موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٨ فبراير / شباط ٢٠١٤
شكرا نيكولاس فوجيسيك

منير سعد :

نيكولاس فوجيسيك و يعرف بنيك هو واعظ و محاضر استرالى عمره 31 عاما ومؤسس منظمة الحياة بدون أطراف. ولد وهو يعاني من متلازمة نقص الأطراف الأربعة، وهي متلازمة نادرة الوجود يعاني المصاب فيها من فقدان الأذرع والأرجل كافّة، في سن 17 عام أسسّ منظمته غير الربحية " الحياة بدون أطراف " وقدم من خلالها الخطابات في أماكن مختلفة من العالم دعا فيها إلى التعايش مع الاعاقة وبث الأمل في النفس والعيش بإيجابية بعيداً عن الاحباط واليأس، وكان يضرب نفسه كمثال أثناء خطاباته ليثبت للناس قدرتهم على فعل المستحيل.

مُنع من الذهاب إلى المدرسة وذلك بسبب القانون الذي يمنع اصحاب الإعاقات من الالتحاق بالمدارس العامّة على الرغم من كونه سليم عقليّاً وليس مُصاباً بأي عيب عقلي.ليتمكن لاحقاً من الإلتحاق بها بعد تغير القانون، تعرض إلى حالات من الاحباط والاكتئاب والوحدة والخوف خلال فترة صغره حيث كان يسأل نفسه: لماذا هو مختلف عن بقية الأطفال ؟ ولماذا خُلق دون أرجل وبلا أيدي ؟ مما أدى به إلى التفكير بالانتحار وهو في سن الثامنة، وفي سن عشر سنوات حاول أن يغرق نفسه لكنه تراجع عن قراره. لكن نقطة تحول جرت في حياته ليتحول من مجرد إنسان مُعرض إلى اعاقة من الدرجة الأولى إلى إنسان مُفعم بالنشاط والإيمان بالقدرة البشرية مهما كانت الصعاب.

بدأ نيكولاس بتحدي اعاقته حيث تعلم الكتابة باستخدام اصابع قدمه الصغيرة الظاهرة في اسفل جذعه ،وتعلم استخدام الحاسوب والطباعة عليه وتعلم أيضاً رمي كرات التنس والعزف على الطبل كما بدأ بالعناية بمظهره وكيفية الحلاقة وتصفيف الشعر والردّ على الهاتف وتنظيف الاسنان باستخدام الفرشاة كما تعلّم السباحة أيضاً. انتقل نيك إلى مرحلة الدراسة الجامعية ليدرس المحاسبة والتخطيط المالي وفي عامه التاسع عشر بدأ نيك بتحقيق احلامه حيث بدأ بتشجيع والتأثير بمن حوله من خلال خطاباته المؤثرة. تخرج من الجامعة و أصبح يتنقل في دول العالم ليتبنى قضايا المُراهقين ويتحدث عنها، وقد حظي باهتمام ومتابعة 3 ملايين شخص في 24 دولة في 5 قارات حول العالم.

ومن اجمل ما قال : لا أستطيع أن أصافحك باليد .. لكني قد أطلب منك أن تضمنى .. نمر أحيانا بأيام حلوة وأخرى سيئة .. لكن عندما يستهزء بنا الناس لا يجب أن نقلق أنفسنا بما يقولون فالمشكلة ليست في مظهرى لكن المهم هو جوهري..... لدي إيمان قوي، ولا أعرف اليأس أو الملل، وقررت ألا تقف إعاقتي عائقاً أمامي لتغيرني، وتعلمت أنني لست وحدي ذا إعاقة فجميع البشر لديهم إعاقات، فالخوف إعاقة، والخجل إعاقة، والتردد إعاقة،والكمال لله وحده، ولكن الأمل والثقة والإرادة هي الأشياء الأساسية التي يجب أن يحصل عليها الشخص السوي في حياته، وهذه الأشياء لا فرق فيها بين معاق وغيره، وهي أشياء لا تشتري من السوق ، يقولون إنه معوق و أقول ما من إعاقة سوى في القلب و التفكير و طريقة الحياة.

إن التأمل في حياة نيكولاس و مدى تقبله لنفسه و قدرته على التكيف مع إعاقته و تحديه لهذه الإعاقة لهو مثال حي للإرادة القوية ، و القدرة على فعل المستحيل. و ليعطينا عبرة بأن الله خلق الإنسان ووضع فيه مواهب و قدرات تتجاوز واقعه. قد يظن البعض بأن نيك لديه نبوغ أو مواهب خارقة و لكن الواقع بأن ليس نيك فقط من لديه القدرة و إنما جميع البشر يمتلكون الإرادة و لديهم روح الإبداع . الإنسان هو المعجزة الحقيقية في الكون، و الإرادة الإنسانية هي القوة الكامنة داخل الإنسان و التي تبعث على التحرك و العمل للتغيير نحو الأفضل، لولا الإرادة لما وصلنا الى ما وصل اليه العالم ، بفضل جهود الكثير من المبدعين لما تقدم العالم نحو الحداثة، قد نندهش من أبطال الرياضة لتحقيقهم أرقام قياسية في ألعابهم المختلفة، و لكن ذلك لم يأت بدون إرادة قوية هدفها الوصول الى النجاح. إن الإبداع هو نتاج القدرة على التفكير بطريقة تخالف التيار، و بإرادة قوية أيجابية تسير نحو الأمام.

إن نيك لم يستسلم مع إمتلاكه مبررا قويا لذلك ، بأن الله لم يخلقه إنسانا كاملا، لقد عرف نفسه و قبلها و إكتشف ما يقدر أن يفعله، و بتصميمه على أن يحيا حياة مثمرة أنجز أمورا قد يعجز عنها البشر الأصحاء. لقدعرف نيك رغم صغر سنه بأن الإعاقة لم تكن يوما هي إعاقة الجسد ، و إنما إعاقة النفس و إعاقة الفكر و إعاقة النظرة الى الحياة. قد يختلف نيك بمظهره عما هو مأ لوف ، و قد يشعر البعض بالشفقة عليه، و لكنه ينظر الى نفسه بأنه إنسان كامل ، و هذا هو المهم، نظرتنا الى أنفسنا ، و ليس نظرة الآخرين إلينا. لقد وثق نيك بنفسه ووثق بأن لديه قدرات تمكنه من بلوغ هدفه حتى بدون أطراف، كم من إنسان لديه أطراف كاملة و يشعر بأنه معاق لا يقدر أن يتقدم في حياته، إن الثقة بالنفس و قبولها على ما هي عليه ثم اكتشاف مواهبها تمكن الإنسان من الإنطلاق في حياته ، لا يمتلك الجميع نفس الصفات و لكن يمتلك الجميع الإرادة لإكتشاف مواهبهم و تطويرها، لم تأت الإختراعات و الإكتشافات بدون أناس آمنوا ووثقوا بقدرتهم على تحقيق هدف سعوا إليه طويلا، فلم ييأس أديسون من محاولاته المستمرة لإختراع المصباح الكهربائي ، الذي لولاه لما نعمنا بالإنارة في بيوتنا ، و لو فقد الأمل جوتنبرغ لما تمكنا من طباعة ملايين الكتب و نشرها . ولو تقاعس باستور عن عمله لما عرفنا عن التطعيم ضد الأمراض. و غيرهم كثيرون ممن أناروا البشرية الى يومنا هذا.

يقول نيك بأن قيمة الشخص ليس في شكله و إنما في جوهره، لقد استهزأ كثيرون بنيك منذ صغره لدرجة وصلت به إلى حد الإنتحار ، و لكن كل من يرى نيك و يسمع عن تجربته المؤثرة، يعرف بأن قيمة نيك أكبر من سخافات المجتمع الذي يقدر الإنسان بما يملك من ممتلكات أو لصفاته الشكلية، إن البعض يرى بأن قيمة الشخص بقيمة ما يقدم له ، فإن كان غالي الثمن فهذا يدل على ارتفاع قيمته، و هذا بالضبط يساوي الإنسان بالسلعة بحيث كلما زاد سعرها تزيد قيمتها ، و للأسف كما يرى نيك، بأن مجتمعا كذلك لا يقدر قيمة الإنسان الحقيقية لهو مجتمع مريض لأن قيمة الإنسان لا تقدر بثمن، وقد حظي نيك بزوجة جميلة تحبه و ترى فيه الإنسان الكامل، لم تطلب منه بأن يتغير تغييرا جذريا، أو أن يقدم لها كثيرا ليثبت حبه لها ، و إنما بكل تواضع قبلت فيه لشخصه ولم تنظر الى شكله الخارجي و إنما اهتمت الى الإنسان الرائع الذي بداخله ، لم يحلم نيك بأن يتزوج يوما و لكنه وثق بأن الله يعد له الأفضل، وأن إيمانه بأن الزوجة الصالحة هي فقط من عند الله.

إن الحافز الرئيسي في حياة نيك و اصراره على أن يعيش بإيجابية هو قناعته بأن الله اعطاه الأمل و الرجاء بأن حياته لها قيمة ثمينة. وأنه لم يخلق للإحباط و اليأس بإختلافه عن الآخرين، و إنما ليكون مثالا حيا على أن الله هو إله المستحيلات ، و القادر على أن يحول الشر و الضيق في حياتنا إلى خير وسلام ، لأن كل شيئ مستطاع عند الله. فمن يظن بأن حياته بدون معنى أو هدف أو أن هموم الدنيا و ضيق العيش و قلة الموارد و صعوبة الحياة هي التي تكبل يداه ، فليعلم بأن شخص في هذا العالم قد ولد بدون يدين أو رجلين قد حقق ما نظنه مستحيلا . شكرا نيكولاس فوجيسيك.