موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٨ يونيو / حزيران ٢٠١٥
تطرف وكراهية يهدداننا

إبراهيم غرايبة :

نقلاً عن "الغد" الأردنية

"الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"

ثمة حاجة لمزيد من الاهتمام والتحليل لما ينشر في فيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي بعامة، وأكتب اليوم بمناسبة التعليقات على مقالتي بعنوان المسيحية اكثر الأديان أتباعا (الجمعة 26 حزيران 2015) على صفحة الغد في فيسبوك، حيث تدفقت مئات التعليقات والردود على التعليقات على نحو يدعو إلى القلق والتساؤل كيف؛ نضمن ألا يحدث في بلادنا ومجتمعاتنا مثل ما يحدث في بلاد أخرى؟ وبهذه المناسبة أيضا أذكر أن السفارة البريطانية في عمان أعلنت عن حاجتها لمحللين لاتجاهات التواصل الاجتماعي، وتمنيت لو كنت في مقتبل العمر فأعمل محللا لشبكات التواصل الاجتماعي والاتجاهات الاجتماعية والسياسية الممكن التعرف عليها لدى الأفراد والمجتمعات، وأظن أنه يمكن معرفة الكثير جدا، بل وبناء وحدة إنذار مبكر تدلنا على التطرف والكراهية والاكتئاب والنزعة إلى الانتحار والجريمة إضافة بالطبع إلى فرص المواهب والإبداع والعمل الجماعي والإصلاح والتنمية.

فوجئت بحجم ومستوى التعليقات على مقالتي في الغد المليئة بالكراهية والتعصب برغم ان المقالة معلوماتية ذات طابع تاريخي تهدف الى تزويد القارئ بقدر من المعرفة، كان سبب الغضب (الإسلامي) هو عرض الآية القرآنية في مقدمة المقالة "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" والقول إن المسيحية هي الدين الأكثر أتباعا في العالم، وقد صدمني شعور فئة من الناس بالوصاية على الله عزّ وجلّ (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا) وعلى القرآن الكريم، والرغبة الملتبسة بالتدين لإعادة فهم القرآن الكريم وفق مخزون هائل من الكراهية والجلافة يحسبها أهلها تدينا.

كيف يمكن تصور التسامح والتعايش في بلادنا؟ من يقرأ التعليقات يتأكد انه ما من تماسك اجتماعي في مجتمعنا يكفي لحماية المواطنين من الكراهية، بالرغم من صحة الردّ والقول إن هؤلاء أقلية، ولكنهم أقلية تكفي لبث الرعب والقلق، ففي كل المجتمعات والدول التي تعاني من التطرف والانقسام الاجتماعي يشكل المتطرفون فيها أقلية، ولكنها أقلية حيوية نشطة يمكن توظيفها وتعبئتها.. وأسوأ من ذلك يمكن أن تخرج من بينها جرائم فردية (الذئب المتوحد) مرعبة، وأسوأ من ذلك هو الحالة التي يمكن استنتاجها عن التماسك الاجتماعي وفرص بناء مدن ومجتمعات مستقلة في بلادنا، فإن نجونا من الإرهاب فليس سهلا أن ننجو من الهشاشة الاجتماعية وضعف المناعة؛ ما يجعل الحديث عن الديمقراطية الحقيقية المؤثرة في التنمية والمصالح والأعمال هدفا بعيد المنال!

كيف ينظر المواطن المسيحي الى مستقبله ووطنه في ظل هذه الكراهية؟ فلا يكفي أن تكون السلطة السياسية القاهرة والمزودة بالقوة الأمنية هي الضمان الوحيد لتطبيق القانون وسيادته وحماية حقوق الناس ومنعهم من الاعتداء على بعضهم بعضا، وهذا أمر محزن ومؤسف لأنه وبصراحة لا يكفي ذلك لحماية الوطن والمواطنين والاطمئنان على مستقبل أطفالنا ووجودنا، صحيح أنه شرط ضروري لا يمكن حماية المواطنين وتطبيق القانون بدونه، ولكن ذلك لا يكفي، وسيظل مثل جدار مليء بالثغرات مهما كان صلبا ومتماسكا! فلا يمكن ان يشعرنا بالاطمئنان على وجودنا ومستقبل أطفالنا سوى تماسك اجتماعي يكفي لنزع الكراهية وبناء حياتنا معا كمواطنين .. وأن نستمع الى بعضنا بعضا.

ثمة نقص معرفة برغم الإتاحة الهائلة في تدفق المعلومات والحصول عليها، فما نزال لا نعرف بعضنا بعضا، لأننا ببساطة لا نستمع لبعضنا، وربما لا نسمع إطلاقا (إنهم عن السمع لمعزولون).. كأننا روح خائفة هائمة.. لا يمكن أن تحل أرواحنا فينا هادئة مع هذه الكراهية، فالروح التي نفخها فينا الخالق المتسمي بالسلام لا تطيق الكراهية.