موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الخميس، ٣ سبتمبر / أيلول ٢٠١٥
دماء الطفل إيلان الكردي "تصرخ من الأرض" والبحر إلى السماء

الأب د. بيتر مدروس :

يعصر الألم الفؤاد البشريّ لدى رؤية الطّفل السّوري إيلان اللاجىء جثّة هامدة على شاطىء بلدة "بودروم" التّركيّة. وأمثاله كثيرون: من كبار وصغار: يهربون من الموت إلى الموت ومن الدّمار إلى الضّياع. ويذكر المرء هنا هيرودس الكبير نصف الادوميّ نصف العبريّ الّذي امر بقتل أطفال بيت لحم وانتهى به الأمر أن اغتال حتّى عددًا من أنجاله أو اوعز بتصفيتهم! وينضمّ هكذا إيلان إلى قافلة الأطفال الذين ارادهم الله "أبناء الحياة" ورشقتهم بالموت القاسي العنيف سهام بشر أشرار.

ومنذ عقود تُذكّرنا بإصرار وتكرار السّدّة البطرسية اي البابوات في الفاتيكان بأنّ أوّل قتل للأطفال يتمّ عن يد والديهم أو منجبيهم، عن طريق الإجهاض. والكنيسة الكاثوليكية صارمة جدًّا إذ تحرم كل من يقوم بالإجهاض. ومن جهة أخرى لا تسمح للكهنة بحلّ هذه الخطيئة في كرسي الاعتراف بل للأساقفة، إلاّ استثنائيًّا في "يوبيل الرحمة" الذي سيبدأ في الثامن من كانون الأول ديسمبر المقبل لمدّة سنة.

وطبعًا، يكرّر المرء من هذا المنبر سؤالاً بل سلسلة من الأسئلة التي لا يجد لها جوابًا تثيرها مشاكل ومعضلات وتعقيدات لا يجد لها الإنسان حلآًّ، على الأقل بيننا وعندنا نحن المواطنين الصغار البسطاء الذين لا حول لهم ولا حيلة. من المسؤول عن دم إيلان؟ والآن نرى أنّ المسؤولين "أكثر" من جهة وأكثر من حكومة وأكثر من دولة وأكثر من فكر واحد وأكثر من هدف واحد وأكثر من مستفيد واحد. أمّا الوفيات والأضرار فلا حصر لها.

القتل المعنويّ للأطفال: اقتلاع جذورهم في بعض المناهج التدريسيّة

ويخلط المرء هنا حديثًا بحديث. فالقتل المادّيّ واضح مفضوح، والقتل المعنويّ خفيّ ينخر في عظام العقل ويفني الشخصية والهويّة ويقتل الكيان والأوطان. وصدق العبريّ دانيال بار طال عندما كتب: "أهمّ عامل نفوذ على الإنسان هو ما يتلقاه في المناهج الدراسيّة". وأدرك عبرانيون آخرون في منصب المسؤولية هذه الحقيقة. وفي مقال ثمين هادف لفت الاستاذ راسم عبيدات، من منبر صحيفة "القدس" الأغرّ، انتباه القرّاء وسائر المواطنين إلى أخطار محو الهوية الفلسطينية ولا سيّما المقدسية في مناهج وزارة المعارف العبريّة في مدارس القدس ولا سيّما الحكوميّة.

جيّد أن يعرف "ابناء عمّنا" العبرانيّون أننا نحن معشر الفلسطينيين لا نؤيّد قتل اليهود الأبرياء في المانيا النازيّة. ولكن يحقّ لنا كفلسطينيين أن يعرف أولادنا وبناتنا تاريخنا نحن، لا تاريخ شعب آخر، ويتعلّموا أيضًا عن كياننا نحن ولا أن يمحو الآخر كياننا كما لا نريد نحن أن نمحو الآخر. اعتراف متبادل بين شعبين يعيشان على نفس الأرض!

ومن غرائب منهاج عرب سنة 1948 ما ورد للصف السادس، وأحسب أنّ الكلام أتى في ص 135 إن لم تخنّي الذاكرة مع تقدّم العمر. المسيح ابن مريم! حسن إيراد ذكره كشخصية تاريخية. ولكن يبدو أنّ النص لم يُكتب اصلاً بالعربيّة بل نُقل أو "تُرجِم" كما تقول العامّة من العبريّة. يُقدَّم المسيح يسوع (عيسى) في إطار المقاومة العبريّة للاحتلال الرومانيّ، وكأننا به من أمثال المكابيين أو "باركوخبا" (من 132-135م). هذا التقديم خاطىء مشوّه لرسالة السيد المسيح الذي أعلن للوالي الروماني بونطيوس بيلاطوس من غير لفّ ولا دوران: "ليست مملكتي من هذا العالم" (يوحنّا 18: 36).

خاتمة

قال زهير بن أبي سلمى: "لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده، فلم يبق إلاّ صورة اللحم والدم".

أولادنا الذين فقدوا هويتهم العربية الفلسطينية ظلّ منهم فقط اللحم والدم، والصّغير إيلان واشباهه فقدوا حتّى اللحم والدم مع أنّ "في الله الحياة، والحياة نور الناس، والنور يضيء في الظّلمة". نسأل العليّ القدير أنّ يخلّصنا برحمته وعدله من الظلم والظلمة فيكون لنا "نور الحياة"!