موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
الميلاد المجيد.. الحكاية بكلمتين

واشنطن - بشار جرار :

منذ سجود الحكماء الثلاثة لطفل المغارة عرف المؤمنون بالسيد المسيح ومحبو تلاميذه وأتباعه أشكالا كثيرة للتعبير عن الفرح بالميلاد المجيد. كلها مظاهر تعبر عن الفرح بجوهر العيد وهو في نظري حكاية لا نهاية لها، لكن بالإمكان إيجازها بكلمتين: تجسد وشركة. الله تجسد في شخص إنسان مثلنا ولا قبل لنا أن نكون مثله بسبب خطايانا أقررنا بها أم كابرنا بإنكارها. وشركة بمعنى معاصرة من كانوا أكثر حظًا منا من أجداد أجداد أجدادنا -مرفوعة لتسلسل جيني الله أعلم به- معاصرتهم للسيد المسيح طفلاً وفتى وشابًا حتى كانت القيامة، وأتت شركة الروح القدس عزاء لكل نفس مؤمنة بمجده وملكوته.

من الطبيعي في عالم يحترم التعددية أن يستمر اختلاف الناس وتنوع معتقداتهم الإيمانية بشخص المسيح ورسالته بين منكر ومؤمن وما بينهما من فهم ناقص، مشوه أو مغلوط للمسيح والمسيحية والمسيحيين. ويرى البعض بحسب الموروث الاجتماعي الذي صنعه وعززه "الإعلام" أن الفارق بين عيدي الميلاد والقيامة هو تفاوت اختلافات الناس –عامة الناس– بطبيعة السيد المسيح. لهذا ترى حماسة أكثر بمشاركة غير المسيحيين بمظاهر كريسماس قياسًا بعيد الفصح – القيامة. أتفهم ذلك جيدًا كصديق وكجار وكمواطن ولكن من غير المعقول أن نستمر كإعلاميين أو كصناع رأي عام بالاستمرار في إبقاء الخطأ شائعًا خوفًا من الصحيح المهجور! فالحق أولى بأن يقال والحق أولى بأن يتّبع. "الحقيقة تحرر".

ما لم نفهم جميعًا أن الميلاد تجسد لله (كلمة الله وروحه) على الأرض كإنسان كما هو الفصح قيامة الله لذلك الإنسان من الموت تأكيدًا لكونه البداية والنهاية وخالق الموت والحياة، فإننا ندور في حلقة مفرغة من حوار الأديان. هذا هو جوهر الإيمان المسيحي والناس أحرار برفضه أو اعتناقه. الاحترام واجب على الجميع ما دمنا صادقين في احترام الآخر ومؤمنين حقًا بالمواطنة والشراكة التامة المطلقة في الحقوق والواجبات في الوطن والمهجر وتحت كل سماء. ولعله من المناسب لا بل ومن المطلوب قيادة المتنورين للرأي العام بحيث نتحدث بصدق أكثر عن جوهر العيد والإيمان بدلاً من مظاهره. بالعربي الفصيح أريد تسامحًا لا يقف عند شجرة مضاءة وسانتا كلوز منتفخ الكرش طبيعيًا أو اصطناعيًا بحشوة قطنية. أريد محاكاة ليوسف المؤمن بصدق مريم وبتوليتها، أريد انبهار الرعاة بالنور الآتي من السماء مؤذنًا بميلاد المسيح، وأريد الحكماء وقد خروا سجّدًا لطفل المغارة: خروا إيمانًا أم احترامًا تلك مسألة بينهم وبين الله وبيني وبين الله.

لا يساورني أدنى شك بأن التدبير الإلهي خلف عصر الانفجار المعلوماتي والإعلامي الذي نشهده على نحو متسارع في عالمنا. هي فرصة وتحدي حتى نطلق دون خوف العنان لحوار مثمر بنّاء لا يحاربه إلا الخائف ضعيف الحجة أو المريب بما يشين من نوايا.

في نظري وعلى قد فهمي وبحسب قدراتي الذهنية وطاقتي الروحية، لا معنى للميلاد ما لم يكن مقرونًا بالقيامة: هذا مجيد وتلك عظيمة. ما يجمعهما تجسد وشركة: تجسد الله في الإنسان وشركة الله مع الإنسان فيصبح يده التي تتصدق على محتاج وتشد من أزر ضعيف وتشفي مريض وتربت على كتف محسن لا بل ومخطئ حتى لا ييأس من رحمة الله ويعلم أن الفرص أمامه لا حدود لها لأننا نؤمن برب محب رحيم.

يا رب لا تحرمنا إيمان يوسف النجار أولاً، والرعاة ثانيًا، والحكماء ثالثًا. يا إلهي أعطنا برهم وبراءتهم وحكمتهم..