موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٩ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
الهجرة داخليًا وخارجيًا.. مسيحيو قطاع غزة يتناقصون

دنيا الوطن :

لم تترك الظروف الاقتصادية في غزة شيئاً إلا وأفسدته، ولم تترك شخصاً إلا وقد دفع ثمن هذه الظروف التي لا تميز بين مسلم ومسيحي من سكان قطاع غزة، الأمر الذي تسبب في تشكل حلم الهجرة كحل للهروب من هذا الواقع المأساوي فكانت ظاهرة تناقص أعداد المسيحيين في قطاع غزة.

ولا تقلل هذه الظاهرة شيئاً من قدرهم فيما يتعلق بتمسكهم بأرضهم وأرض الأجداد ولكن قلة فرص العمل والحصار، وتدنى مستوى المعيشة كلها ظروف دفعت بالكثيرين منهم إلى الهجرة داخلياً إلى الضفة الغربية أو خارجياً إلى العالم خارج فلسطين.

وللتعرف على الأسباب كان لمراسلة "دنيا الوطن" هذا التقرير الذي يتحدث بشيء من التفصيل عما يحدث مع مسيحيي قطاع غزة والخيارات المطروحة أمامهم في ظل هذا التشتت الاقتصادي والسياسي.

يقول سهيل ترزي مدير مؤسسة "بيلست" للدراسات والنشر والإعلام: "تعداد المسيحيين في تناقص مستمر خاصةً بعد الحصار الإسرائيلي المستمر والخانق على قطاع غزة، وهو السبب الأول الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة، والتي بدورها ألقت بظلالها السيئة اقتصادياً على الجميع، ولكن بسبب أن تعدادنا كمسيحيين أقل فإننا نتأثر بهذه العوامل بشكل أوضح".

ويضيف: "قلة فرص العمل هي التي دفعت بالكثيرين منا إلى الهجرة إما داخلياً إلى مدن الضفة الغربية أو خارجياً إلى العالم الخارجي، فإننا في هذا المقام نخشى من أن تصبح أرض ميلاد المسيح بلا مسيحيين".

"إن وجود المسيحيين في قطاع غزة يعمل على إفشال المشروع الصهيوني في إقامة الدولة اليهودية فالتنوع الثقافي الديني في فلسطين عامة وغزة خاصة نادر الوجود عالمياً، ولذلك يجب علينا أن نبقى صامدين في أرضنا إذ إن إسرائيل تحاول إفراغ الأرض من سكانها، لذلك فأنا ضد فكرة الهجرة وبشدة"، على حد قوله.

كما وينوه ترزي إلى أن نسبة البطالة بين الفلسطينيين المسيحيين في قطاع غزة تصل من 40-45% وجميعهم من حاملي شهادات ودراسات عليا من بينهم 75 فرداً يحملون الدكتوراه أو الماجستير بالإضافة إلى 340 حاملاً للبكالوريوس.

ويختم حديثه بالتأكيد على: "إن هجرة الشباب لدينا تؤدي إلى عنوسة البنات، وبالتالي نخشى هذه الأزمة الاجتماعية والتي بسببها أيضاً قد تدفع الفتاة الى الهجرة خارج غزة بحثاً عن فرص للزواج".

وطالب ترزي في النهاية الجهات المعنية بدعم صمود المسيحيين في قطاع غزة، كونهم جزءاً من النسيج الاجتماعي والثقافي على مر العصور، بدليل تقديمهم قوافل الشهداء، تضحيةً من أجل فلسطين التي ستبقى عربية إلى الأبد.

الكنيسة الأرثوذكسية توضح

يقول كامل عياد مسؤول العلاقات العامة في كنيسة الروم الأرثوذكس بغزة: "بدأ تناقص عدد المسيحيين في غزة منذ السبعينات بدءًا من 3000 مسيحي إلى أن وصل 2500 مسيحي في الانتفاضة الأولى، فقد كان هناك ثلاث عائلات مسيحية في خانيونس والباقي موزع في مدينة غزة ما بين الطائفة الشرقية والغربية (روم أرثوذكس ولاتين)".

ويكمل حديثه بالقول: "اليوم في ظل حصار ما يقارب عامه الثاني عشر، بالإضافة إلى ظروف الانقسام وتعاقب وتوالي ثلاثة حروب على القطاع كل هذه الظروف دفعت بالكثيرين من المسيحيين إلى الهجرة إلى أن وصل العدد في أحدث إحصائية رسمية تمت قبل ثلاث سنوات إلى 1050 شخصاً".

