موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٠ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
بطريركيتا صربيا وانطاكية: الكنائس الأرثوذكسية المستقلة مهددة بفعل قرارات أحادية

الوكالة اللبنانية للإعلام :

 

عبرت كل من بطريركية صربيا الأرثوذكسية وبطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس عن قلقهما "الكبير أمام خطر التباعد والانقسام والانشقاق الذي يتهدد اليوم الكنائس الأرثوذكسية المستقلة، بفعل قرارات أحادية الطابع"، معتبرتين أن "المرحلة التاريخية الحالية حساسة ودقيقة وصعبة جدًا، وتتطلب أكثر من أي يوم مضى، الكثير من الحكمة والتروي والدراية واليقظة الروحية من أجل الحفاظ على سلام الكنيسة الأرثوذكسية ووحدتها".

 

وأكدتا في بيان مشترك أن الكنيسة الأرثوذكسية "هي كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، وليست اتحاد أو كونفدرالية كنائس، منفصلة عن بعضها البعض، تتعامل مع بعضها البعض من منطلقات مصلحية، وتظهر للعالم كمجموعة كنائس تتنازع وتتخاصم وتتباعد"، محذرتين من أنه "لا يمكن للوضع الخطير الحالي في العالم الأرثوذكسي الناشئ في أوكرانيا، أن يستمر من دون أن يؤسس لحالة انقسام دائمة بين كل أعضاء العائلة الأرثوذكسية الواحدة".
 

وفيما يلي النص الكامل للبيان المشترك:

 

"تأتي الزيارة التاريخية لبطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي للكنيسة الأرثوذكسية الصربية، الأولى منذ زيارة البطريرك الأنطاكي ثيوذوسيوس السادس "أبو رجيلي" لبلغراد، في ظل الأوضاع الصعبة والمؤلمة التي تشهدها الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية في سوريا ولبنان والشرق الأوسط، كما في خضم الأزمة التي تعيشها الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة اليوم، حيث التطورات المتسارعة والمقلقة التي تنبئ بتداعيات سلبية على رباط الشركة والسلام والوحدة بين الأخوة.

 

1. كانت هذه الزيارة مناسبة أخوية هامة للقاء الأخوة ومعانقة كنيستي أنطاكية وصربيا بعضهما بعضا، وللتباحث حول العديد من الأمور التي تشكل قاسما مشتركا لشهادتهما وخدمتهما في عالم اليوم المتأزم، وللتشاور الأخوي بينهما حول الأوضاع الأرثوذكسية العامة وطرق رأب الصدع بين الأخوة وضرورات تثبيت مناهج الشورى والتوافق بين الكنائس الأرثوذكسية المحلية.

 

2. لقد كانت المباحثات بين الكنيسيتين على درجة عالية من روح الأخوة والمحبة والسلامية والشفافية الكنسية، بحيث استندت النقاشات إلى المقاييس الكنسية الصحيحة المنزهة عن الأحادية والمصلحية، مما أنتج توافقا وتناغما بين الكنيستين. فاستعرض الوفدان أوجه التشابه في التجربة التاريخية لكل من الكنيستين الصربية والأنطاكية، بحيث أن كلا منهما تعتبر كنيسة "شاهدة" و"شهيدة"، لا زالت، بالرغم من المعاناة والصعاب، تشهد للحق والمسيح في مجتمعها الأصيل وفي العالم. تناولت المباحثات العلاقات المشتركة بين الكنيستين وطرق تفعيلها وتوطيدها. وجرى التأكيد على أهمية تفعيل هذه العلاقات على صعد عدة لاهوتية كنسية أكاديمية ثقافية إلخ. وجرى التأكيد على زيارة سلامية قريبة لغبطة البطريرك إيريناوس لبطريركية أنطاكية.

 

3. استعرض الوفدان السعي الذي تقوم به الكنيسة الصربية أمام كل المحافل من أجل الحفاظ على إرثها التاريخي والروحي والوطني، بالأخص في المتوخيون كوسوفو، الذي يعتبر الحاضنة التاريخية للكنيسة الصربية. أكد الوفدان على أهمية دعم هذا السعي، من خلال احترام مبادئ حقوق الإنسان ومقاييس التعايش السلمي بين الحضارات والأديان والقوانين الدولية، لما لهذا الإرث من أهمية في تاريخ ووجدان الكنيسة الصربية، وحاضرها ومستقبلها.

