موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
الميلاد يبدد الخوف ويزرع الفرح والسلام

القس سامر عازر :

"سلام لكم"، وسلام عليكم وسلام معكم وسلام بينكم.

لا شيء يبدد الخوف من القلوب إلا السلام الآتي من فوق.. سلام الله الذي يفوق كل عقل فهو الذي يحفظ قلوبنا وأفكارنا..

هذا السلام الإلهي الذي طرحه المسيح على تلاميذه وهم مجتمعين خلف الأبواب المغلقة خوفاً عشية يوم قيامته المجيدة بسب الظلم والاضطهاد والمطاردة التي قد تقع عليهم من قبل اليهود وجند الرومان، كان السببَ في تبدّدِ الخوف من قلوبهم بعد معاينة أحداث الجمعة العظيمة واستعادة الثقة من جديد.

نعم، هذا السلام وهذه الثقة هي التي نحتاجها اليوم وقوى الظلام والإرهاب تضرب في بلدنا الأردن على أعتاب عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، فرسالة الميلاد لهذا العام 2017 رسالة تبدد الخوف وتدعو للثقة. قال الملاك للرعاة، "لا تخافوا"، ..هنيهة ويتبدد الخوف وينقشع الظلام وتعتمر القلوب بالفرح والسلام.

هذا السلام وعد به السيد المسيح تلاميذه عبر الأزمان قائلا: " كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام ، في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم". السيد المسيح يعرف أن ضيق العالم وأحداث العالم وعنف العالم وإرهاب العالم لا شك أنه يولد الخوف في قلوب الناس، .. والخطرُ كلُّ الخطرِ أن يتسرب الخوف إلى قلوب المؤمنين المدعوين أنْ يعيشوا بالإيمان والرجاء والمحبة. لذلك كلم المسيح تلاميذه في أكثر من مناسبة قائلا لهم: "لا تخافوا" وطمأنهم قائلا: " ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر"، "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها"، " في العالم سوف يكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم".

فلا شك بأنَّ أحداث العمل الإرهابي الجبان على يد ثلة من الإرهابيين في قلعة الكرك الأبية قد أثارت نوعاً من الفزع والخوف والهلع في قلوب المواطنين وبالذات لدى كثيرٍ من المسيحيين خصوصاً عندما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي ما مفاده بأنَّ المخطط كان لضرب وتفجير الكنائس في قداس ليلة عيد الميلاد واحتفالات رأس السنة الميلادية، وبالتالي زعزعة أمن واستقرار الأردن وخلخلة ثقة المواطنين بدولتهم وبأجهزتهم الأمنية وبمنظومة الأمن والأمان التي نتغنى بها، وبلا أدنى شك البعض بدأ البعض يتساءل عن المستقبل المجهول.

لكن، لن نسمح للخوف أن يتسلل إلى قلوبنا، أولا، لأنَّ المؤمن لا يخاف حتى وإن سار في وادي ظل الموت لأن الله معنا. نعم، هو معنا ضد الإرهاب والإرهابيين، .. هوَ معنا ضد قوى التطرف والشّر والظلام، ..هو معنا لبناء دولة المواطنة وسيادة القانون، .. هو معنا لنكون شهوداً لرسالة المحبة السلام والفرح وأن نكون بحسب وصيته المسيح نوراً في العالم وملحاً في الطعام رغم قلة عددنا الآن في الشرق. فلا داعٍ للخوف، لأنَّ المسيح دعانا قائلا:" فلا تخف أيها القطيع الصغير لأنَّ أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت"، لذلك لا يجب أن نرى في كل الظروف المحيطة بنا سبباً للفزع والخوف والهلع، بل مدعاة للإيمان وللصلاة وللثقة بمن دعانا وأرسلنا لنكون إنجيلا مقدساً مقروءً من الناس فيروا أعمالنا الحسنة ويمجدوا أبانا الذي في السموات.

ثانيا، ما يدعونا للثبات وعدم الخوف هو تماسك الأردنيين مسلمين ومسيحيين عبر الأزمان، وحدة واحدة وجسم واحد ومستقبل واحد، والحقيقة أن لا أحد يقدر أن ينكر دور الأردنيين المسيحيين في بناء الأردن والمحافظة على منعته وتقدمه وازدهاره. وستبقى العائلات والعشائر المسيحية والإسلامية سنداً لبعضها البعض في السراء والضراء، ولا بد للغيمة السوداء أن تزول.

ثالثا، ما يبدد الخوف ويزرع الفرح ثقتنا بقيادتنا الهاشمية المظفرة وأجهزتها الأمنية الباسلة. في صبيحة نفس يوم العمل الإرهابي الآثم التقى صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين برجال الدين المسيحي وشخصيات مسيحية رفيعة ليقدم التهاني بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية مؤكدأ بأنَّ المسيحيين هم جزء من النسيج الاجتماعي وأنهم مكون أصيل من مكونات الشعب الأردني وبأن قوة وصلابة الأردن تكمن في الوحدة الوطنية وفي سيادة القانون.

أخيرا، نقول رسالة الميلاد رسالة تبدد الخوف وتبعث الثقة والأمل والرجاء، فقد بشّرَ الملاك الرعاة قائلا: "لاتخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب". نعم هذا الصوت السماوي يتحدث إلينا اليوم ويقول لا تخافوا من فِعل هؤلاء، .. لا تضطربوا لأعمالهم .. لأني أبشركم بأنَّ خلاصَكم قريب ونصرَكم قريب.

رحم الله كلَّ الشهداء، وخصوصا شهداءَ الواجب، وأعاننا لنلملم جراحاتنا، ونسمو فوق كل خوف وحزن لنعلي راية الوطن ونزرع السلام والفرح والمحبة في قلوب جميع الناس. كل عام وأنتم الأردن وصاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم بألف خير وسلام.