"في عيد الميلاد المجيد الماضي توجه 20 فردًا إلى الضفة الغربية كنوع من الهجرة الداخلية بحثاً عن العمل وعن حياة أكثر استقراراً، حيث تتركز الهجرة الخارجية إلى الإمارات وأوروبا وكندا وأستراليا، ولدينا تقريباً 10% نسبة هجرة سنوياً"، على حد قوله.

الهجرة للدراسة والعمل ثم اللاعودة

تقول المواطنة سناء طرزي (47 عاماً): "بعدما نجح ابني في التوجيهي سافر إلى قبرص التركية لدراسة الهندسة الطبية في عام 2009 وبعد خمس سنوات تخرج من الجامعة، وحينها حاول والده أن يجد له عملاً في غزة ولكن بلا جدوى".

وتضيف: "حالياً وجد فرصة عمل في شركة في مسقط وبسبب ظروف غزة والحصار وإغلاق المعابر لا يستطيع دخول غزة ومنذ خمس سنوات لم أره، وكلما طلبت منه العودة إلى غزة سألني عن فرصة عمل فيما إذا قدم لغزة وتم الإغلاق؟ معللاً الأمر بأنه قد يخسر عمله هناك".

وهنا يؤكد عياد: "أكثر من 90% من الطلبة الذين يدرسون في خارج غزة، يستقرون هناك ولا يعودون إلى غزة بسبب الظروف الاقتصادية التي يعاني منها القطاع على مدار عشر سنوات".

ويضيف: "حالياً في غزة هناك عائلات عبارة عن الأم والأب فقط أما الأبناء فهم جميعاً في الخارج بعد هجرة الشباب، والتي دفعت البنات أيضاً إلى البحث عن فرص الزواج بالخارج مثلاً هناك عائلة كاملة (تحفظنا على ذكر الاسم) رحلت من غزة بلا عودة وعائلة ثانية عبارة عن الزوج والزوجة وطفل صغير أيضاً هاجروا بلا عودة".

تاريخياً.. التواجد المسيحي قبل العربي الإسلامي

يقول المؤرخ سليم المبيض، أستاذ التاريخ الفلسطيني حول هذا الموضوع: "لقد سبق التواجد المسيحي في مدينة غزة التواجد العربي الإسلامي بحكم التاريخ والجغرافيا إذ دخلت المسيحية مدينة غزة في القرن الثالث الميلادي سنة 292 م مع القديس هيلاريون، إذ أسس في جنوب غزة كنيس سُمي باسمه فيما بعد على شاطئ بحر النصيرات".

ويوضح: "حصلت نقلة نوعية بالنسبة للديانة المسيحية على يد القديس الاسقف بيرفيريوس الذي قدم إلى غزة عام 395 م عندما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للبلاد فقام بتدمير المعبد الوثني الرئيسي في غزة، والذي كان مقاماً في مكان في مدينة غزة يقال إنه بالقرب من الجامع العمري الكبير في عام 420 م وهو العام نفسه الذي بنى فيه هذا الرجل كنيسة وسماها باسمه على أنقاض المعبد الوثني وضريحه موجود فيها حتى الآن".

أما فيما يتعلق بفكرة الهجرة فيؤكد المبيض: "بعد عام 1967 بدأت مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية في اضمحلال وصولاً إلى الحصار الإسرائيلي الحالي، الأمر الذي دفع بهم إلى التفكير بالهجرة للالتحاق بأقاربهم في الخارج، خاصةً وأنهم أهل دعة وحياة فيها نوع من الرفاهية".

"فبدأوا بالهجرة منذ أوائل القرن العشرين الى أمريكا وكندا وأستراليا سعياً وراء الرزق والحياة المستقرة، كما أن الدول التي يتم الهجرة إليها بالتدريج هي: استراليا ثم دول الخليج ثم أمريكا"، وفقاً لحديثه.

يذكر، أن أعداد المسيحين في قطاع غزة، بلغت 18 ألف مسيحي عام 1948 بسبب النكبة الفلسطينية وهجرة القرى إلى الجنوب، في حين بلغت أعدادهم عام 2009 نحو 3500 مسيحي.

الجدير بالذكر، أن ما يقارب من 300 مسيحي، غادروا غزة دون رجعة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة صيف 2014، إلى الدول الأجنبية ومناطق الضفة الغربية.