موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٢ ابريل / نيسان ٢٠١٩
المطران منيب يونان: المسيح يقيم فينا رجاء الصمود، وصمود الرجاء

المطران منيب يونان :

تحتفل الكنيسة المسيحية في جميع أنحاء العالم بعيد القيامة المجيدة. وبعد أن قضينا أسبوع الآلام المقدس وقرأنا من الأناجيل رواية الآلام، ومن العهد القديم نبوات الآلام كسفر أشعياء 53، ومن الرسائل تحليلات الآلام، وصلنا اليوم إلى مفاجأة القيامة بأن المسيح قام.. حقًا قام. فبعد صلبه وموته ودفنه قام من بين الأموات. وكما قال الملاك: "لماذا تطلبين الحي بين الأموات. ليس هو ههنا لكنه قال" (إنجيل لوقا 24: 5).

ونتساءل أحيانا بمنطق العقل: لقد شفى المسيح المرضى وأقام اليعازر صديقه من الأموات، وأطعم الجموع، واحتضن الخطأة، ورفع من شأن المرأة ومن شأن من كان مهمشاً أو مرفوضاً في المجتمع، ولم يقصّر في حق أحد من احتك به. فلماذا قامت قائمة السلطات الدينية والسياسية ضدة؟ ولماذا تحمل العذاب؟ ولماذا ضمروا له الأذى؟ فهل الغيرة أو القوة أو الخوف على السلطة هي التي دفعتهم ليحاكموه ويصلبوه ويعذبوه؟ وهل القوي هو من يحكم بمصير الناس بسبب قوته؟

لقد اختبر المسيح في اسبوع الآلام حقيقة الإنسان. فابتدأ المشهد من تلاميذه. لقد عاشوا معه ثلاثة أعوام طوال. لم يؤذهم إنما علمهم تعاليم السماء السامية. ولكن، ابنا زبدي أرادا أن يتقاسما السلطة. وبطرس وعد أن يخلص إليه حتى الموت ولكنه انكره في أول الطريق. ويهوذا الإسخريوطي باعه بثلاثين من الفضة وسلّمه بقبلة واحدة. فاختبر المسيح مرّ الخداع. ومع أنهم في آخر ليلة في العشاء الأخير تناول جميع التلاميذ طعام العشاء ولكن يهوذا أصرّ على تسليمه. لأنه أحب قوة المال وقوة المصلحة وخبث الإحتيال. وهل هذا يبدو غريباً في مجتمعنا. ألسنا نتصرف أحياناً حباً بالمصلحة الذاتية مثل يهوذا الإسخريوطي؟ ألسنا نختبر أحياناً معنى الخداع والإحتيال حتى من أناس وثقنا بهم. فالمصلحة الذاتية الضيقة تبقى أهم من المصلحة العامة ومن مصلحة الوفاء والإخلاص. وهنا تأتي نبوة زكريا في عيد القيامة هذا صائبة: "لا بالقوة ولا بالقدرة، بل بروحي قال رب الجنود". لقد قام المسيح من بين الأموات وتغلب على قوى الخداع والإحتيال وعدم الوفاء بقوة محبة أؤلئك الذين خدعوه أو أنكروه أو سلموه. فالقيامة تثبت لنا أن المسيح قام ليرجع للإنسان إنسانيته بمحبته لنا جميعاً على الرغم من تقصيراتنا وخطايانا التي اسلمته للصلب. لان الله هو محبة. وبروح القيامة غير موازين الناس وأرسى فيهم الوفاء والإخلاص والمحبة في عالمنا.

ونقرأ في قصة الميلاد عن بيلاطس الحاكم. وبضغط من الجماهير استجوب المسيح وحقق بيلاطس معه انه كان يدعي بأنه ملك: فقال يسوع: "مملكتي ليست من هذا العالم" (إنجيل يوحنا 18: 26). وحقق معه ثم قال: "أنا لست أجد فيه علّة واحدة" (إنجيل يوحنا 18: 38) "لأنه علم أنهم اسلموه حسداً" (إنجيل متى 27: 18)

وكانت عادة في ذلك الوقت إطلاق أحد المجرمين قطاعي الطرق، فسأل الجموع: "من من الإثنين تريدون أن أطلق لكم" (إنجيل متى 27: 21) أي هل تريدون أن أطلق يسوع المسيح أو المجرم باراباس، فصرخوا بصوت واحد: باراباس. والغريب، أن هذا السيناريو يطبق أيضاً في عالمنا. لقد سأل بيلاطس عن الحق ولكنه في تطبيقه العملي تناسى الحق خوفاً من أصوات الجماهير الحاقدة وخوفاً على سلطته وكرسيه. وفي عالمنا اليوم، نجد كثيراً من الساسة وأصحاب النفوذ الذين يصغون إلى أصوات الشعبوية ويتساءلون مثل بيلاطس: ما هو الحق؟ ويعرفون الحقيقة ولكن خوفاً على مصالحهم السياسية والإقتصادية يبقون صامتين أمام الحق كصمت أبي الهول. لأنهم كبيلاطس لا يريدون أن يثيروا غضب شعبوية المتطرفين. أو يريدون أن يتفادوا كراهية من حرضوهم على الحقد. ولكن الغريب، أن المسيح قد قام وداس غضب الشعبوية والكراهية وأظهر للعالم أجمع أن الحق يعلو ولا يعلى عليه مهما تحاشاه الساسة أو أصحاب النفوذ. وأظهر لهم قوة حق القيامة: لذلك، "لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود". وكما قال يسوع لبيلاطس: "قد اتيت الى العالم لاشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي" (إنجيل يوحنا 18: 37(

