موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٧
صحفي يسأل البطريرك ميشيل صباح: ماذا أنجزت؟ فكيف أجاب البطريرك الحكيم؟

البطريرك ميشيل صبّاح :

وقع عليّ الاختيار، وسماحة المفتي اليخ محمد حسين، لنُمنَحَ جائزة الرئيس الراحل ياسر عرفات. كان ذلك يوم الجمعة 10/11/2017. ماذا صنعت بها؟ ولماذا وقع علي الاختيار؟

وأنا خارج من قاعة الاحتفال، مساء ذلك اليوم، استوقفني تلفزيون "مساواة"، قال لي الشاب: هذه جائزة إنجاز. ماذا أنجزت؟ فاجأني بسؤاله البسيط في حد ذاته. فكرت لحظة وقلت له: لم أنجز شيئًا. إنما قضيت حياتي أصلي وأتكلم باسم المظلومين, وقلت هنا وفي أنحاء العالم إن الشعب الفلسطيني يستحق أن يكون مثل سائر الشعوب. وقد سمع الصوت كثيرون. وكثيرون لم يسمعوا. أو سمعوا ولم يأبهوا. قلت للشاب: هذا إنجازي فقط، صلاة وشهادة للحق في سبيل الإنسان الفلسطيني وكل إنسان في هذه الأرض المقدسة.

ياسر عرفات بدأ حلمًا، هو بناء الدولة، ولم يتمكن من تحقيقه. ترك تحقيقه لمن يأتي بعده. وحتى اليوم ما زلنا ننتظر تحقيق الحلم. مظالم كثيرة حلت بنا وحالت دون تحقيق الحلم. وأخطاء كثيرة أيضًا من أنفسنا في حق أنفسنا. ومع ذلك، أومن أن الحلم سيتحقق. ليس بسبب من أخطأوا، بل بسبب الشعب البسيط والمعاني. المؤمن بالحياة لا بالموت. وبالحرية أكثر من إيمانه بالانتقام.

أنا شخصيًا مع وثيقة كايروس الفلسطينية المسيحية (وقفة حق)، أؤمن أن المحبة قوة حقيقية في الإنسان، فردًا أو شعبًا يؤمن بها ويعيشها. المحبة التي تبدع الحياة وتسترد الحرية وتفرض الحق على كل ظالم مهما كان جبروته ومهما كانت تراسنة اسلحته. أنا أرى أن آخر سلاح بين يدي الفلسطينيين، والعالم كله يقاومهم، هو السلام. السلام، أي طرق السلام، وسائل السلام، غياب اللاعنف، هو الذي يجرد الجندي الإسرائيلي بل ودولة إسرائيل من سلاحها وجبروتها. أمام جموع المصلين المسلمين في شوارع القدس، عند الشدة التي ألمت بالأقصى والحرم الشريف، ملأ المصلون الشوارع وصلوا، من دون أية ظاهرة عنف. ووقف الجنود الإسرائيليون بين صفوف المصلين بكامل أسلحتهم محتارين ماذا يعملون. تعودوا التعامل مع العنف والقتل. وهنا كان عليهم أن يتعاملوا مع السلام. فوقفوا حائرين لا يعرفون ماذا يصنعون. سلاحهم بين أيديهم لم يسعفهم.

هذه رؤيتي مع رؤية "وقفة حق؟ رؤية مسيحية بل إنسانية عامة. قد يشاركني البعض فيها. ويعارضني الكثيرون. وكلنا على كل حال مدعوون إلى تحليل السنوات الماضية واستنتاج العبر.

وبعد، ماذا صنعت بالجائزة؟ سماحة المفتي الشيخ محمد حسين الذي وقفت معه للجائزة في ذلك المساء نفسه، أعلن بعد تسلمه الجائزة أنه يقدمها نصفا لمؤسسة ياسر عرفات ونصفها لمركز الأبحاث الفلسطيني لمرض السرطان. أنا من جهتي قدمتها في الغد لمؤسسة طباعة ونشر، يشرف عليها الأب رفيق خوري، تنشر مطبوعات تتكلم على قوة الروح في الإنسان عامة، وعلى قوة المحبة.

وبعد، أنا أشكر مؤسسة عرفات أن منحتني الجائزة، ولكني أنتظر الجائز الكبرى والنهائية التي هي منه تعالى في نهاية هذه الحياة التي أراها باتت قريبة. رؤية وجهه تعالى هي أكبر جائزة يرجوها إنسان. أرجوها لجميعكم، بعد العمر الطويل، وبعد الجوائز الكثيرة في هذه الحياة والإنجازات الكثيرة في هذه الأرض. لأن حياة كل إنسان رسالة وإنجاز.