موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٣ مارس / آذار ٢٠١٨
د. شارلي أبو سعدى يكتب: ’من انتصر.. الاحتلال أم كنائس القدس؟‘

د. شارلي يعقوب أبو سعدى :

في خطوة تصعيدية وجريئة قام بطاركة القدس بإغلاق كنيسة القيامة لمدة ثلاثة أيام متتالية احتجاجًا على التصعيد الخطير الذي قامت به سلطات الاحتلال اليمينية الفاشية المتطرفة، والتي تسعى وبشتى الطرق والوسائل غير القانونية إلى السيطرة الفعلية على الممتلكات المسيحية في القدس العربية. وقد ارتكزت بلدية الاحتلال مؤخرًا على مبدأ أن اعفاء الكنائس من دفع ضريبة الأملاك ينطبق فقط على العقارات التي تُستخدم في العبادة، كما تدّعي أن الكنائس تمتلك تلك العقارات التي تستخدم للأغراض السياحية والمدارس وغيرها من العقارات التجارية التي يجب بالتالي أن تدفع البطريركيات الضرائب عنها.

وكان مندوب الدولة الجديدة قد قام بعيد الاحتلال بالالتزام بالحفاظ على الوضع القائم في المدينة المقدسة وعدم المساس به. كما سعى ويسعى الكرسي الرسولي في روما (الفاتيكان) إلى ضمان احترام الاحتلال للوضع القائم. ناهيك عن عشرات القرارات الدولية المتعلقة بالقدس والتي تدعو إلى عدم تغيير الوضع الراهن. أمّا رؤساء كنائس القدس فقد عبروا مراراً وتكراراً عن عدم رضاهم من الانتهاكات الكثيرة والخطيرة التي تتعرض لها المدينة المقدسة.

وبعد ثلاثة أيام أعلن رئيس وزرائهم تجميد قرارات بلدية القدس، وتأجيل مناقشة القانون المتعلق بفرض الضرائب والسيطرة على ممتلكات الكنائس. كما أقرّ بتشكيل لجنة مختصة لمتابعة القضايا المختلفة والمختلف عليها وصياغة حل بين الطرفين. وعندئذ أعلن رؤساء الكنائس إعادة فتح أبواب كنيسة القيامة. فهل انتصر رؤساء الكنائس الثلاثة؟

المستغرب في الأمر أن إسرائيل خضعت أو تظاهرت بالخضوع لضغط الكنائس، مع أنها لم تخضع يومًا لقانون أو طلب من الكنائس (في قضية المدارس العالقة حتى اليوم مثلا)، أو لأي قرار دولي. السر في ذلك أن إسرائيل لا تتراجع عن قراراتها، بل تؤجلها، كما فعلت في هذه المرة. وستعود إلى تنفيذ قراراتها غدًا أو بعد غد، وقد يكون غد لناظره غير قريب، بالنسبة لنا. وأما إسرائيل فتراه.

مقدمة مشروع القانون في الكنيست تدعى راشيل أزاريا. البعض منا يعتقد أن لا دراية لها بتاريخ الأرض المقدسة ولا حتى بالاتفاقيات الأخيرة بين الكرسي الرسولي ودولتها. أخالفكم الرأي تماماً. إن ما حدث يجب قراءته على ضوء ما يتم منذ النكبة حتى يومنا هذا، مروراً بالعام 2014 عندما أقرّ الاحتلال بما يسمى بيهودية الدولة، حتى عملية إعلان القدس الشرقية عاصمة للاحتلال بغطاء ترامبي. إن اليميني نتنياهو لن يغفل له جفن حتى يضم كامل أجزاء الضفة الغربية، وهذا ما يعمل عليه ليل نهار في ظل عجز فلسطيني وصمت عربي في خضم ما يسمى بالربيع العربي وصفقة القرن الصهيونية الأمريكية التي يسوِّقها العرب أنفسهم.

فهل سيجلس رؤساء الكنائس مع لجنة نتنياهو؟ وعلى ماذا سيتفاوضون؟ إن نتنياهو قادر وبكل سهولة على الاستغناء عن المعاهدات والاتفاقيات الموقعة منذ مئات السنين وتمرير معاهدات جديدة. وماذا سيكون دور الدولة التي لها الباع الطويل والخبرة والحنكة في المفاوضات والعمل الدبلوماسي أي الفاتيكان؟

على رؤساء الكنائس الاستعداد لمعركة مستمرة مع الاحتلال. معركة طاحنة وصعبة سيسعى خلالها الاحتلال إلى ابتزازهم كما فعل في مرات سابقة. فهل سيصمدون أمام الطوفان والطغيان؟

هل انتصرت كنائسنا وهل نستطيع التحدث عن ثورة كنائس القدس؟ لا، لم ننتصر ولن تحدث الثورة، بل نتحدث عن هدنة وعن أسلوب من أساليب المقاومة السلمية. هدنة قد تستغرق شهوراً أو سنوات عدة. والنتيجة أن تجميد مثل هذا القرار لا يكفي، وعلينا العمل على إبطاله مهما كلف ذلك. ولكن من هو القوي، أو ما هي القوة التي تستطيع ذلك؟ فمن سيصمد نتنياهو أم البطاركة؟ مع العلم أن الأول قد يتم سجنه. ولكن، ولو سجن هو، سيأتي خلفه لينفذ ما تقرر تأجيله. وأما الغرب في وجه إسرائيل فهو أضعف من ضعيف. وهو لا ينصت لصوت الحق والعدل، وكنائس العالم كذلك لا تستطيع عمل الكثير.

ومع ذلك نحن المسيحيين تبقى لنا قوة، قوة الإيمان الذي "يحرك الجبال"، هذا إن آمنا بالله وبأنفسنا. الظاهر أن إيماننا لم يبلغ بعد هذا المستوى وملحنا أضحى قليل الملوحة وخميرتنا أصبحت فائدتها أقل. هذا الظاهر. ولكن ما يعلمه الله لا نعلمه نحن، ويريد الله لنا أن نعمل أي أن نجدد إيماننا ليتجدد النور فينا، ولنعرف أننا أقوياء وقادرون. وعلينا أن نثق بأنفسنا، وأن نعمل أولا، ونتكل على الله، فهو القادر على تغيير الناس وقلوبهم. ونعم لتقوية الإيمان ولقوة المحبة، وللثورة السلمية وللقدس عاصمة لنا.