موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ٧ يونيو / حزيران ٢٠١٨
حقوق المرأة:‎ أما آن لقوانين الظلم أن تزول؟

واسيني الأعرج :

كلما تعلّق الأمر بالمرأة، كثُر الجدال والسجال واستفحلت الخلافات، وتفرع النقاش كثيراً قبل أن يهرب في كل الاتجاهات، من دون جدوى الحصول على نتيجة. قل لي ما هو وضع المرأة في بلدك، أقل لك الحالة والمآل. أعتقد أن هذا الكلام صحيح في جوهره. وضعية المرأة هي مقياس ومؤشر للأوضاع الكلية.

مأساة تخلّف المجتمعات العربية سببها الجوهري هو أن وضعية المرأة لم تحل أبداً. وكل البلدان العربية تتشابه في هذا الموضوع.

منذ قرون ونحن ندور حول أنفسنا، مثل الكلب الذي يحاول عبثاً أن يعض ذيله. لا يوجد أي اجتهاد في المجال القانوني، والعلمي، ولا حتى الديني الذي يوفر سبلاً اجتهادية كثيرة للمساواة بين المرأة والرجل. هناك تناقض فادح بين الدساتير العربية التي تؤكد في معظمها على هذه المساواة، لكن عملياً لا يوجد شيء من هذا.

بل الظلم واللامساواة هما المتسيدان. ولا يزال الذكر سيد المشهد الاجتماعي حتى ولو كان قاطع طرق، أو نصاباً، أو عاطلاً. سيظل حق الأنثيين حقاً مكتسباً وخالداً. يجري عليه الشرع؟ حتى ولو عاكس القانون والطبيعة الإنسانية العاقلة. لا شرع في هذا الموضوع تحديداً خارج العقل، والتبصر، والعدالة والحب.

الشرع للحق وليس لتأصيل القهر. لهذا يصبح الاجتهاد أكثر من ضرورة تاريخية. وهذا الوضع لا أحد يصلحه فعلياً إلا الدولة القادرة على مسح هذا التناقض المخيف بين القانون والواقع الموضوعي والدين. لا يزال للذكر حق الأنثيين، مع أنه بشيء من الاجتهاد الديني الخلاق يمكن تخطي هذه المعضلة نهائياً. كل شيء معطل باسم تفسيرات مغلقة لا تقدم، بل تؤخر، وتجعل الحالة تركن في مكانها. المصيبة هي أن هذه الحالة ليست جديدة، ومع ذلك لا اجتهاد|، ولا عمل ولا درس فيها. لا يمكن أن تظل المجتمعات العربية تسير على رجل واحدة: الرجل. يمكننا أن نقول ونبرر كما نشاء، لكن كل الأديان مجتمعة، بما في ذلك جمهورية أفلاطون المثالية، حمّلت المرأة وزر الخطيئة الأولى.

الدراسات الأنثروبولوجية جعلت منها ضحية مطلقة، وهو أمر صحيح. اليهودية جعلت من الذكر يشكر الله على أنه لم يولد إمرأة نظراً للصورة البشعة التي أحيطت بها. التلمود حاول النظر إلى هذه الأمور بذهنية ذكية وأكثر انفتاحاً. ويتعلق الأمر هنا ليس بجزئه الأول يعني الميشناه، ولكن بالجانب الاجتهادي البشري، الجيمارا الذي يتعلق بتعليقات واجتهادات الحاخامات حول التشريعات اليهودية. العنصر البشري له دور أساس في التأويل وترهين التفسيرات الدينية لتستجيب للعصر. في الإسلام، للأسف، كل اجتهاد تم قتله في البيضة بحجة الخوف على تضييع الإسلام. المؤسسة الدينية لا تزال مغلقة وأغلبها مرتبط بأنظمة لا تنجب إلا الهزيمة. فتعيد في كل حقبة إنتاجها وتعليبها. المسيحية حمّلت المرأة الخطيئة الأبدية. الإسلام، بلا اجتهاد فعلي وحقيقي، أو بالتفسيرات الضيقة، يبدو قريباً من الديانات الأخرى في قضية المرأة. المحصلة واحدة. المرأة هي الشيطان الرجيم، وحيكت حولها قصص ونصوص أغلبها لا جذور فعلية لها. الكثير من النصوص التراثية والأمثال لا تخرج عن هذا الظلم أو النظرة القاصرة للمرأة.

نشربها مع حليب الأمومة لدرجة أن الموقف من المرأة، الأم الأخت والحبيبة إن وُجِدتْ، أصبح ردة فعل أكثر منها تأملاً وتبصراً. لا تحتاج حتى إلى أي تفكير. لأن هذه العقلية أسست على التصورات البشرية. بل ووفرت مساحة واسعة للحركات الإسلاموية لتدخل من خلالها وتدمر المجتمعات الإسلامية بسلاحها الذي صنعته ثم منحته لها لتطلق عليها رصاصة الرحمة. الحركات الإسلاموية المتطرفة أصبحت سلاحاً قاتلاً ضد العقل العربي الذي بإمكانه أن يخرج هذه الكتل المجتمعية من دائرة التخلف. الكتابات الأدبية التي حاولت المساواة، وهي صادقة في ما فعلته، خلقت نظرة لا تقل عن النظرة الدينية، أي لاتاريخية. تنظر بقداسة كبيرة إلى المرأة، بينما عملياً ليس هذا هو المطلوب. النظرة المتداولة أدبياً لاتاريخية، أي تخرج الكائن عن شرطيته الاجتماعية المساعدة أو القاهرة، وتفتح أمامه عوالم زرقاء مثالية لا تحل مطلقاً مشكلة المرأة. استلمت الحركات السياسية العربية تحديداً هذه الأفكار المثالية وبنت عليها كل تصوراتها الرومانسية التي ترى في المرأة حالة من التقديس.

ونعرف جيداً أن الديانات فعلت الشيء نفسه لكن بشكل مقلوب. الجوهر هو هو. عزل قضية المرأة عن أي سياق إجتماعي أو فردي يغرقها في اللاجدوى. تواجهنا إمرأة جميلة. نقية. طيبة ورائعة. العاشقة والمعشوقة الاستثنائية. وفي النهاية وجدنا أنفسنا أمام إمرأة لاتاريخية، لا نعرف لها أية دلالة رمزية، باتجاه استرداد حق مسروق. المرأة العربية مظلومة اليوم كلياً، وتحتاج إلى من يعيد لها حقها المداس وهي الضحية المثلى.

أول شيء تغيير النظرة لها، من مثالية لاتاريخية إلى الاقتراب من واقع يحتاج إلى تغيير وإلى مدرسة يجب أن تلعب دورها الإيجابي في التعامل مع المرأة. النظرة التاريخية تقول إن المجتمعات الإنسانية، والعربية منها، مخترقة بنماذج نسوية إيجابية، لكن هناك أيضاً نماذج سلبية. النظرة التقديسية هي نظرة عاجزة في جوهرها. في العالم النسوي توجد الملائكة والشياطين. توجد المرأة الظالمة، المعقدة، المتسلطة على الناس، والمريضة نفسياً، وتوجد المظلومة، المنهكة والمنتهكة الحقوق. آن لقوانين الاستهانة والظلم أن تتغير نهائياً.

(القدس العربي)