وفي قصة الآلام، نجد أن الساسة والقائمين على الحكم يتفقان على الظلم. فنرى أن بيلاطس وهيرودوس اللذان كانا من ألد الأعداء قد تصالحا عند محاكمة المسيح الصورية. فمنذ اعتقال المسيح، "صار بيلاطس وهيرودوس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما". (إنجل لوقا 23: 12). ولقد تصالحا ليحافظ كلا منهما على حياته السياسية. فلم يهمهما براءة هذا الرجل البريء يسوع المسيح إنما اهتموا بمصالحهما السياسية وهكذا اعتبروا أن قوة سلطتهم هي أقوى من قوة الحق.

ونرى اليوم، في عالمنا الغريب العجيب، أن بعض الساسة يدوسون على الحق ويتصالحون مع أصحاب الظلم من أجل امتداد سلطة حكمهم. فلا يهتمون بالحق ولا بالشرعية الدولية ولا بالمواثيق الدولية إنما يسخّرون بالحق من منطلق قوتهم الأرضية ولا مانع لهم بأن يعبثوا في مصير الشعوب المظلومة التي تبحث عن الحق والعدالة والحرية. فتصرفوا مرهبين العالم بقوتهم العسكرية والإقتصادية وقدرتهم السياسية. ولكن قد انتهى حكم هؤلاء الظالمين في التاريخ الذين وقفوا مع الظلم والقمع، لكن المسيح في قيامته بقي حياً حاملاً رسالة الحق لكل مظلوم، ورسالة الحرية لكل من يفقده، ورسالة العدالة لمن يبحث عنها. وهكذا أثبتت القيامة: أنه مهما يلعب الساسة وأصحاب النفوذ في مصير الشعوب، إلا أن العدالة تنتصر مهما طال الزمن ومهما غيروا بقوتهم اللعبة السياسية. وأثبتت القيامة ثانية أن المسيح داس الظلم بموته وأعطى العدالة والحرية لكل بني البشر لأن إلهنا هو إله العدالة. وطالما أن الله هو إله العدل، فهذه هي قوتنا وهذه هي رجاؤنا. لذلك، مهما لعبت القوى العظمى في مصير الشعوب، لنصمد بقوة القائم من بين الأموات الذي يأتي دائماً بالحق والعدالة والحياة الكريمة لكل إنسان.

يسأل بعضهم: هل أنتم في هذا الوضع السياسي الخانق متشائمون أم متفائلون، فتقول: بأننا لسنا متشائمين ولا متفائلين: نعم، إن ما يجري في بلادنا وفي الشرق الأوسط عامة يقلقنا ويخيفنا ويقُضّ مضاجعنا. فمن ناحية، انعدام السلام والالتفاف على الشرعية الدولية، ومن ناحية قانون القومية الذي اقر، ومن ناحية أخرى، انقسام الشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى، ما يجري في المشرق العربي حولنا. كل هذا وغيرها، تحاول أن تسرّب اليأس والاحباط إلى قلوب الناس مما دعا بعضهم إلى الهجرة. ولكن القيامة تتحدانا في هذا الوقت بالذات. فقد تبدو أن الجمعة العظيمة هي أطول من فكرنا وهي مؤلمة ولكن القيامة أثبتت لنا بأن المسيح قام. وقيامته هي حقيقية. وكما قام بعد العذاب الطويل، فهو سيأتي بالحرية والعدالة مهما تصرف أصحاب النفوذ وأعمياء الحق. إن المسيح القائم من بين الأموات هو ملجأنا الوحيد الأكيد. وهو الذي في هذه المرحلة الدقيقة يقوينا بقيامته لنصمد على أرض القيامة ولنستمر في حمل راية الحق والعدالة والسلام وإعطاء كل ذي حق حقه. إن صمودنا في قوة المسيح القائم هي رجائنا الوحيد. لأن إلهنا هو إله العدالة والحق.

قال أحد الجراحين الكبار: يستطيع الإنسان أن يعيش ثلاثة أسابيع دون طعام، وثلاثة أيام دون ماء، وثلاثة دقائق دون هواء ولكنه لا يستطيع الإنسان أن يعيش ثلاث ثوان دون رجاء ودون أمل. والقيامة هي التي تحيي فينا هذا الرجاء الأكيد. إن المسيح قام ويقيم فينا رجاء الصمود وصمود الرجاء. فعلينا، ألا نخاف وألا نستكين وألا نضعف أمام مجريات الحياة الأليمة. لأن المسيح داس الموت بالموت ومنحنا الحياة الكريمة المليئة بالحرية والحق. لذلك فروح القيامة هو بكلمات النبي زكريا: "لا بالقوة ولا بالقدرة، بل بروحي قال رب الجنود".

وكل عام وأنتم وعائلاتكم بألف خير متسلحين بقوة رجاء القيامة.