 

4. استعرض الوفدان الصربي والأنطاكي الأوضاع الصعبة والمؤلمة التي تشهدها الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية في سوريا ولبنان وكافة دول ومجتمعات الشرق الأوسط التي تعاني من القتل والإرهاب والتدمير والتهجير والهجرة وحالات عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي التي تضرب الإنسان وكرامته وحريته وكرامة عيشه. وجرى التأكيد على أن الوجود المسيحي الأنطاكي في الشرق أصيل، ويعود إلى ألفي سنة، وأن المسيحيين ليسوا، ولا يعتبرون أنفسهم، أقليات في هذه المنطقة بل هم من المكونات الأساسية التاريخية لها ولدولها ومجتمعاتها وهم جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي التاريخي لهذه المنطقة وفي المدى الأنطاكي وهم مستمرون في البقاء وبالتشبث بأرضهم وشهادتهم في هذه المنطقة المحورية من العالم.

 

5. تشدد الكنيستان الصربية والأنطاكية على أهمية دعم كل ما من شأنه أن يساعد الكنيسة الأنطاكية الرسولية على المضي قدما في شهادتها الخلاصية في منطقة الشرق الأوسط من أجل تثبيت المسيحيين في أرضهم وجعلهم شركاء في بناء دولة المواطنة التي تساوي الجميع بالحقوق والواجبات. تعتبر الكنيستان أن الحل الوحيد الممكن لوضع حد لمآسي كل دول هذه المنطقة هو احترام الآخر واعتماد الحوار المنفتح والتعايش السلمي بين كل المكونات ومساواة كل المواطنين بالحقوق والواجبات. أكثر من أي يوم مضى، إن إحلال السلام واحترام التنوع الديني، هما عاملان هامان ليعم السلام كل منطقة الشرق الأوسط.

 

6. تأسف الكنيستان للصمت المطبق والمستمر حول قضية خطف مطراني حلب، بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، بحيث تناسى العالم أو يتناسى منذ أكثر من خمس سنوات هذه القضية الإنسانية المفصلية. لذا تناشد الكنيستان الصربية والأنطاكية كل المحافل المحلية والإقليمية والدولية متابعة هذه القضية بشكل حثيث والكشف عن مصير المطرانين والسعي للإفراج عنهما، إيذانا بعودتهما سالمين إلى أبرشيتيهما.

 

7. تأسف الكنيستان الصربية والأنطاكية أنه لم يتم حتى اليوم وضع حد بشكل سلامي لقضية النزاع القانوني المستمر بين البطريركية الأنطاكية وبطريركية أورشليم، الناجم عن قرار بطريركية أورشليم انتخاب وتسقيف رئيس أساقفة على قطر التي هي في الولاية القانونية الكنسية التاريخية لبطريركية أنطاكية. تأسف أيضا أنه لم يتم تدارك أبعاد هذا النزاع وتداعياته من قبل كل الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، بالرغم من الاتفاق الذي تم بين الكنسيتين إثر مباحثاتهما في حزيران 2013 بحضور ووساطة البطريركية المسكونية ووزارة الخارجية اليونانية. والذي أمست بنوده موثقة في وزارة الخارجية اليونانية ولدى مراسلات البطريركية المسكونية التي أقرت بوجود الاتفاق وبنوده الثلاث.

 

8. تعبر الكنيستان الصربية والأنطاكية عن قلقهما الكبير أمام خطر التباعد والانقسام والانشقاق الذي يتهدد اليوم الكنائس الأرثوذكسية المستقلة، بفعل قرارات أحادية الطابع تهدد هنا وهناك بتداعياتها السلبية، أسس التوافق الكنسي والعلاقات الأخوية بين الكنائس الأرثوذكسية المستقلة كافة، وتضرب بروابط الوحدة الكنسية في ما بينها مما يؤثر على شهادة الأرثوذكسية في عالم اليوم. وتعتبر الكنيستان أن المرحلة التاريخية الحالية حساسة ودقيقة وصعبة جدا، وتتطلب أكثر من أي يوم مضى، الكثير من الحكمة والتروي والدراية واليقظة الروحية من أجل الحفاظ على سلام الكنيسة الأرثوذكسية ووحدتها ومنعها من الانزلاق، من حيث تدري أو لا تدري، في مطبات سياسة المحاور والمصالح السياسية للدول مما يضرب ويضعف الشهادة الأرثوذكسية في عالم اليوم.

