققها إنسان.

إلا أن ذلك تماماً ما سوف يحصل.

أولاً، يطلب يسوع تقسيم الجموع إلى فئات صغيرة، وبذلك لم يعودوا جموعاً مجهولاً بل جماعات صغيرة تُسهّل المشاركة والأخذ والعطاء فيما بينها.

بعد ذلك نرى يسوع يوزع على الناس القليل الذي بين يديه. ولم يعتقد أحد أنه كافٍ لأي شيء. غير أنه كان كافيا. هذه هي المعجزة التي قام بها يسوع.

في تاريخ الخلاص تجري الأمور كالتالي: الأمور الفائضة لا تكفي ولا تسد الحاجة، أما الأمور القليلة في المقابل فتتمكن من أن تكفي الجميع.

نفكر هنا بأرملة صرفه صيدا (١ ملوك ١٧). يُرسَل النبي إيليا إلى أرملة فقيرة تكاد لا تملك شيئاً للأكل، وهي ستقوم بإطعام النبي. وبينما كانت تقوم بذلك لم ينقصها وابنها أي شيء.

دعونا نفكر بيسوع. لا يخلّصنا بوسائل عظيمة أو غنية بل على عكس ذلك، خلصنا عندما صار فقيراً وواحداً منا. يقول القديس بولس: "يسوع المسيح: قد افتقر لأجلكم وهو الغني لتغتنوا بفقره" (٢ كور٨: ٩).

اعتدنا التفكير في أن الخلاص يُخرجنا من حالة الهشاشة والفقر. على العكس تماماً، الخلاص يشدّنا إلى الداخل ويجعلنا نعيش فقرنا كغنى وإمكانية للمشاركة والاتحاد والثقة والهبة.

لا يخلصنا الرب بواسطة المال والغنى. بوسع الجميع فعل ذلك. يخلصنا الرب بالفقر لأن من خلاله يشع الغنى الحقيقي الذي لا نحصل عليه من خلال الأشياء أو الإمكانيات بل من خلال هبة الذات المتبادلة.

ينتهي النص بمبالغة أخيرة وهي امتلاء اثنتي عشرة قفة من الكسر (لوقا ٩: ١٧).

عندما نغني بعضنا البعض بالقليل الذي لدينا سنختبر عندها الغنى الحقيقي وسنحصل على أكثر مما نأمله.