موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٥
جوقة القديس فرنسيس في كنيسة اللاتين بدمشق ترنم للمحبة والسلام
دمشق - أبونا :

بمناسبة عيد يسوع الملك، أحيّا كورال القديس فرنسيس الأسيزي أمسية ترانيم وأغاني شعبية من أجل السلام في سوريا، في الكنيسة اللاتين بباب توما، وسط العاصمة دمشق، بحضور السفير البابوي في سورية رئيس الأساقفة ماريو زيناري، والنائب الرسولي لسورية المطران جورج أبو خازن، ومطران الكنيسة المارونية سمير نصّار، والرئيس الأقليمي للرهبان الفرنسيسكان في سورية ولبنان والأردن الأب سيمون حرّو.

وفيما يلي الكلمة التي ألقاها الأب حرّو في هذه المناسبة:

ليس السلامُ غِيابَ الحربِ فقط، ولا هو مبني على توازن القوى المتعادية. ولا يمكن أن يكون ثمرة لسيطرة ظالمة أو لاحتلال عسكري أو لمجموعات مسلحة فاسدة. السلام هو ثمرة نظام وضعه الله في المجتمع البشري وفي نفوس كل الناس. هو قبل كل شيء ثمرة العدل. وهو ثمرة الحقيقة والحرية والمحبة التي تقدر أن تصنع أكثر مما يمكن أن يصنعه العدل وحده. السلام يفترض المحافظة على ما هو خير للأفراد والشعوب على السواء، ويقوم بالاحترام المتبادل لحرية الجميع وحقوقهم وحدود أراضيهم وكامل سيادتهم عليها.

للسلام صلة مباشرة بالله، لأنه هو في ذاته كمال السلام والمحبة، وهو خالق الجميع، ويريد أن يشركهم في حياته السعيدة. وقد أرسل إلينا كلمته ابنه الوحيد لكي يجمع البشر في أسرة الله الواحدة، ويعيد إلى الوحدة الأبناء الذين شتتتهم الخطيئة وجعلتهم أعداء بعضهم لبعض. يسوع المسيح كلمة الله هو سلامنا وصلحنا. هو الذي قتل الضغينة في جسده. لهذا يُرَنِّمُ جوقُ الملائكة ونحن معهم، يومَ مولد الطفل يسوع في مغارة بيت لحم، قائلين ومنشدين: "المجد لله في العلى والسلام على الأرض للناس ذوي الإرادة الصالحة".

الرب يسوع، بعد أن قهر الموتَ والشرَ وقامَ من بين الأموات، استطاع أن يبشرَ تلاميذَهُ بالسلام، وأن يمنحه لكل من آمن به: "سلاماً أترك لكم، وسلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالمُ أعطيكم أنا. فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع".

فالسلام هو قبل كل شيء هبة مجانية من الله. والسلام الحقيقي بين الناس المؤسس على العدل والمحبة هو صورة وانعكاس ونتيجة لسلام الله. من ناحية أخرى، السلام هو مهمة عهد الله بها إلينا لنبحث وندافع عنها في كل لحظة من لحظات حياتنا اليومية. فهو خير يجب أن نجدَّ السعي في طلبه وفي الدفاع عنه. ولذلك فهو لا يتحقق كله مرة واحدة، بل هو ثمرة جهاد مستمر. العمل من أجل السلام هو تتميم مشيئة لله في التاريخ البشري الذي نصنعه ونعيشه. من آمن بالله وأحب الرب عمل على محبة جميع خلائق الله, وسعى مع الجميع لبناء السلام، على مثال القديس فرنسيس الأسيزي، رجل الله ورجل السلام.

فلنصل أحبائي إلى الله مع صلاة الطوباوي البابا بولس السادس، طالبين رحمته وسلامه من أجلنا ومن أجل بلادنا ومن أجل العالم أجمع، ولاسيما من أجل سوريا الحبيبة، قائلين: أيها الربُّ إلهنا، يا مُحِبَّ السلام، أنتَ خلقتَ البشرَ أجمعين، وأظهرتَ لهم حُبَّكَ العظيم، فتبنَّيتهم وجعلتَهم شركاءَ لك في مجدِكَ. أنتَ أرسلتَ إلينا يسوعَ ابنك، وبذلتَهُ عنَّا فادياً، ففتح لنا بقيامته المجيدة بابَ الخلاص، وفجَّرَ ينابيعَ السلام، ووثَّقَ عُرى الأخوة. فلك منا الحمدُ والشكرُ على الدوام. إنَّ روحَك الذي هو روحُ سلام، ما انفكَّ، في أيامنا هذه، يبعثُ بينَ البشرِ رغبةً شديدة، وجهداً متواصلا، وفِعالآً مشجِّعة، حتى يزيل البغضاء بالمحبة، وينفي الخصام بالوئام ويغلب التخاذل بالتعاون. فلك منا الحمدُ والشكرُ العميم. أنر عقولَنا، وأرشد قلوبَنا إلى أن نُحبَّ جميعَ الناسِ محبةٍ خالصة، فنصيرَ ممَّن يعملونَ على بناءِ السلام، وتوطيد أركانِه في الأرض كُلِّها. يا أبا المراحم، أُذكر جميعَ الذين يجاهدونَ ويتألمونَ ويبذلونَ أنفسَهُم، في سبيل إنشاء عالمٍ جديد، تسوده الأخوة الصادقة. إنَّ ملكوتَك ملكوتُ عدلٍ وسلامٍ ومحبة. فاجعله يستقرُّ بين البشر، مهما كانت مِلَلُهُم ولغاتُهم، فتستنير الأرضُ كُلُّهَا بضياءِ مجدِكَ السماوي. آمين.

إخوتي الأحباء، نحن هنا باقون، وعلى تراب هذه الأرض صامدون. هذه هي رسالتنا وهذه هي إرادة الله لنا أن نولد هنا، وأن نعيش هنا، وأن نموت أيضاً هنا. فإن حيينا فللرب نحيا، وإن متنا فللرب نموت. فسلام الرب، ملك الملوك، يحل فيكم أحبائي ويسكن قلوبكم وتكونوا من دعاة الحب والسلام على مثال أبينا القديس فرنسيس الأسيزي.