 

لذا تعلن الكنيستان ما يلي:

 

أ- إن وحدة العالم المسيحي الأرثوذكسي وسلامه هي أمانة وضعها الرب يسوع المسيح بين أيدينا. لذا تؤكد الكنيستان أن تمتين الوحدة الكنسية الأرثوذكسية الجامعة هي أمر على شيء كبير من الأهمية، كون أن الكنيسة اليوم معرضة، لأخطار وتحديات ينتجها عالم اليوم وتناقضاته وانقساماته وتأثيراته الوجودية والمجتمعية المختلفة على الإنسان.

 

ب- لا يمكن ترجمة الوحدة الإيمانية، حقيقة وواقعًا ملموسًا وشهادة فاعلة ومؤثرة في إنسان عالم اليوم الذي تتنازعه التجاذبات المجتمعية والوجودية، إلا إذا ظهرت الكنيسة الأرثوذكسية للعالم وحدتها الكنسية، قولا وفعلا، من خلال مناهج مجمعية للعمل والتشاور واتخاذ القرارات وفقًا للترتيب الكنسي القانوني للكنيسة الأرثوذكسية وبالإجماع بين كافة الكنائس مهما كان حجمها. فالكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، وليست اتحاد أو كونفدرالية كنائس، منفصلة عن بعضها البعض، تتعامل مع بعضها البعض من منطلقات مصلحية، وتظهر للعالم كمجموعة كنائس تتنازع وتتخاصم وتتباعد.

 

ت- في ظل تواجد وانتشار الكنيسة الأرثوذكسية العالمي اليوم، تتطلب الشهادة الأرثوذكسية المزيد من المصارحة والتباحث وتبادل الخبرات والمجمعية التقليدية القانونية بين كل الكنائس الأرثوذكسية لكل ما من شأنه توحيد هذه الشهادة في عالم اليوم. لذا تؤكد الكنيستان الصربية والأنطاكية أن مصلحة الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة وضرورات الحفاظ على روابط الوحدة والشركة في الأخوة والمحبة والسلام بين كل الكنائس الأرثوذكسية، كونها أعضاء في جسد واحد، هو جسد المسيح، تتطلب مراجعة نقدية لكل المناهج والقرارات الأحادية وإعادة تفعيل جدي وفعلي ومنهجي لروح الوحدة والشورى والمجمعية والاحتكام لمبدأ الإجماع في مقاربة المواضيع الكنسية الأرثوذكسية المشتركة، ومنها قرارات منح الاستقلالية الكنسية، وأخذ القرارات المتعلقة بها بالإجماع، انطلاقًا من واستنادًا للمقاييس والمبادئ الإكليزيولوجية الأرثوذكسية والترتيب القانوني الكنسي.

 

ث- وحدها المجمعية الأرثوذكسية هي السبيل الفعال لمنع تحول القضايا الخلافية بين الكنائس، إلى عناصر تباعد وانقسام وانشقاق بينها، يهدد الجسد بأكمله. وحدها المجمعية السليمة المرتكزة بالدرجة الأولى إلى كأس الإفخارستية والشركة الواحدة هي الركيزة والأساس. لا يمكن للوضع الخطير الحالي في العالم الأرثوذكسي الناشئ في أوكرانيا، أن يستمر من دون أن يؤسس لحالة انقسام دائمة بين كل أعضاء العائلة الأرثوذكسية الواحدة، لها ضرر كبير على رابط السلام في الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة وعلى شهادتها في عالم اليوم. لذا، وبناء للحاجة الماسة اليوم من أجل منع أي تدهور أكبر لهذه الأزمة، يناشد البطريركان الصربي والأنطاكي أخاهما قداسة البطريرك المسكوني ليعيد الحوار الأخوي مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من أجل حل الخلاف بين بطريركيتي القسطنطينية وموسكو بمساعدة ومشاركة كافة رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المحلية المستقلة، وإعادة رابط السلام في الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة.