موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٣ مارس / آذار ٢٠١٦
سورية: عندما يولّد العنف رحمة

بقلم: باولو أفاتاتو ، ترجمة: منير بيوك :

<p dir="RTL">في المنطق الإشكالي للكتاب المقدس، في حكمة الصليب التي كشفت بالأَصَاغِرِ، وفي ذلك الضعف الذي، كما يقول القديس بولس أنه يصير قوة، &quot;فإن العنف الذي يمزق سورية قد صار نبعاً ومصدراً للرحمة&quot; للعائلات، وللكهنة من مختلف الكنائس والجمعيات الرهبانية. هذا ما قاله رئيس الأساقفة الماروني من دمشق سمير نصار في مقابلة مع الفاتيكان إنسايدر.</p><p dir="RTL">يرى رئيس الأساقفة أن مجتمعه يعاني من الجروح التي أصابته، كما يراه ينهض كبطل لا يكل من الرحمة والمغفرة والتضامن، في طريقة يمكن أن تعزى فقط إلى نعمة الآب. يضيف نصّار في هذا اليوبيل الخاص قائلاً: إنها الهدية من الله القادرة على أن &quot;تستخرج الخير من الشر،&quot; والتي يحتفل بها حالياً في سورية على الرغم من مشاكلها المختلفة التي لا تعد ولا تحصى، وعلى الرغم من أعباء الحزن والقلق الناجم عن الحرب الناشبة. لقد كانت شيئاً من لدن العناية الإلهية أن واجه المجتمع المسيحي المحلي وفاة الشماس كميل الذي قتل بشظايا في آذار من العام 2013. لقد جلبت وفاته للكاثوليك الموارنة طاقة روحية متجددة، والمهم بناء ثلاث كنائس صغيرة على مشارف العاصمة، في المناطق التي تحولت إلى أنقاض.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>كيف يتم التعبير عن الرحمة بين اللاجئين، وبين العائلات المشتتة والجريحة نتيجة الحرب؟</strong></span></p><p dir="RTL">هناك بالفعل إثنا عشر مليون لاجئ سوري، ويبدو أن هذا العدد قابل إلى مزيد من الإرتفاع. لقد وضعت منظمات متضامنة كل مواردها فيد التصرف، وتم إغراقها بالإحتياجات المتزايدة لهؤلاء الناس. لذا، باتت الأسرة اليوم تشكل حصن مجتمع الشرق الأوسطي، ويجب عليها استيعاب الصدمات النفسية، وتقديم الإغاثة والراحة. في مظاهرة بارزة تعكس التضامن، تقاسمت ما يصل إلى عشرين أسرة غرفة واحدة. لقد تشاركوا بالخبز اليومي، وأمور الحياة اليومية، وحتى نفس مواقع الدفن. هذه العائلات لا تسأل عن أي شيء في المقابل، حيث إنها تجسد الرحمة بصمت&quot;.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>كيف يتعامل الكهنة مع هذا الشأن؟</strong></span></p><p dir="RTL">&quot;أولاً، لا بدّ من القول أن الدور الكهنوتي، الذي يقوم به الكهنة في كل الكنائس الشرقية، قد تضاءل بشكل كبير بسبب الحرب. لكن دورهم الرعوي قد توسع فصار للكهنة دور لا يقدر بثمن ألا وهو دور &quot;الأخصائيين الإجتماعيين&quot; الذين يسهرون على خدمة الأسر الفقيرة والأكثر تضرراً. فنرى الكهنة يقدمون خدماتهم التي لا تكل، تلك الخدمات التي تبين وجه الرب الرحيم. فبدلاً من الفرار، فإننا نراهم يقبلون بشجاعة على القيام بإخلاص بالمهمة التي أوكلت اليهم اليوم، كخدام للرحمة حتى النهاية واضعين حياتهم في خطر. فالمجتمع المسيحي في سوريا قد فقد بالفعل خمسة كهنة ضحوا بحياتهم، وكرسوا أنفسهم بصورة تامة للحوار ولمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً. ولا يزال اثنان من الأساقفة والكهنة الأربعة في عداد المفقودين. فقد اختطفوا بينما كانوا في مهمة تقديم المساعدات لأناس بحاجة ماسة لها. كما أن هناك العديد من الاشخاص المكرسين الذين قدموا أجسادهم وأرواحهم لمساعدة الشعب السوري الذي يعاني من الفقر.</p><p dir="RTL">تعاني حلب الآن من عدم وجود الماء والكهرباء المستمر لفترة طويلة، فيعيش الناس على ضوء الشموع. كيف يمكن للمرء أن يعيش بدون ماء؟ بدأت بعض الجماعات الدينية بجلب المياه إلى منازل كبار السن والمرضى. ففتشوا عن المياه في الآبار التي يسهل الوصول لها، وملأوا الخزانات وأغلفة القذائف بالماء كما أوصلوا عشرين لتراً من المياه إلى كل بيت. هناك دعوات &quot;لمطابخ القلوب المستعدة لتقديم الحساء&quot;، كما يطلق عليهم، لإعداد الطعام للمحتاجين. فهم شريان الحياة بالنسبة للكثير من المرضى الذين يعيشون الوحده، ومن الضعفاء. وإلى جانب المساعدات الإنسانية، يقدم المؤمنون الدعم النفسي والروحي فيمنحوهم الراحة النفسية والروحية. إنهم يقدمون لهم الراحه ويساعدون الناس على التغلب على صدمات الحرب. فعلى سبيل المثال، هناك في دمشق فرق متخصصة تقدم الدعم النفسي للأطفال الذين يعانون من الصدمات النفسية نتيجة للحرب وللعنف. إنهم يتألفون من أطفال من جميع الديانات الذين يتلقون نوعا من &quot;إعادة ترسيخ مفهوم السلام&quot;. إنهم يتعلمون ما يعنيه العيش معاً بسلام وتقبل الاختلاف. هذا هو مشروع رائد يكشف عن جهود الكنيسة الصامتة كما يمثل مسار للمستقبل. وهناك الجمعية اليسوعية التي توجه جهودها نحو الشباب، الذين يعزمون اليوم أكثر من أي وقت مضى على مغادرة البلاد، بتقديم الدعم لهم في هذا الوقت الذي يتميز بالضيق وبإقناعهم بالبقاء&quot;.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>هل هناك أي مبادرات جديرة بالملاحظة تعود بالنفع على السكان؟</strong></span></p><p dir="RTL">&quot;هناك العديد من المبادرات التي تسير بصورة سرية بعيداً عن أضواء وسائل الإعلام، مثل النشاطات التي تقوم بها ﺟﻣﻌﻳﺔ اﻟﻘدﻳس منصور دي ﺑوﻝ، والأخويات المريمية، ودور الأيتام، والجماعات الدينية، والكهنة، والعلمانيين الذين ينتقلون من مكان إلى آخر بلا كلل في أماكن تكتظ باللاجئين. من خلال هذه الإندفاعية للقيام بالأعمال الخيرية، التي تدل على التعاطف تجاه الآخرين، تحتفظ الأسرة بدور مركزي. إنها دلالة قوية ودائمة على روعة الرحمة، وهو ما جعل الكنيسة والدولة تمضيان قدماً&quot;.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>هل هناك شخص ما تود أن تذكره على وجه الخصوص؟</strong></span></p><p dir="RTL">أود أن أشير إلى &quot;حركة الإخوة&quot; التي أسسها اللعازري الأب بولس في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1967. فكان أن أسس، بمساعدة الأخوة الآخرين، مركزاً لإنتاج الأطراف الاصطناعية للمعاقين. كانت هذه ضمن الحركات الأوائل التي استجابت لهذا الصراع الذي لا يرحم والذي ينفث على أساس يومي عدداً من الجرحى والمشوهين. ففي شراكة مع دوائر خيرية تعمل مع رعايا الكنائس، تعهدت الحركة بإعادة تأهيل الجرحى والمشوهين، وبتقديم لهم فترة من الزمن يستطيعون من خلالها الحصول على الراحة. هذه هي صورة &quot;السامري الصالح&quot;، الذي جسده الأب بولس في سوريا، إنها &rsquo;عبقرية القداسة&lsquo; الحقيقية.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>كيف جاءت الفكرة لبناء ثلاث كنائس جديدة، وما هي أهمية ذلك؟</strong></span></p><p dir="RTL">&quot;بالنسبة لنا هي ردة فعل سلمي للحرب والدمار. لقد كانت لفتة تمت باسم المسيح. فالكنائس هي علامة على وجود جماعة يقظة لا تزال على قيد الحياة. تم تدشين الكنيسة الأولى، الذي أطلق عليها اسم شهداء دمشق لعام 1860، في بداية هذا العام. وسيتم الانتهاء من اثنتين آخريين في الأشهر المقبلة. أنني &nbsp;متأثر لمعرفة مدى الرعاية والإدراك التي تتميز به الكنيسة المارونية من خلال إقامة هذه المشاريع الثلاثة التي تشكل علامة ملموسة بالأمل والثقة في مستقبل الكنيسة في سوريا في سنة الرحمة هذه. كما حرصنا أيضاً على إقامتها في ذكرى الشماس كميل الذي قتل بعد إصابته بشظايا في محيط كنيسة في آذار من العام 2013. وبعد ذلك الحادث، قلت للكهنة أن لهم الحرية في اتخاذ القرار بمغادرة المدينة. ولكن أجابوني قائلين: إذا قررت البقاء، فإننا سنبقى هنا معك. فمهمتنا تحت القنابل مستمره وذلك علامة على شهادة الإيمان الذي يرفض الموت&quot;.</p>